عاجل/ بداية من الثامنة مساء: انقطاع المياه عن هذه المناطق في منوبة    لقاء بين عبد اللطيف الزياني والحبيب الحمامي على هامش صالون الميديبات    الدورة 41 لصالون الابتكار في الصناعات التقليدية: إبداع متجدد يثري التراث ويعزز الاقتصاد    عاجل/ نتنياهو: "سنسيطر على كامل قطاع غزة"    طقس الليلة: الحرارة تتراوح بين 17 و29 درجة    صفاقس مصحة إبن خلدون تُنظم يوما مفتوحا لتقصي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.    كرة السلة: النادي الإفريقي يتقدّم في سلسلة النهائي بعد فوزه على الاتحاد المنستيري    انيس الجزيري: مشاركاتنا في التظاهرات القارية والدولية تمكن المؤسسات التونسية من تنويع شراكاتها وتعزيز حضورها في السوق الافريقية    نيزك في سماء تونس: أستاذ بمدينة العلوم يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    لقاء سفير تونس لدى طرابلس برئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يبحث "تطورات الأوضاع في ليبيا"    قرمبالية: قتلى وجرحى في حادث مرور    دول أوروبية تستدعي سفراء إسرائيل بعد استهداف وفد دبلوماسي في جنين    انخفاض ب28,9% في عائدات صادرات زيت الزيتون التونسي رغم ارتفاع الكميات المصدّرة    الطبوبي يدعو إلى ضرورة تجاوز الخلافات داخل اتّحاد الشغل    كأس تونس لكرة القدم: تعديل في توقيت مقابلتي الدور نصف النهائي    الكركم: كنز غذائي وفوائد صحية مذهلة.. وهذه أفضل طرق تناوله    شجرة الجاكرندا في تونس: ظل بنفسجي يُقاوم الغياب ويستحق الحماية    الإمارات تطلق نموذجا للذكاء الاصطناعي باللغة العربية    35 سنة سجنًا لامرأة خطّطت لهجمات إرهابية في تونس ودعت إلى ذبح الأمنيين    الترجي يطالب بتحكيم أجنبي لمباراته في نصف نهائي كأس تونس    وزارة الحجّ والعمرة تُحذّر من جفاف الجسم    غدًا النظر في مطلب الإفراج عن المحامي أحمد صواب…    عاجل/ العثور على جثة فتاة مُلقاة بهذه الطريق    عاجل/ مكّنا أجانب وارهابيين من وثائق الجنسية: هذا ما تقرّر ضد موظفين سابقين بقنصلية تونس بسوريا    هام/ بداية من هذا التاريخ: انطلاق بيع الأضاحي بالميزان في هذه النقطة..    للتمتّع بأسعار معقولة في شراء أضحية العيد: توجّهوا إلى نقاط البيع المنظمة    أستاذ في قانون الشغل : قانون منع المناولة سيخلق صعوبات تطبيقية عند تنفيذه    النوم لأكثر من 9 ساعات قد يكون مؤشرًا لأمراض خطيرة.. تعرف على عدد الساعات المثالية للنوم    أربعينية الفنان انور الشعافي في 10 جوان    الكاف: افتتاح نقطة لبيع اللحوم الحمراء من المنتج إلى المستهلك بمدينة الكاف    وزارة الداخلية تفتح مناظرة لإنتداب عرفاء بالحرس الوطني    كاس افريقيا للاندية الفائزة بالكأس لكرة اليد (رجال وسيدات): برنامج الدور نصف النهائي    ب"طريقة خاصة".. مؤسس موقع "ويكيليكس" يتضامن مع أطفال غزة    أحمد السقا يعلن طلاقه من مها الصغير بعد 26 عامًا من الزواج    منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر يصل القضاء    منتخب الأصاغر يواجه ودّيا نظيره الجزائري    إطلاق سراح الشاب ريان خلفي الموقوف بالسجن المدني ببنزرت    تقرير: إسرائيل تستعد لضرب إيران بشكل منفرد    الحماية المدنية : 64 تدخلا لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    صادم/ جريمة مروعة: عامل ينهي حياة أمه ب"آلة حادة"..    