قد تقبل بلادنا في قادم الأيام إن توفرت الظروف المناسبة على انتخاب مجلس تأسيسي نرى وجوبا علينا أن نعرف ماهيته وندرس مهامه وسنتشرف استتباعاته. أولا: تعريف المجلس التأسيسي: هو هيئة منتخبة تتكون عادة بعد فراغ سياسي تمثيلي بعد ثورة اجتماعية أو تغيير سلطة أو اثر طرد الاستعمار أو تبدّل شكل الحكم، وهو اطار سياسي يؤسس ومنه جاءت تسميته لبعث دستور جديد. ثانيا: مهامه: يكتسب المجلس التأسيسي، إن تم انتخابه ديمقراطيا دون توظيف المال السياسي او التزوير او الارهاب والاغراء او الاعلام المنحاز، صلوحيات مطلقة، فهو الذي يسطّر، وهذه وظيفته الاساسية، باعتباره سلطة شرعية ظرفية مصير الشعب عبر صياغته دستور البلاد وفي ذات الآن يعين سلطة تنفيذية وقتية تتكون من رئيس او من مجلس رئاسي ومن حكومة حتي يتم البتّ عبر الدستور الذي سفرزه في شكل الحكم وطبيعة الدولة هل ستكون نظاما ملكيا ام جمهوريا؟ وان كانت كذلك هل سيكون برلمانيا أو رئاسيا؟ اشتراكيا او رأسماليا؟ وطنيا ام مرتبطا بالقوى الاستعمارية؟ وهو أي المجلس التأسيسي يبث في أمهات القضايا الطارئة الى حين تشكيل سلطة ومؤسسات حكم دستورية قارة منبثقة من الدستور الجديد. غير أن أهم إنجاز يعده هذا المجلس التأسيسي هو صياغة الدستور باعتباره اصل القوانين التي ستصدر لاحقا ومرجعها، لهذا فاننا سندرس في اطار الشعارات المرفوعة منذ 17 ديسمبر 2010 وتماشيا مع طبيعة المرحلة التي يمر بها قطرنا وهي مرحلة تحرر وطني ديمقراطي مضمون الدستور المرتقب انطلاقا من انتظارات الجماهير الشعبية التي قدمت مئات الشهداء والاف الجرحى وعديد الايقافات اضافة الى معاناتها اليومية من الفساد ومن الحرمان ومن البطالة والخصاصة والتشرد ومن غلاء المعيشة ومن الاستغلال الطبقي ومن الاضطهاد الوطني لذا نطرح السؤال التالي: ثالثا: أي مجلس تأسيسي يحقق طموح جماهير شعبنا؟ لنا أن نتساءل: أي مجلس تأسيسي وأي دستور يحققان طموح الجماهير المنتفضة التي ذكرنا بعضا من همومها، والحال ان الاطراف الطبقية الاجتماعية المتباينة نحاول وكل منها يدافع عن موقعه إقرار دستور يتماشى مع مصلحته الاقتصادية؟ ذلك ان اصحاب رؤوس أموال الاستثمار الأجنبي والمحلي ببلادنا وذو والمشاريع الصناعية والخدماتية وكبار التجار والسماسرة بين شعبنا والشركات الصناعية الاجنبية ووسطاء الأسواق المحلية وكبار موظفي نظام 7 نوفمبر الاداريين والعسكريين والبيروقراطيين، إن كل هذه الطبقات والفئات ستدافع عن امتيازاتها عبر السعي الى إفراز مجلس تأسيسي يسنّ القوانين الحامية لمصالحها والمحافظة على مواقعها بينما ستسعى باقي الجماهير الشعبية بدءا من العاطلين عن العمل مرورا بالمفقرين وكل الكادحين عمالا وفقراء فلاحين ومزارعين وصغار موظفين وصولا أصحاب الحرف وذوي المشاريع الصغيرة على اختلاف أصنافهم الى سنّ دستور يلبي تطلعاتهم نحو الكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية التي يمكن إجمالها في العناوين الكبرى التالية: أ القطع مع السيطرة الامبريالية على بلادنا ونعني بذلك التخصيص على عدم دفع الديون التي أغرق بها نظام بن علي تونس سابقا والانقطاع عن التداين والاقتراض الاجنبيين من القوى الامبريالية مع منع الاستثمار والتمويل المتأتيين من دول وقوى ومؤسسات نظام العولمة الرأسمالي الامبريالي مهما كانا سواء عبر المال او عبر الآلات او عبر البضاعة. وعوضا عن ذلك يمكن استحداث مصادر التمويل من: 1 استرجاع الاموال المنهوبة من قبل رموز نظام 7 نوفمبر. 