تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    المانيا.. إصابة 8 أشخاص في عملية دهس    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تنتابني الكآبة، ألجأ إلى مصحف القرآن، فأتلو منه الكثير من السور
قصة عمر يرويها خير الدين الصالحي (الحلقة السادسة): بشائر النصر جاءتنا من إحالة نقابيي سوسة على محكمة أمن الدولة
نشر في الشعب يوم 06 - 08 - 2011

زاد التشويق في قصة الأخ خير الدين الصالحي وتنوعت التفاصيل من خلال تطور الأحداث فمن الاضراب العام المقرر الى يوم 26 جانفي، الى مختلف الاطوار التي حفت بمحاصرة النقابيين في مقر الاتحاد من 25 الى 27 جانفي ثم الى مختلف أطوار البحث الابتدائي.
في هذه الحلقة، نتعرف على تفاصيل ضافية من الابحاث التي جرت في مقرات أمن الدولة في وزارة الداخلية.
وكان سي خير الدين قد أنهى الحلقة بالحديث عن كيفية ايقاف اعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد ونقلهم الى مقرات أمن الدولة وكان آخرهم المرحوم الزعيم الحبيب عاشور.
٭ والأخ الحبيب عاشور متى جيءبه؟
كان هو آخر واحد جيء به إلى مقرّ إدارة الأمن، وقد أقام في غرفة وظروف أفضل، أمّا أعضاء الهيئة الإدارية وبقيّة المناضلين فقد أقاموا في الأسفل.
٭ كيف جرت معك الأبحاث، هل تعرّضت إلى التعذيب؟
أول بحث قاموا به معي تمثل في أن أحد مسؤولي الأمن جاءني في اليوم الموالي ومدّ لي كمية من الأوراق البيضاء وقلما ثم ورقة أخرى كتبت عليها أربعة أسئلة، وأذكر أنّ أوّل سؤال صيغ بالطريقة التالية: متى انحرفت؟
٭ ما معنى ذلك؟
وقتها كان المسؤولون في الحكومة والحزب وفي الإعلام يقولون انّ القيادة النقابية انحرفت عن الوحدة القوميّة، وعن الاجماع، وعن قرارات الحزب والحكومة وغير ذلك، ومن هنا جاء ذلك السؤال، وأذكر أنّ مسؤولا آخر في الأمن كان حاضرا تهكّم عليّ وقال في لغة ساخرة: لا تنسوا أنّ الرّجل عضو في اللجنة المركزيّة وفي مجلس الأمة!
وفي ردّي على ذلك السؤال، كتبت ما معناه أنني أمام التهديد الذي سمعته من الامين العام للحزب من خلال قوله «العصا لمن عصى»، اخترت أن أحمي منظمتي وأن استقيل من الحزب الذي يريد ضربها.
وكان جواب بذلك الشكل إنّما المقصود منه إدانة ما فعلته الحكومة والحزب ضد الاتحاد وضدنا كمسؤولين ومناضلين وتحميل مسؤولية ما جرى لهما.
وقد علمت فيما بعد أن ذلك الجواب اعتبر وقاحة (insolence) منّي. والدليل أنّه تواصلت معاملتي بشيء من العنف اللفظي مقابل وقاحتي حث كنت شديد المجادلة، كثير التدقيق في الجزئيات، وكثير التوقف عند التفاصيل ومن ذلك أنّ أحد البحاثين، وهو معروف بعمله في الشرطة إبان فترة الاستعمار، شكك في رجولتي ووطنيتي فأسمعته غليظ القول وعيّرته بعدائه للحركة التحريرية وللوطنيين فأنا من طبعي لا أحتمل الكلام البذيء ولا أستعمله ولا أحبّ الفذلكة، واعتقد انّ الرجل قرر عقابي وإخضاعي إلى حصّة تعذيب، بما أنّ أحد «القوريلات» كان يقف غير بعيد منّي وهو يفرك أصابعه ويضرب قبضة في قبضة. ويبدو أنّ الرجل ذهب يطلب رخصة أو يستشير رئيسه في الأمر، ولا أخفيك أني خفت شديد الخوف وهيأت نفسي إلى «تريحة نباش القبور»، بعد حوالي عشر دقائق، عاد الرجل وكان باديا عليه الغضب والحنق، نظر إليّ شزرًا، جمع أوراقهُ ثم ذهب في حال سبيله.