عاجل/ في العاصمة: طبيب يطعن زوجته بسكين..    بايدن ينفي علمه المسبق بإصابته بسرطان البروستاتا    سلسلة فيفا للشباب 2025 تحت 16 عاما - المنتخب التونسي يلاقي غدا الخميس نظيره السويسري من اجل المركز الثالث    رسميا: الفيفا تكشف عن برنامج مباريات الترجي في مونديال الأندية 2025    كيف سيكون الطقس الأيام القادمة: حرارة غير عادية أم هواء بارد وأمطار؟    مانشستر سيتي يصعد للمركز الثالث بفوزه 3-1 على بورنموث في اخر مباراة لدي بروين على ملعب الاتحاد    تم التصويت عليه فجر اليوم: هذه فصول القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة    السعودية: غرامة مالية ضخمة ضد الحجاج المخالفين    وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تلغي امتياز استغلال المحروقات "بيرصة"    "اعتقال" قطة "بتهمة" تهريب مخدرات إلى سجن في كوستاريكا    عن «فيلم البوسير» لمولدي الخليفي : تونس تتوّج بجائزة مفتاح العودة في غزة    السينما التونسية بين الماضي والحاضر: موضوع لقاء ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي    نابل تحتضن الدورة الثانية من الملتقى العربي للنص المعاصر تحت شعار " المجاز الأخير: الشعر تمرين على الوجود"    موعد رصد هلال ذي الحجة    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    









أعترف أنّي أخطأت
قصة عمر يرويها خير الدين الصالحي مؤتمرنا الرابع عشر خارق للعادة بكل المقاييس
نشر في الشعب يوم 23 - 07 - 2011


لماذا غضب نويرة من تحقيق جريدة الشعب
٭ إذن، أصبح المطرودون أربعة، في البداية ثلاثة هم عامر بن عايشة ومحمد الوسلاتي ومحمد عزّالدين بسبب عدم التفرّغ والرابع أحمد عمارة، فبمن وقع تعويضهم؟
جرى التفكير في الجهات، وعلى هذا الأساس وقع الإختيار على خليفة عبيد من بنزرت وعلى حسن حمودية من صفاقس وعلى الهاشمي عطيّة أصيل المهدية وعضو ناشط في جامعة التعليم ممثلا للأساتذة المساعدين، وهو رجل طيب ومناضل نشيط ذو كفاءة عاليّة.
في اليوم السابق لإجتماع الهيئة الإدارية التي كانت ستصادق على هذا الإختيار جاءني إلى مكتبي الأخ سعيد ڤاڤي وقال لي أنّه والأخوين عبد الرزاق أيوب وسعيد الحداد لهم ما يقولون لي، قلت: «نادهم وتعالوا جميعا نبحث الموضوع هنا في المكتب»
قال: «ان صديقك سعيد الحدّاد، وهو الأقرب إليك، يدعوك إلى أن تنزل إلى البطحاء حتّى نتساوى جميعا ولا تؤثر علينا من خلال موقعك ومكتبك وسلطتك الأدبية والمادية».
قلت: «ماهو الموضوع أولا»
قال: «انزل إلى البطحاء وسترى»
وفعلا نزلت ووجدت الجماعة، فوقفنا مدة دقائق، قالوا: «إنّ الهيئة الإدارية غير مرتاحة لإختياركم الهاشمي عطيّة عضوا في المكتب التنفيذي».
قلت: «وما العيب فيه؟»
قالوا: «إنّه من المهدية»
قلت: «ولو»،
قالوا: «إنّه قريب من الطاهر بلخوجة وزير الداخلية آنذاك وهو عينه في الاتحاد».
قلت: «لا أظنّ ان الامر بهذا الشكل»
قالوا: «لو أصررتم عليه، سيتفجّر الاجتماع»
ولأننا كنّا حريصين على نجاح إجتماع الهيئة الإدارية خاصة وان الظروف المحيطة صعبة بعض الشيء، سألتهم ومن تقترحون إذن.
قالوا: حسين بن قدور
قلت: ولكن هو غير منخرط في الإتحاد ولم يتحمل أيّ مسؤوليّة في السابق.
قالوا: لا يهمّك نحن نتكفل بالأمر، مطلوب منك ان توافق وأن تقنع سي الحبيب بالإسم.