2 استخلاص الضرائب والرسوم من كبار الملاكين والتجار والصناعيين، اذ لا يخفى على الجميع ان الجزء الأكبر من عائدات الدولة من الضرائب يتم اقتطاعه من مرتبات الموظفين بينما يتهرب اغلب الاغنياء من دفع المعاليم المستوجبة منهم بتواطؤ من الدولة. 3 تحويل عائدات الموارد الفلاحية والمنجمية، كالفسفاط، والجمركية الى الخزينة العامة للدولة. إن في منع التمويل والاستثمار الاجنبين في بلادنا انصافا لعديد الطبقات والفئات الاجتماعية المضطهدة في تونس والامر لا يعني العمال والفلاحين فقط، بل يتعداهم ليشمل اصحاب المهن الحرة وصغار الحرفيين: فبائع المواد الغذائية »العطار« يعاني من ضيم المؤسسات الاجنبية ذات المساحات التجارية الشاسعة اles grandes surfacesب المنتصبة ببلادنا وبائع الخضر والغلال »الخضار« لا يعاني من السماسرة المتحكمين في السوق سعرا وبضاعة فحسب، بل يعاني كذلك من استيلاء عصابات التهريب على عديد المواد المستوردة شأن الموز والتفاح والرفيع الخ... وكذا صغار التجار الذين لا يستطيعون سبيلا الى بضاعة مجلوبة من الخارج: اimportéب. ب انتهاج سياسة وطنية يتم التنصيص فيها عبر الدستور على القطع مع السيطرة الامبريالية، أي سيطرة مؤسسات الاستثمار الاجنبية ومع املاءاتها وتوصياتها وتشريعاتها المعمول بها في تونس وتتجسد في: الغاء العمل بقوانين الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومع منظمة الڤات، وبالقوانين المحلية العاكسة لها تلك التي تعتبر امتدادا وتكملة وتوظيفا لها شأن التنقيحات الحاصلة في مجلة الشغل منذ 1994. الغاء القوانين التي شرعت بيع الكثير من المؤسسات لأصحاب الرأسمال الاجنبي في اطار سياسة التفويت والخوصصة وعلى رأس هذه التشريعات القانون عدد 9 لسنة 1989 وخاصة الفصل 23 الذي يمكّن الحكومة من التفويت في الممتلكات العمومية للخواص الاجانب او المحليين والفصل عدد 24 والقانون عدد 74 لسنة 1996 القاضيان بتفتيت المؤسسة وإفراقها كي يسهل التفويت فيها. مراجعة القوانين المتعلقة بالتصدير وبالتوريد، اذ لا يمكن تصدير منتوجات فلاحية نحن في حاجة اليها شأن السمك والتمور وزيت الزيتون الرفيع، ولا يمكن السكوت عن سياسة توريد المنتوجات الصناعية الرأسمالية عبر الوكلاء والسماسرة المحليين شأن نيابات بيع السيارات والآلات والأجهزة الصناعية والمنزلية والآلات الفلاحية الخ... اقرار اقتصاد محلي وطني يتم عبر بعث صناعة وطنية تقوم على تحقيق التصنيع الذاتي اي انتاج الآلات والمحركات ووسائل الاتصال والتقنيات الحديثة بقواها الذاتية، »ومن المعروف أن البلد الذي لا ينتج الآلات الصناعية والمحركات يفقد استقلاله الوطني« ويرتبط دائما بالدولة التي تمده بتلك الالات والوسائل، وهذا أمر ممكن التحقيق في القطر التونسي بمفرده أو في اتحاد بين الاقطار العربية ذات الحكومات الوطنية التقدمية ان وجدت وبذلك نحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي والتطور الصناعي والفلاحي عماديْ اي استقلال وطني. وضع القطاعات الحيوية والاستراتيجية تحت تصرف الدولة وتأميم المؤسسات التي تمت خوصصتها وعلى رأسها المؤسسات البنكية. ج إقرار عدالة اجتماعية وجهوية وبين الجنسين: يتم التنصيص فيها على مراجعة سياسة التفاوت الطبقي والميز الجهوي. إن سببا من أسباب النضالات الشعبية منذ انتفاضة الحوض المنجمي و 17 ديسمبر هو تحقيق العدالة في كل المجالات ومنها العدالة الاجتماعية ونعني بها التوزيع العادل للثرورة الوطنية وتقريب الأجور عبر الحد من امتيازات كبار الموظفين (كالسيارات والبنزين المجاني) التي تقدم اليهم في قالب رشوة لدعم النظام