تتطلب الإجابة عن سؤال: ما هو الدور الذي يضطلع به الشباب في الانتقال الديمقراطي شرح مفهومين أساسين أولهما قد يبدو بديهيا وهو الشباب وثانيهما نحن حديثو العهد به في تونس وهو مفهوم الانتقال الديمقراطي ولذلك لا بد من الوقوف عليه بالشرح والتفسير. 1) مفهوم الشباب: الشباب: فئة عمرية أم حالة روحية ؟ ٭ علميا: نعرف الشباب بالمعطى العمري أي السن المتراوحة بين الطفولة والكهولة فالشاب أو الشابة هو من يتراوح عمره وعمرها: ٭ بين 15 و24 سنة في البلدان المتقدمة على اعتبار أنها سن تغير المعطيات الجسمانية أي سن النمو البدني للفتاة كما للفتى. ٭ بين 18 و35 سنة في البلدان النامية والأقل نموا على اعتبار تأخر سن الاندماج في الحياة الاقتصادية والمجتمعية. غير أن الشباب لا يتحدد بناء على المعطى الطبيعي والفيزيولوجي فقط. ٭ العوامل الثقافية والاجتماعية والنفسية المحددة في مفهوم الشباب: الشباب هو الذي لديه متسع من الوقت لبناء مستقبله وفق تصوراته الشخصية نحو استقلاليته من خلال قدرات جسمانية تسنح بذلك. الشباب إذا فترة اكتساب الفرد لنوع من النضج. فالشباب هو حالة نفسية وروحية، خلال هذه الفترة يؤسس الفرد مشاريع حياته ويبني تصورات عن مستقبله، هي فترة البحث عن الذات ومحاولة بنائها وتحديد الاختيارات الشخصية نحو الاستقلالية دون خوف كبير من العراقيل.
٭ التعريف الذي يوفق المعطيين العمري والنفسي والثقافي والاجتماعي: هي فترة النماء والتطور، حالة، ميزتها اكتشاف الأشياء دون إعطائها صبغتها النهائية، ما بين الطفولة والنضج، إنها فترة التحديات الكبرى وخاصة فترة إثبات الذات بحرية كبرى وإقدام على المخاطر وشيء من المثالية وتوق لتغيير العالم على طريقته (معجم لا روس). يقول جورج بارنانوس:«عندما تخبو حرارة الشباب ويصير باردا يفقد العالم أسنانه» ولأن شباب تونس لم يفقد حرارته ولم تسقط أسنان تونس فقد تمكن من طرد رمز السلطوية والديكتاتورية فكيف يمكن بذات الحرارة أن ينتقل الشباب بتونس نحو ضفة الديمقراطية؟ وما هي المسؤوليات المناطة بعهدة الشباب التونسي حتى يمضي بالبلاد نحو حكم الشعب لنفسه وبنفسه ومن أجل نفسه (أبراهام لينكولن1863) ونحو «نظام يمارس فيه المواطنون السلطة والتي تكون خاضعة لرقابتهم» ( تيودور هولو). 2 ) مفهوم الانتقال الديمقراطي: الانتقال الديمقراطي مسار سياسي يتسم بالمرور السلمي والتدريجي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. تجدر الإشارة إلى كون مرحلة الانتقال الديمقراطي تأخذ فترات زمنية مختلفة بحسب الإطار الزماني والمكاني الذي تتنزل فيه، فلا توجد وصفة سحرية وموحدة لكل تجربة انتقال ديمقراطي وإنما ترتهن هده الأخيرة بالمعطيات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي لا بد من تشخيصها ودراستها وبناء عليها يتجه إيجاد الآليات المناسبة لإحداث الانتقال الديمقراطي. وبصفة عامة يمكن القول أن الانتقال الديمقراطي يرتبط بالثقافة السياسية ومدى تجذرها في البلاد أي وحده المجتمع الذي يتقاسم مجموعة من القيم المشتركة يستطيع تحقيق الديمقراطية وبنفس الدرجة لا يمكن تحقيق الديمقراطية بدون نمو اقتصادي واجتماعي وهو ما يعكسه تطور بعض التجارب المقارنة. يمر مسار الانتقال الديمقراطي ضرورة بمرحلتين مترابطتين: العبور من نظام سياسي نحو نظام ثان ٭ يفترض الانتقال الديمقراطي تقويض قواعد اللعبة السياسية المكرسة للانفراد بالحكم والديكتاتورية. ٭ خلق فاعلين سياسيين جدد. ٭ إرساء قواعد لعبة سياسية جديدة. ٭ العدالة النتقالية ٭ لا يكتمل مسار الانتقال الديمقراطي إلا عبر: ٭ إرساء سلطة نابعة عن الانتخاب الحر والمباشر والنزيه والعادل. ٭ اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ٭ احترام التعددية والتداول على السلطة ٭ مساواة جميع المواطنين أمام القانون ٭ احترام الحريات الفردية والعامة ٭ إرساء حرية الإعلام والصحافة ٭ تدعيم الأسس الديمقراطية ٭ إدارة اللعبة السياسية عبر الحوار بعيدا عن نفي الصراع أو إنكاره. ٭ تسيير الصراع بتشارك كافة الأطراف من حكومة منتخبة ومجتمع مدني وسياسي ومعارضين. ٭ خلق آليات مراقبة المحكوم للحاكم ٭ خلق النمو الاقتصادي الذي يحقق نماء اجتماعيا وإنسانيا يحترم الحقوق الإنسانية من حرية ومساواة وكرامة وعدالة تكون مكفولة للجميع بعيدا عن التهميش أو الوصاية. 3) في أشكال الانتقال الديمقراطي: بلدان كثيرة عاشت مرحلة الانتقال الديمقراطي بسياقات مختلفة أشكال متباينة أيضا يمكن تقسيمها إلى صورتين: أ) الدمقرطة من الأعلى أو الماكرو سياسي: هو شكل يتم فيه الانتقال عبر عقد امتياز سياسي موجه إلى الحركات الاجتماعية من خلال تغيير التشريعات والقوانين بدءا بالدستور في أحيان كثيرة والدي ينطلق من فكرة أن وجود الدولة يستوجب بالمعنى القانوني وجود دستور «تستمد الدولة وجودها قبل كل شيء من وجود دستور خاص بها». قد يتساءل المرء لمادا الدستور, ويجيب الأستاذ كوناك عن السؤال قائلا «ليست الدساتير تقنيات تنظيم السلطة فحسب وإنما هي أيضا آليات وتقنيات الحرية». فالدستور هو وسيلة إدارة وتحديد سلطات الحكومات من أجل ضمان حريات المحكومين. من بين البلدان التي انتهجت هدا المنوال نجد البرازيل حيث تكتلت الحركة الديمقراطية البرازيلية لتشكل المعارضة الأساسية ثم حيدت المؤسسة العسكرية التي كانت تمثل يد الديكتاتورية وفرضت قانون العفو وتغيير القانون الانتخابي والتعددية الحزبية ثم من خلال تلك القوانين استطاعت الفوز في انتخابات 1974 لتشرع في عملية انتقال اقتصادي واجتماعي عبر شراكة بين الحكومة والمعارضة. ب) الدمقرطة غير المهيكلة أو الميكرو سياسية : أي التي لا تخضع لمنطق تغيير القوانين أو التشريعات وإنما تلك التي تبدأ بشكل أفقي ينبني على تغيير السياسات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق تدبير السياسات العمومية من سياسات مالية وتعليمية وصحية وإدارة وقضاء وغيرها (بولونيا من خلال إعادة الهيكلة من نمودج اقتصادي يعتمد التخطيط إلى نموذج يعتمد الاقتصاد الحر). في خصوص المرحلة التي تمر بها تونس يمكن القول أن العفو العام وحل المجالس النيابية ثم تعليق الدستور والمضي نحو انتخابات مجلس تأسيسي ليضع دستورا جديدا للبلاد يجعلها تندرج صلب البلدان التي عاشت سياق الانتقال الديمقراطي الماكروسياسي وهنا قد نطرح السؤال: هل اختار الشباب المضي نحو الدمقرطة من أعلى وقد اندلعت الثورة من أجل حقوق اجتماعية واقتصادية رافعة شعار «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق»؟ لا يختلف عاقلان حول توصيف الثورة التونسية واعتبار أن صانعيها هم شبان وشابات تونس الذين استبسلوا في التصدي للآلة البوليسية مبدعين تقنيات ثورتهم بتحولهم إلى مراسلين صحفيين ينقلون الحقيقة إلى العالم وتحصنهم بالعراء في مواجهة الرصاص والعصا. بالتالي صنع الشباب التونسي ثورة تونس. إلا أنه يتجه تأييد الأستاذ الصادق بلعيد فيما ذهب إليه من أنه :«عندما تكون هناك ثورة ثمة ثلاث أصناف من المتدخلين: أولئك الذين قاموا بالثورة، أولئك الذين يفكرون حول الثورة، وأولئك الذين يكتفون بوصفها». كيف يمكن أن يتحول الشباب من صانعي ثورة إلى مفكري الثورة؟ 