ذهبت الى مكتب سي الحبيب وأعلمته بالأمر وذكرت له الإسم، قال: مازلنا لا نعرفه بالشكل الكافي، ثم بأيّ قسم سنكلّفه؟
قلت: بقسم الماليّة وهنا أوضّح أنّ قسم الماليّة ليس مهمّا أو بالأحرى لم يكن مهمّا، فالآمر الناهي هو سي الحبيب، والمنفذ هو المدير الإداري الأخ عبد الحميد شمّاخية، أمّا الإمضاء الثاني فقد كان يتولاه الحاضر من الاخوان، فيما كنت أنا أمضي بدل الأمين العام عند غيابه، وفعلا تمّ تعيين الأخ حسين بن قدور عضوا في المكتب التنفيذي، والحقيقة أنّّه كان مبهرا بأسلوبه في الحديث وطريقته في الخطابة وتعلّقه بالأخ الحبيب عاشور، ولكن عرفت بعد مدّة أن إقتراح إسمه جاء من عبد الحميد شماخية الذي تعرّف عليه كمدير للمدرسة التي كان أ?لاده يزاولون فيها التعليم. وأستطيع القول اليوم أنّنا لم نكن جميعا، بمن فيهم أنا، على حق في هذه العملية بالذات.
مع ذلك حققنا العديد من المطالب ومن المكاسب وفتحنا الإتحاد أمام الجميع فصار ملجأ «للجميع دون استثناء، وتدعّم بعدد كبير من الشبان والمثقفين والإطارات والاساتذة الجامعيين والإطباء والمهندسين والباحثين والفنيين إلى جانب أعداد لا تحصى من العمّال والعاملات من كلّ القطاعات.
وبهذا الشكل، وبالنتائج التي حققناها وبالحماس الذي أصبح متوفّرا، شرعنا في إعداد المؤتمر الرابع عشر، اعدادًا جيّدًا وكونا عدّة لجان منها بالخصوص اللجنة الإقتصادية التي أشرف عليها الاستاذ القرقوري وهو باحث إقتصادي والتي أعدت تقريرا إقتصاديا وإجتماعيا متميّزا قدمناه الى المؤتمر كذلك فإنّ الجريدة تطورت من نصف شهرية الى أسبوعية وتحررت في كتاباتها ومقالاتها وتحقيقاتها حيث تطرّقت بشكل خاص الى الاسعار وطالبت بإنشاء مؤشر نقابي كما طالبت بالحريات الفردية والعامة وتكوين الاحزاب، كذلك كان للإتحاد دور فعّال في تأسيس ال?ابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان حيث كان الأخ الصادق علوش عضوا في أوّل هيئة مديرة لها .
وفي مجلس الأمة أصبح الحوار قويا ويتطرق إلى عديد المواضيع، وأصبح النواب النقابيون على قدر كبير من الحرية والجرأة في طرق المسائل المطروحة وفي النقاشات .
كذلك الشأن بالنسبة لبقية النقابين والعمال عموما، فقد أصبحوا على كبير من الجرأة والحرية وعلى وعي تام بحقوقهم وتمسك شديد بمطالبهم كما أخذ الخوف يزول شيئا فشيئا ، ممّا مكننا كما قلت من تحقيق العديد من المكاسب ، سواء في باب الزيادات في الأجور ولكن خاصة في العقود المشتركة في القوانين الأساسية. والحقيقة أن الحكومة ساعدتنا من خلال نويرة و فرحات الدشراوي و خاصة محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية على تحقيق المكاسب و كسب المزيد من الاشعاع وطنيا ودوليا.
حتى لما جاء الميثاق الاجتماعي، وافقنا عليه وقمنا بحملة واسعة لشرحه وكسب التأيد له خاصة وأنه ينص على لقاء سنوي يتم فيه بحث الزيادة في الأسعار وبالتالي الزيادة في الأجور.
خلاصة القول أننا كنّا في أحسن حال وتقدمنا للمؤتمر الرابع عشر بمعنويات عاليّة جدّا وقد أسفر بالخصوص عن إنتخاب 3 أعضاء جدد هم الإخوة الصادق بسباس والطيب البكوش والتيجاني عبيد وعودة الأخ محمد عزالدين، وبذلك فإن المكتب الذي إنتخب عقب المؤتمر الرابع عشر المنعقد في مارس 1977 تكوّن من:
الحبيب عاشور أمينا عاما وخير الدين الصالحي وعبد العزيز بوراوي وحسين بن قدور وحسن حمودية والصادق بسباس الي كلف بالعلاقات العربية والصادق علوش الذي كلّف بالعلاقات الدوليّة ومصطفى الغربي ومحمد عزّالدين وخليفة عبيد والتجياني عبيد والطيّب البكوش وعبد الحميد بلعيد.
