نعتقد أنّ مصطلح »المؤقت« الذي ترسّخ في تونس ما بعد 14 جانفي قد عمّ كل القطاعات والمجالات بما في ذلك اساسا القطاع الثقافي الذي كان ولا يزال قبل ثورة تونس وبعدها وقتي ومؤقت ومتحفز للتغيّر في أي لحظة، خاصة حين يتعلق الامر بمهرجان كبير وعريق اسمه: مهرجان قرطاج الدّولي الحالات »المؤقتة« وكدت أقول »المتوقفّة« لاحقت المهرجان في العشرية الاخيرة الى حدود الساعات القليلة التي تسبق انطلاقة في كلّ عام، فكان يحْكم على فنان بالغناء بالمهرجان مع تأجيل التنفيذ وذلك بعد ان يتدخّل »القصر« في البرمجة فيعفي من يشاء من شرف الغناء ويزّكي كل من كان له ولاء للعائلة والحاشية و»الصّحبة الحلوة«. ومنذ أن تمّ التدخل السافر والجاهل في برمجة المهرجان وقرطاج يفقد سنة بعد سنة ألفة وبريقه وإشعاعه الدولي ليتحوّل من مهرجان ثقافي إلى مهرجان »روتاني« او في أسعد الحالات الى غناء عشوائي بمزاج رئاسي! اليوم وبعد كل ما حصل في تونس من ثورة مباركة اعتقدنا جميعا ان »دار الفنّ« لن تبقى على حالها... إلاّ انه وللاسف الشديد ازدادت سوء أحوالها، وأوّل الغيث »بوشناق« فانشقاق؟ لطفي بوشناق هذا الفنان التونسي فالعربي الذي لا يشكّ اثنان في قيمته الصوتيّة وعمق جمله اللحنية اضافة الى كلمات اغانيه المرجعية، تمت تزكيته مؤخرا ولا ندري ممّن ؟ لينال شرف افتتاح مهرجان قرطاج الدولي في ثوبه الجديد بعد تونس الثورة... فجُوبِه هذا التعيين الذي تنصل منه طرفَا القرار ومن وقع عليه الاختيار، فأقرّ بوشناق ان التعيين جاءه بفعل فاعل ولا حول ولا قوّة له فيه، وأكد المشرفون على التعيينات أنّهم لم يرشحّوا بوشناق للافتتاح... ومن كان فيكم على بيّنة: بالامر فلْيُفهمْنَا، وإلاّ سقطنا جميعا في معظلمة الكلمة المأثورة »غلطوني«. ومهما يكُن من أمر التعيين وما خفّ به من ملابسات هي أقرب إلى ممارسات عهد فات فإن الامر هذه المرّة كان مضاعفا أوّله ألم أصاب الفنان موضوع النزاع وثانيهما ألمنا نحن معشر المراقبين لما يحدث في الحقل الثقافي التونسي غداة الثورة التي انتظرنا منها ان تلملم جراحنا السابقة في الذوق والأخلاق، ففاجأتنا بصراعات من نوع جديد فيها الكثير من الوعيد لكل من سوّلت له نفسه من العازفين المنضوين ضمن نقابة المهن الموسيقية بالمقاطعة إذ هم ساهموا في حفل افتتاح بوشناق؟ هذه الحركة الاحتجاجية لنقابة المهن الموسيقية بغضّ النظر عن سلامة نواياها من عدمها بدت لنا قاسية، عنيفة في مستوى الشكل على الأقلّ... فببيان النقابة لا يمثل بأي شكل من الاشكال روح الفنان الذي جُبِِلَ على الحسّ المرهف والتسامح والتصالح الى جانب الدفاع المستميت عن الفنانين من النقابيين وغير النقابيين. لكنّ المصالح قتلت روح التصالح في فنانينا، والخوف كلّ الخوف بعد إلغاء حفل بوشناق، ان يتعاطف كل المطربين مع زميلهم المطرب فنرى على امتداد المهرجان موسيقيين ولا نسمع مطربين!!