عون الأمن المكلف بحراستي إلتفت إليّ بعد ان ذهب الرجل ولامني على تصرّفي معه وأفهمني إنني عرضت نفسي إلى عقاب شديد وأنّ اللّه وحده هو الذي انقذني من بطش ذلك الرجل. وأوصاني أن لا أتحرّج مستقبلا من أيّ كلام بذيء يوجّه إليّ، فما ذلك إلاّ وسيلة عمل.
٭ لم تتعرض للضرب إذن؟
في الحقيقة لا، لم يضربني أحد رغم الكثير من التهديدات والايحاء بذلك، وأنا اعتقد أن أكبر تعذيب هو التعذيب النفسي.
٭ كيف ذلك؟
في أحد الأيام، دعوني إلى أحد المكاتب، وما ان دخلت، حتى وجدت إسماعيل السحباني ملقى على «بنك» وهو يئنّ ويتألمّ، سألته: «ما بك، ماذا جرى لك؟» ردّ عليّ بصعوبة: «باش نموت يا سي خير الدين، تعبت برشة».
وفيما نحن كذلك، دخل أحد المسؤولين فبادرته بالقول: «اتركوه، فأنا أتحمّل مسؤولية كل شيء».
٭ فماذا بالتحديد؟
جرى بحث إسماعيل السحباني ومحمد شقرون اللذين كانا في ذلك الوقت عضوين في جامعة المعادن ونقابة «المسابك المتجمعة» من أجل بعض الكرات الحديدية الصغيرة التي عثر عليها في مقرّ الإتحاد واعتبرت من نوع الأسلحة التي اتهم النقابيون بإعدادها.
٭ وما حقيقة هذه الكرات، سمعنا عنها روايات مختلفة وما علاقتك بها، بما أنّك قلت للأمن أنّك تتحمل المسؤولية؟
الحقيقة وأنني الى يوم الناس هذا لم أر هذه الكرات ولم أسمع بها ولم أسمع أنّ أحدًا من قيادة الاتحاد طلب صنعها، على الأقل في حضوري، وحتّى لما وقع إثارتها معي، ذهب في ظنّي أنّها الكرة الحديديّة التي تجري بها اللعبة المعروفة، ومن ذلك أنّهم لما بحثوا السحباني وشقرون عن الموضوع وضربوهما لانتزاع الاعتراف منهما بأنّ القيادة هي التي طلبت صنع تلك الكرات، جاؤوا بي الى حيث كان ملقى على «البنك» وسألوني كما يلي:
كنت ذات يوم مع عاشور في مكتبه، لما دخل عليكما شخص معيّن، وقال لكما كلامًا معينا، فمن هو وماذا قال؟
أجبته: واللّه هذه أقرب الى الطُلّيعة، لان مكتب عاشور يدخله الناس بالعشرات فهل من تدقيق؟
طبعا أجاب البحّاث أو بالأحرى، علّق بطريقته.
٭ ولكنّك لم تجبني عن الكرات؟
شوف، قد يكون وقع التفكير في نوع من هذه الكرات التي تستعمل في الدفاع عن النفس،، ولكن أنا أنفي نفيا قطعيا أن تكون القيادة فكّرت يوما ما في إستعمالها أو استعمال أي سلاح أيا كان نوعه.
٭ حتى للدفاع عن النفس؟
حتى للدّفاع عن النفس، خاصة وإننا كنّا نؤمن وننادي بمبادئ وحقوق.