٭ قبل المؤتمر، كان هناك الميثاق الإجتماعي الذي وقع امضاؤه في 19 جانفي 1977 أي عشية الإحتفال بذكرى تأسيس الإتحاد
قبل أن نصل إلى الميثاق الاجتماعي، يجب أن أشير إلى المفاوضات التي كنا نجريها حول الأجور وحول العقود المشتركة والقوانين الأساسية، وهنا لابد من الإشادة بما بذله الأخوان عبد العزيز بوراوي والصادق علوش في هذا الباب من جانب الإتحاد والسيد محمد الناصر وزير الشؤون الإجتماعية من جانب الحكومة.
أما بخصوص الميثاق الإجتماعي، فقد دعينا كلنا للحضور في قصر الحكومة، كما حضر السيد الفرجاني بلحاج عمار رئيس اتحاد الصناعة والتجارة وتوفيق الصيد رئيس إتحاد الفلاحين وبطبيعة الحال الوزير الأول الهادي نويرة وكل أعضاء الحكومة على ما أذكر، بدأ الإجتماع بتلاوة نص قرأه السيد محمد الناصر يختصر المسألة في أن تتولّى الحكومة الضغط والتحكم في الأسعار ومقابل ذلك، نضمن نحن الأمن الإجتماعي، ونص الميثاق على أنّه يقع عقد إجتماع سنوي للنظر في تطور مؤشر التنميّة، فإذا زاد، ينعكس على أجور العمّال من خلال زيادات تحدد بإتفاق جميع?الأطراف، من جهة أخرى وكلّما زادت الأسعار ب 5 بالمئة أو أكثر، تجتمع لجنة مشتركة من الطرفين وتقرر التعويض المباشر للشغالين.
وقد وافقنا من جهتنا على الميثاق، رغم ان عندنا 3 ملفات بقيت معلقة وهي ملفات ديوان أراضي الدولة والمناجم والنقل.
وكان مطلوبًا منّا القيام بحملة لحفز العمّال على الزيادة في الانتاج وتحسين الانتاجية وأشهد اليوم أننا قمنا بعملنا على الوجه المطلوب، حيث قمنا قبل المؤتمر بجولة داخل الجمهورية حرّضنا فيها الشغالين على الزيادة في الانتاج وتحسين الإنتاجيّة، وفي نفس الوقت كنّا نقوم بالاعداد للمؤتمر حيث أنشأنا لجانا نظرت في كلّ الإهتمامات، كنا أنشأنا لجنة لفلسطين، وتوليت شخصيا رئاسة لجنة الفلاحة حيث حضر معي عدد من المهندسين كما استعنا بعدد من كبار الموظفين الذين كانوا قريبين من الاتحاد ومنهم الاستاذ القرقوري الذي ساعدنا كثيرا في?إنجاز التقرير الاقتصادي والاجتماعي الذي قدمناه لمؤتمر 1977، حيث كان كل شيء على ما يرام لكن أثناء المؤتمر، فوجئنا بعريضة نشرتها جريدة «لومند» الفرنسية التي قالت إنّها تحمل 600 إمضاء، وقد عرفنا فيما بعد أن الأخ محمود القرامي كاتب عام جامعة البنوك آنذاك ومعه مجموعات من اليساريين هم الذين أمضوا العريضة وفيها ينتقدون الميثاق الإجتماعي على أنّه يكبّل العمل النقابي ويقيّده، وكان واضحا ان الجماعة أعدّوا تلك العريضة خصّيصا ليدخلوا بها إلى المؤتمر في محاولة للتأثير على المؤتمرين، وفعلا كان القرامي قد ترشح في قائمة م?افسة ولكنّه لم ينجح.
وقد استطعنا أن نجابه الوضع وأن ينجح مؤتمرنا الذي أسفر عن صعود ثلاثة وجوه جديدة في المكتب التنفيذي وهي الطيب البكوش والصادق بسباس والتيجاني عبيد، وعاد الهدوء الى الإتحاد والاوضاع على أحسن ما يرام.