4) دور الشباب في تأطير الانتقال الديمقراطي: ما من شك أن الشباب قد فرض باعتصامي القصبة الأول والثاني تعليق الدستور والمضي نحو انتخابات مجلس تأسيسي يكون المشروعية الجديدة بالبلاد وبذلك يمكن اعتبار أن الشباب أطر الانتقال الديمقراطي وفرض مركزية سيادة الشعب من خلال دستور يضعه ممثلوه عبر الانتخاب الحر والنزيه والشفاف. ويعد تحقيق هدا المطلب ثورة في حد ذاته على اعتبار رمزيته أولا لأنه يطرح القطع مع الآليات القانونية التي طالما كرست القمع والاستبداد ويفتح أبواب إرساء دولة المواطنة، ثانيا لأنه عكس درجة وعي الشباب وقدرته التنظيمية والتأطيرية العالية وكذلك وقدرته على إبداع التصورات الاستشرافية التي استوعبت آليات الانتقال الديمقراطي. غير أن هدا المكسب لا ينفي أن الشباب لا يزال في موضع المفكر عنه فتمثيليته ضعيفة جدا في مراكز القرار الآن وبالتالي كيف لشباب صنع الثورة أن يمسك بمصيره بيديه كيف يمكن أن تصير ثورة تونس شبيهة بثورة ماي 68 بفرنسا والتي في خضم بضع سنوات أنتجت حكومات شابة؟ 5) انخراط الشباب في الانتقال الديمقراطي عبر انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي اقتضى القانون الانتخابي انه يحق الانتخاب لكل تونسية وتونسي بالغ وبالغة من العمر 18 سنة يوم 24 جويليلة 2011 وفي دلك توسيع لعدد من يحق لهم الانتخاب على اعتبار أن هده الفئة العمرية هي فئة واسعة عدديا وبالتالي يحق لهم الانتخاب وهنا يكون الدور الحقيقي الذي سيلعبه الشباب في اختيار ممثليه فيمكن أن يضمن الشباب تمثيليته باختيار القوائم التي تضم شبابا يقاسمونهم المشاغل والتصورات. 6) انخراط الشباب في الانتقال الديمقراطي عبر الترشح لعضوية المجلس التأسيسي اقتضى مرسوم القانون الانتخابي أنه على كل قائمة حزبية أو مستقلة أن تسعى إلى تقديم من ضمن مرشحيها شابا أو شابة يكون عمرهم أقل من ثلاثين سنة : ٭ يمكن أن يضمن الشباب تمثيليته باختيار القوائم التي تضم شبابا يقاسمونهم المشاغل والتصورات وأقل شبابا يعبرون عنه ويحملون في برامجهم مشاريع خاصة به. ٭ ترشح الشباب في قوائم حزبية أو مستقلة تساهم في تشبيب الطبقة السياسية و خلق قيادات ونخب جديدة وإعطاء المجلس الحرارة التي يتحدث عنها بارانانوس. 7) الشباب واليقظة الديمقراطية وبمعزل عن المجلس التأسيسي فإن دور الشباب رئيسي في لعب دور اليقظة الديمقراطية. ٭ بإمكان الشباب عبر تمكنه من وسائل الاتصال الحديثة رصد وفضح كل أشكال الاعتداء على حرية التفكير والتعبير ومختلف مظاهر العنف وانتهاك حقوق الإنسان وبالتالي محاربة تيارات الثورة المضادة. ٭ التحرك من خلال الجمعيات والأحزاب والأطر النقابية ينمي الحس الجماعي لدى الشباب ويحوله إلى قوة ضغط تصوغ البدائل والمقترحات وتدافع عنها لتحقيق مطالب الشباب والقطع مع التهميش والوصاية والفقر والبطالة وهناك عديد المبادرات بل إسهاب في هدا المجال ولذلك من الوجيه توحيد الجهود والعمل عبر التشبيك والائتلافات الشبابية. ٭ التعبيرات الفنية المختلفة للشباب تترجم مساحة الحرية التي يتمتع بها وتساهم في تنمية حس المواطنة ونشر ثقافة التنوع والاختلاف بعيدا عن التحجر والنمطية والرجعية. ٭ تجميع مختلف المطالب الاقتصادية والاجتماعية وصياغة العهد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمطالبة بإكسائه قيمة دستورية. الترشح وانتخاب ممثلي الشباب والشعب في المجلس التأسيسي واليقظة الديمقراطية الدائمة والعمل على صياغة مشروع مجتمعي حداثي يكفل قيم التنوع والاختلاف والحرية والكرامة والعدالة والمساواة وصياغة عهد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ذي قيمة دستورية تضمن نجاح الانتقال الديمقراطي.بدلك تصبح للانتقال الديمقراطي أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نحو تحقيق أهداف الثورة ونتجاوز بالانخراط في هدا المسار الشعار المرسوم على أحد جدران شارع الحبيب بورقيبة «أنا لا أستطيع أن أحلم مع جدي» فيصير كالتالي «أنا أستطيع أبن? مع جدي».