٭ يقال أنّ عاشور فكر في الموضوع وكلّف السحباني بذلك ومعه محمد شقرون؟
لا أتصوّر، ولو كان الأمر كذلك لأعلمني سي الحبيب بذلك خاصة وأنّ شقرون إبن جهتي، بل بالعكس من ذلك، حرصت شخصيا على ابعاد أيّ شيء يمكن أن يكوّن شبهة ضدّنا، وعموما فإنّ هذه المسألة لم تطرح إطلاقا، وحتّى سي الحبيب لم يطرح الموضوع لا من قريب ولا من بعيد.
٭ طيب، ما الذي جرى من بعد؟
بقيت على خوفي من عقاب محتمل 3 أيام. بعدها، فوجئت ذات صباح بشخص ضخم الجثّة يضمني ويقبّلني ويسلّم عليّ بحرارة، ويسألني عن أحوالي وعما إذا كنت أريد شيئا ما. هو من أعوان الأمن يعمل في تلك الإدارة، وهو أصيل باجة ويبدو لي أنّه كان من بين «القوريلات»، وزاد فقال لي أنّه كان في إجازة مطوّلة وعاد يومها فقط، طبعا فهمت من بعد ان ذلك كان تسترا منه على ما قد يكون فعله مع زملائي، وربّما معي لو اقتضت الأمور، المهمّ انني طلبت منه أمرًا، فأتاني به وطمأنني على العائلة كما طمأن العائلة عليّ، وفي المرة الموالية جلب لي «قفّة» مملوءة بضائع ومأكولات،، أخذت منها نصيبا ووزّعت البقية على زملائي وكذلك لأحد الأعوان الذين كانوا يحرسونني.
٭ هل معنى ذلك أنّ الامور أخذت بالانفراج؟
«الهمّ فيه ما تختار» ففي خلال شهر أفريل 1978، دعاني إلى مكتبه أحد كبار البحاثين بحضور أحد «القوريلات» ولما جلست في المقعد المخصص للمتهمين، دعاني إلى الجلوس قريبا منه وإقترح أن يهديني قهوة.
قال لي: أنت معروف بصراحتك، ما رأيك في إدارتنا وأعواننا؟
قلت له: أنواع
قال لي: ماذا تقصد؟
قلت: هناك شرطة تحرسنا وشرطة تسهّل أعمالنا وشرطة تساعدنا وتحمي ابناءنا، هؤلاء مرحبا بهم وأهلا وسهلا، أمّا الشرطة التي رأيتها هنا فالشفاعة منها. ضحك ومضى يطرح اسئلة محدّدة، وبعدها طرح أمامي محضرا فأمضيته ثم قال لي: تفضّل!
قلت: إلى أين؟
قال: إلى سجن 9 أفريل
لا أستطيع أن أصف لك فرحتي، فالذهاب الى السجن، يعني نهاية المتاعب ونهاية العذاب.
بعد أيام في السجن، أخذوني للمثول أمام حاكم التحقيق الذي وجه لي عديد الأسئلة ولاحظت أنّه يسألني عن أشياء لا علاقة لي بها وكانت واضحة نيّة تحميلي مسؤولية أكبر.
أحسنت الإجابة ودافعت عن نفسي بكل قوّة، وفنّدت كل التهم الموجهة لي وأقمت الدليل على أنّها تهم مفبركة، حتّى أنّ محامي الاستاذ محمد محفوظ طلب لي الافراج المؤقت. طبعا رفض حاكم التحقيق الطلب، ولما غادرت مكتبه، وقف لتحيتي وسلّم عليّ بحرارة قائلا: «ربّي معاك»، وأمضى أمرًا بايداعي سجن 9 أفريل.
٭ هذه تجربة مغايرة بكل تأكيد؟
بالفعل هي تجربة مغايرة، وأعتبر انّي كنت محظوظا، بما اني أقمت في محلّ التمريض، يسمونه كذلك ولكنّ الأمر يتعلق بغرفة محاذية لذلك المحل لا غير.