٭ فماذا جرى بعد ذلك؟
الحقيقة أنّ الأمور أخذت بالتسخين شيئا فشيئا. ليس هناك أمرًا محدّدًا بالتدقيق، لكن يحس المرء بشيء ما أو بالأحرى بإتجاه ما نحو التسخين دون أن يعرف ماهو، كانت الجريدة «الشعب» تلفت الانتباه بتحقيقات وتعاليق وردود غير مألوفة في ذلك الوقت حيث كانت الصحف قليلة فنادت بحرية التعبير وبإحترام حقوق الإنسان، كشفت بعض ملفات سوء التصرّف، بنزاعة كبيرة ومصداقيّة غير عاديّة، كان يعمل فيها آنذاك عدد من الصحافيين الشبان المتحمسين لخدمة الإتحاد والبلاد، يؤطرهم الأخ حسن حمودية الذي كان دقيق الإطلاع على كلّ كبيرة وصغيرة، وأذكر?فيما أذكر بشكل خاص ان جريدة الشعب، نشرت ملفّا في جزئين حول الأوضاع الاقتصادية كان ساهم فيه أو أعّده الأخ محمود القرامي، وما ان صدر الجزء الأوّل حتى شعر سي الهادي نويرة بقلق كبير فاستدعاني إلى مكتبه (كان سي الحبيب في مهمة بالخارج) وعبّر لي عن عدم رضاه.
في الأثناء، بدأت تصدر بعض الكتابات المناوئة للاتحاد والقادحة في قراراته، وذلك إمّا في جريدة العمل وخاصة اثناء الإجتماعات الحزبيّة أو في مناقشات البرلمان.
هناك حادثة أخرى لها دلالتها في هذا المعنى وهي أنّ الأخ علي بن رمضان الكاتب العام انذاك لجامعة الفلاحة والذي انتخب قبل ذلك بقليل، حرص على القيام بجولة في كامل الانحاء للإتصال بالقاعدة، واختار ان يبدأ الجولة من أقصى الشمال وتحديدا من غار الدماء. كان المفروض ان يرافقه المرحوم الأخ مصطفى الغربي بإعتباره عضو المكتب التنفيذي المسؤول عن القطاع فضلا عن كونه ابن الجهة، لكن لسبب ما تعذّر، عليه ذلك، فطلب مني سي الحبيب أن أقوم بالمهمّة.
ذهبنا إذن الى غارالدّماء، وعند وصولنا اتجهنا الى المعتمدية لنرى المعتمد، ورغم علمه المسبق بمجيئنا، فإننا لم نجده بمكتبه حيث قيل لنا أنّه ذهب الى السوق، ولما سألنا عن المكان الذي طلبنا أن نعقد فيه الإجتماع قيل لنا أيضا أنّه لا وجود لمحلّ شاغر يمكن أن يفي بالحاجة.
وفيما نحن نتداول في البحث عن حلّ بديل، أقبل علينا المعتمد وهو يصرخ ويتفوّه بكلام غير مفهوم نظرا للجلبة التي كانت سائدة، لذلك تركناه وشأنه وانتقلنا إلى إحدى إدارات الفلاحة وأظنها إدارة الغابات حيث انّ المندوب الجهوي للفلاحة الذي رافقنا، كان كاتبا عاما للجامعة، فعرض علينا الاجتماع في الإدارة، ففعلنا وكان اجتماعا ناجحا للغاية، وقد لحق بنا المعتمد لحضور الاجتماع لكن الأخ مصطفى بلعيد الكاتب العام للإتحاد الجهوي بجندوبة آنذاك منعه.
في الأثناء، حضر إلى حيث الاجتماع، أحد اعضاء لجنة التنسيق بجندوبة وأبلغني أنّ الوالي يرغب في لقائي حال انتهاء الاجتماع وفعلا تمّ اللقاء واعتذر الوالي عمّا صدر عن المعتمد وقال لي «رجاء ان يبقى الموضوع هنا بيننا».
لما عدت إلى العاصمة، أعلمني السيد المنصف بلحاج عمر الوزير الكاتب العام للحكومة آنذاك بأنّ المعتمد اشتكى منّي وأنا أعتقد أنّ الحادثة على بساطتها لم تكن مجانيّة وكانت بمثابة جسّ النبض.
٭ لكنّ لا يمكن القول في تقديري ان هذه الحادثة يمكن أن تكون مؤشرا على بدء الأزمة
بل هي كذلك في إعتقادي، لأنّ الامور تقاس بالبدايات، ولا تنسى انني كنت في ذلك الوقت عضوا في مجلس الامة إضافة الى موقعي كأمين عام مساعد للإتحاد.
٭ لكن موقف الوالي لم يكن مطابقا لموقف المعتمد؟
صحيح ولكن لا أعرف اليوم ان كان في باب تقاسم الأدوار أم أنّ كلاّ منهما كان في موقع مختلف عن الآخر.
٭ طيب، هل ثمّة مؤشر آخر؟
هناك احداث قصر هلال وخلاصتها ان العمال لاحظوا سوء تصرّف كبير في كميات هائلة من الأقمشة فطالبوا بحمايتها من التلف، فتجاهلتهم الإدارة، ذهبوا للولاية لابلاغها بالأمر فعاقبوهم، لذلك شنوا اضرابا شاملا وقد جاء أعداد كبيرة منهم الى مقر الإتحاد لابلاغنا بالأمر فكلّفني سي الحبيب بالتحول إلى قصر هلال لتهدئة الجوّ، خاصة وان الاضراب أصبح عاما وشارك فيه الأهالي.
وزاد الطين بلّة أن قوات الأمن حاصرت المضربين لعزلهم عن الأهالي. لكن هؤلاء وأولئك كانوا في قمّة الغضب وكادوا يعتدون على الوالي انذاك منصور السخيري الذي حضر بدعوى التفاوض، لكن رفضوه بل وهددوه فهرب.
أمّا أنا فقد تمكنت من الإتصال بالمضربين وقضيت معهم ثلاثة أيام بلياليها، ولم أغادرهم إلاّ لما أذن لي سي الحبيب.
حصلت أيضا أحداث في جمّال، مشابهة تقريبا لقصر هلال، ثم حصلت محاولة التهديد بإغتيال الأخ الحبيب عاشور والتي انجرّت عنها عدة اضرابات تضامنيّة دورية شهدتها كل الجهات والقطاعات، ولكن رافقتها من طرف الحزب ومليشياته بعض الاحداث العنيفة في عدة جهات ومنها ما حصل في باجة حيث ألقى النقابيون القبض على شخص أظهر لهم من العداء الشيء الكثير، فنزعوا له أدباشه في الساحة العمومية وفرضوا عليه أن يردد شعاراتهم.
وبالطبع ردّت الميليشيا الفعل، فألقت القبض على عدد من النقابيين وسجنتهم في مقر لجنة التنسيق وفرضت عليهم ان يأكلوا شعر رؤوسهم. وللحقيقة فإنّ الإتحاد لم ينتبه لهم، ولم نعلم بوضعهم إلاّ بعد وقت طويل رغم انهم كانوا ثلاثين (30) شخصا.
كذلك، شهد رمضان تلك السنة، وقد جاء صيفا، ارتفاعا مشطا في الأسعار وهو ما ندّدت به جريدة الشعب في العديد من مقالاتها وتحقيقاتها.
٭ كان الإتجاه حسبما نرى للتصعيد، إذن كيف حصلت بعض محاولات الصلح التي نعرفها.
كانت هناك فعلا العديد من المحاولات الصلحيّة، لكن جماعة الحزب كانوا يؤوّلون اي تصرف منا أو أي مقال يصدر في الجريدة على أنّه موجه ضدّهم، وقد جرت العادة أنّه كلّما حصل خلاف أو سوء تفاهم، ينتظم إجتماع يضمّ أعضاء اللجنة المركزية للحزب وأعضاء الهيئة الإدارية للإتحاد ويتم خلاله بحث كلّ الخلافات.
وقد انتبه الرئيس الحبيب بورقيبة الى توتر الاجواء، الأمر الذي لم يعجبه بتاتا، فعمل على تهدئة الخواطر وأذن بإجتماع للهيكلين المذكورين، وفعلا تمّ ولكن الاتفاق لم يعمّر طويلا.
٭ بسبب السفر إلى ليبيا؟
هما سفرتان ولكل منهما قصّة. السفرة الأولى هي استضافة للأخ الحبيب عاشور ولوفد من الإتحاد للاعتذار له عن سوء معاملة كان قد أتاها العقيد القذافي في حقّ وفد الإتحاد اثناء زيارة إلى ليبيا سنة 1974 وقد كنت شخصيا رئيس ذلك الوفد النقابي الذي زار الجماهيرية أسابيع قليلة بعد اجهاض مشروع الوحدة الليبيّة التونسية الممضى بجربة في جانفي 1974. دعينا الى حضور اجتماع ترأسه الزعيم القذافي وفيه خطب عن كل شيء وعن مشروع الوحدة وحمّل فشله الى تونس وقد قال كلاما جارحا وبذيئا في حق تونس والتونسيين والتونسيات، ورغم اننا كنّا في?الصفّ الأمامي، قريبا من الزعيم القذافي، فقد نهضنا من أماكننا وغادرنا الإجتماع وعدنا مباشرة إلى تونس احتجاجًا على ذلك التصرف، وأصدرنا بيانات للغرض.