فعندما يدخل المرء من الباب الرئيسي للسجن المدني يجد أمامه بابا ثانيا يفتح على محلّ التمريض ثم بابا ثالثا يفتح على الساحة (آريا). وهذه الساحة مكشوفة ولكنها محميّة بقضبان غليظة من الحديد. وعرفنا من بعد أن تلك القضبان وقع وضعها من أجلنا.
أمّا الغرفة فهي ذات 2 على 3 متر كمقاسات وجدرانها ترتفع الى نحو 5 أمتار، يأتيها الهواء من كوّة في الأعلى ومن ثقب صغير في الباب، بها سرير وطاولة وكرسي ومكان منزو لقضاء الحاجة البشرية محمي بجدار صغير لا يزيد ارتفاعه عن متر، أي بشكل يمكّن الحارس من ان يراك كلّما نظر من ثقب الباب، وفي أي وضع كنت.
الغرفة صيفا، قائضة وشديدة الحرارة وأغلب الوقت، أقضيه فيها عاريا، أمّا في الشتاء فإنّها باردة الى أبعد حدّ، بحيث أنّ عشرة أغطية مجتمعة لا تستطيع ان تحمي السجين من بردها.
وفي هذه الغرفة وبمواصفاتها المذكورة، نقضي كامل اليوم، لا نقتطع منه إلاّ 25 دقيقة للقيام بجولة في «الآريا» واحدًا بعد واحد وذلك حتى لا نلتقي ولا نتحادث، مرت أيامنا على هذا النحو حتى جاءت المحاكمة.
٭ وماذا عن بقية رفاقك أعضاء المكتب التنفيذي؟
جاؤوا تباعا وكانت إدارة السجن تضع كلاّ منا في غرفة، معزولا عن البقية، وقد عرفنا ان بعض الغرف قد وقع بناؤها او تهيئتها خصيصا لنا واغلبها مثل التي وصفت لك. فقط تبقى الغرفة الخاصة بسي الحبيب افضل لانها أكبر ومريحة بعض الشيء.
ولما التحق كل الرفاق بالسجن، أصبحنا نحتج ونطالب بظروف اقامة افضل والحقيقة ان حملات المساندة في الداخل وفي الخارج ساهمت في الضغط الى الحد الذي ساهم في تحسين اوضاعنا ومن ذلك انه بمناسبة كأس العام التي انتظمت في الارجنتين سنة 1978 وشاركت فيها تونس، وضعت ادارة السجن جهاز تلفزة في كل غرفة فتابعنا المقابلات واصبحنا مطلعين على اخبار البلاد.
بعد ذلك، اصبحت تصلنا الصحف كما اصبح ممكنا لنا التحادث وبالتالي تنظيم دفاعنا عن أنفسنا وحصل ان اتخذت ادارة السجن اجراءا عقابيا جديدا تمثل في عزل البعض منا عن البعض الاخر فقمنا بالاحتجاج اللازم والذي على اثره، تم الغاء العزل واصبحنا نقيم اثنين اثنين.
٭ من كان معك؟ أو من جاء معك؟
أقام معي الاخ الطيب البكوش فيما اقام سي الحبيب مع الاخ محمد عزالدين والاخ الصادق بسباس مع المرحوم حسن حمودية والاخ الصادق علوش مع المرحوم حسين بن قدور واقام الاخ عبد الحميد بلعيد مع المرحومين عبد العزيز بوراوي ومصطفى الغربي وقد ساعدنا هذا الوضع على مزيد الاقتراب من بعضنا البعض وقضينا شهر رمضان كالاسرة الواحدة، وحتى لما نخرج «للآريا» كنا نفعل ذلك اثنين اثنين.
كما تحسنت دورية الزيارات فاصبحت مرتين في الاسبوع، ومرتين في ويوم واحد هو يوم الاربعاء، صباحا للعائلة كاملة ومساء للزوجات.