إذن جاءت تلك الزيارة التي حصلت في ماي 1977، ردّا على دعوة من نظرائنا الليبيين للاعتذار من طرفهم عمّا حصل في سنة 1974، وأذكر انّ الوفد تركّب من 12 شخصا وقد أكرمت ضيافتهم وتم بحث عدّة قضايا والاتفاق على التعاون، وحصل لقاء بين الزعيم القذافي والأخ الحبيب جرى خلاله تنقية الاجواء.
أمّا الزيارة الثانية فقد حصلت في سبتمبر 1977 وتعلقت بشكل خاص بموضوع العملة الفلاحيين التونسيين الذين كانوا يعملون في ليبيا وحتى نضع القرّاء في الصورة، فقد حصل اتفاق بين الحكومتين على ايفاد نحو 10 آلاف عامل فلاحي تونسي إلى ليبيا، وتولّى المرحوم حسان بلخوجة وزير الفلاحة آنذاك التفاوض بشأن أجورهم، وبالاطلاع على فحوى الاتفاق ومقارنته بمستوى الأجور في ليبيا، تبيّن لنا أنّه هزيل فاعترضنا عليه وبادرنا بالإتصال بنظرائنا الليبيين طبقا لإتفاق التعاون الذي حصل في زيارة ماي 1977.
وفعلا سافر وفد على رأسه الأخ الحبيب عاشور إلى ليبيا وبحث المسألة وتوصل إلى اتفاق جيد. ولما عاد سي الحبيب، اتصل بالسيد الهادي نويرة ونقل له تفاصيل الإتفاق وقال له «إنني أنجزت ما لم ينجزه حسان بلخوجة».
أمّا المشكلة في هذه الزيارة فهي أنّ السيد محمد المصمودي وزير الخارجيّة السابق وصديق القذافي حضر اللقاء بينه وبين عاشور، ويضاف إلى ذلك أنّ المصمودي تحدث في كتاب له عن الخلافة وعن عاشور.
المهمّ أنّه ومثل العادة، وقع تأويل الزيارة وإتهام عاشور والاتحاد بعلاقة ما مع القذافي والمصمودي، فظهرت المقالات والبرقيات المنددة، وانعقدت الإجتماعات الحماسية في لجان التنسيق، وأخذ الجوّ يتجه نحو مزيد من الشحن والإحتقان، إلى أن وصلنا إلى شهر ديسمبر الذي حصل فيه اضراب المناجم لمدّة 3 أيام، وكان من أجل مطالب كنّا اتفقنا فيها منذ سنة 1974 لكن بقيت دون تنفيذ، وكانت مداولات مجلس الأمّة جارية لما طلب نويرة من عاشور إلغاء الإضراب، فطلب عاشور الاستجابة للمطالب ولو جزئيا، تعلل نويرة بأنّ الدولة لا تملك الاعتمادات ?للازمة وهنا تدخل المرحوم صلاح خلف (أبو إياد) الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية واقترح أنّ يوفّر المبلغ المطلوب، لكن نويرة رفض قطعيا، لذلك نفذنا الاضراب، وقد أشرفت عليه شخصيا رفقة الأخ عبد الحميد بلعيد إبن الجهة وإبن القطاع وقد دار الإضراب في كنف الإنضباط والمحافظة على الآليات والمعدّات والمصالح الحيويّة، ومرّ دون أيّ إشكال ورغم كل شيء تحصلنا على إثره على منحة الزوجة غير العاملة، فقط أذكر ان مراسل الإذاعة ووكالة الأنباء كتب ان الانتاج زاد بمناسبة الاضراب فرد عليه الصحفي المعروف المرحوم محمد ڤلبي بتع?يق قال فيه: ما دام الإنتاج يزيد أيام الإضراب، فلماذا لا نضرب كامل أيام السنة؟»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.