لكن كل ذلك لم يحل دون خوفنا من الاحكام المنتظرة والمتوقعة خاصة وان بعض التهم التي وجهت لها يكون عقابها الاعدام ولا اخفي عليك انه في بعض الاحيان تنتابني الكآبة، فلا أجد مخرجا منا الا باللجوء الى مصحف القرآن الذي كان معي، فأقرأ منه الكثير من السور واعيد القراءة بل التلاوة في بعض الاحيان، فتنزاح عني غممة الكآبة وأحس بموجة برد وسلام تنزل عليّ فتزيدني ثقة في الله وتشحنني بقوّة كبيرة، كنت دوما «مستبرك» بمصحف القرآن وشاشية لا تفارقني، وقد صدق حدسي عندما زارني ذات صباح المحامي الاستاذ محمد محفوظ واعلمني بما آلت اليه قضية نقابيي جهة سوسة حيث تخلت المحكمة عن الملف وأحالته الى محكمة امن الدولة، وأن الامور اصبحت جيدة.
٭ كيف اصبحت جيدة والحال أن الملف أحيل على محكمة امن الدولة؟
صحيح اصبحت جيدة بما ان قرار محكمة سوسة جاء مناقضا لطلب الحكومة بعرض قضايانا على محاكم الحق العام والحال انّها قضايا سياسية مئة بالمئة، وعندما تصبح كذلك، يظهر الوجه الحقيقي للقضية، وهو سياسي، وتصبح الحكومة في حرج.
وحتى سي الحبيب اعتبر الامر جيدا فقد كانت تصله أخبار هامة تؤشر الى انفراج قريب ومن ذلك ان الوزير الاول الهادي نويرة كان في زيارة للولايات المتحدة ولما التقى الرئيس جيمي كارتر، طلب منه اطلاق سراح النقابين لانهم ابرياء، وقد نقلت قناة «راي اونو» الايطالية الخبر فانزعج منه الرئيس الحبيب بورقيبة ولذلك دعا الى مكتبه محمد فرحات وكيل الجمهورية العام وعاب عليه تمطيط القضية الى ذلك التاريخ وقال له: «لو كان حكمت عليهم، راهو دمهم شاح».
والحقيقة أننا فهمنا من هذا الكلام اتجاها نحو العقاب الشديد وتحديدا نحو الاعدام خاصة وانّ محاكمتنا شهدت حادثة تمثلت في خلاف بين القاضي والمحامين. انسحب هؤلاء ووقع تسخير البعض منهم فقط.
وتضامنا مع المحامين، لم نتكلّم في المحكمة ولم نجب على أسئلة القاضي.
كذلك، وصلتنا أصداء غير مطمئنة جاء فيها ان الرئيس بورقيبة طلب الحكم باعدام 3 أو 4 اشخاص كنا جميعا متأثرين طبعا واكثرنا سي الحبيب، وقد كان جالسا في الصف الثالث قريبا من المحامين.
بدأ رئيس المحكمة بتلاوة قرار الحكم وكثيرا ما ردد فيه أسماء عاشور والصالحي وحمودية وبسباس وغربال مما جعلنا نفهم ان الامور متجهة فعلا الى الحكم باعدام ثلاثة أو اربعة من المذكورين او كلّهم، وصار الأمر عندي من المسلّم به حتى انني التفتت الى الاخ سعيد الحداد الذي كان جالسا الى جانبي وقلت له «هاكاهو حدّ العشرة، نوصّيك كان على الاولاد».
وفيما نحن كذلك، حصلت شوشرة مردّها ان سي الحبيب قد أغمي عليه فتولى الدكتور حمودة بن سلامة الحاضر نيابة عن رابطة حقوق الانسان إسعافه.
وهنا تدخّل السيد حسين المغربي باعتباره احد اعضاء هيئة المحكمة وطلب من رئيسها ان يختصر القرار ويعلن مباشرة عن الاحكام فإذا بها تتراوح بين السجن والبراءة.
عندها التفتت إلى سعيد الحداد وقلت له: «المهم ما فيش اعدام، الباقي ساهل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.