الحاكم، مع حفاظهم على أجورهم المتطابقة مع شهائدهم العلمية، وعبر الزيادة في أجور الكادحين عمالا ومزارعين مثلما يتوجب اعادة النظر في وضع صغار الفلاحين كمدهم بقروض بلا فوائض وتمكينهم من ماء الري بسعر رمزي مع ضمان تسويق منتوجاتهم الفلاحية (حليب، خضر، غلال، أسماك...) لدى شركات حكومية في مرحلة أولى. ولابد من علاج مشكلة البطالة لا عبر تقديم منحة الى كل عاطل وعاطلة عن العمل وخصوصا من الشباب اصحاب الشهائد العليا حتى حصولهم على شغل فحسب، بل اتخاذ قرارات تمكنهم من العمل كتخفيض عدد ساعات العمل من 8 الى 6 ومراجعة سن التقاعد على ان تشفع هذه الاجراءات بتشريعات دستورية تقضي على »مرونة التشغيل« وتدعو الى مراجعة جذرية للسياسة التربوية التي تستجيب الى طموحات شعبنا في تعليم عمومي مجاني وإجباري وبلا ضرائب ونقل عمومي متوفر ومريح تشرف الدولة لا الخواص على تنظيمه ويتزامن هذا مع اقرار مجانية العلاج الصحي ذي التجهيز العصري والاطار الكفء في كل الجهات، اضافة الى تعميم الفضاءات الرياضية ومساحات الترفيه والمنترهات مع تشجيع مجالات البحث والاختراع والاكتشافات العلمية. ولا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية ما لم تتم مراجعة ارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة التي يجب ان تحدد وفق سياسة الاجور لا وفق تحقيق الربح مثلما يتوجب مراجعة أسعار القطاعات الاستهلاكية اليومية الثلاثة التالية وذلك عبر التخفيض بنسبة خمسين في المائة 50٪ في: فاتورة النور الكهربائي. فاتورة الماء ثمن المحروقات وعلى رأسها البنزين والغاز يصاحب ذلك تطوير القاعدة المادية والمرافق الاساسية كالطرقات والنور الكهربائي والماء الصالح للشراب وتجهيزات الاتصال الحديثة والمؤسسات الصحية العصرية وكذا المؤسسات الثقافية والرياضية والتعليمية والترفيهية ويتم ذلك دون ميز بين الجهات. د التنصيص على الهوية الوطنية للشعب ونعني بذلك خصوصيته التونسية وانتماءه العربي لغة وحضارة وتاريخا وأرضا ذلك ان الامم والشعوب تحدد بهوياتها الوطنية القومية التي تشكل مرجعها الأم لا بخصوصياتها العقدية، فالشعب الصيني والشعب الياباني والشعب الفيتنامي والشعب الايطالي والشعب الألماني والشعب السينغالي والشعب الأثيوبي والشعب البرازيلي والشعب الفينزويلي حددت هوياتها على أساس قوميتها ولا وجود لشعب مسيحي بل هناك أناس يدينون بالمسيحية ولا وجود لشعب بوذي، بل هناك مجموعات بشرية تدين بالبوذية ولا وجود لشعب مسلم، بل هناك شعب تركي فيه من يدين بالاسلام وهناك شعب عربي فيه من يدين بالاسلام هناك شعوب اخرى فيها من يدين بالاسلام الذي ينقسم الى طائفتين كبيرتين هما السُنّة وهي مذاهب والشيعة وهي شيع الخ... ولا وجود لشعب يهودي بمفهوم التركيبة التاريخية بل هناك من يدين باليهودية وهناك الكيان الصهيوني الذي يجب التنصيص على مقاومة التطبيع معه ويقابل ذلك دعم حركات التحرر الوطني والانتفاضات والثورات في الوطن العربي وفي العالم. ه ضمان الحريات السياسية العامة والفردية عبر إقرار حرية التعبير والتنظيم والانتماء والمعتقد والتظاهر والتجمع والاعتصام للأفراد وللجماعات اضافة الى حرية الصحافة ونزاهة الاعلام مع ضمان حرية العمل النقابي والجمعياتي في كنف المساواة الفعلية بين الجنسين في كل الحقوق والواجبات. و ضبط نظام حكم يمثل أغلب جماهير الشعب ذات المصلحة في الثورة يتم ذلك عبر تركيز المجالس الشعبية في الاحياء والمدن والجهات شأن المجالس الحالية لحماية الثورة تفرز سلطات جهوية منتخبة على اساس المسائل الواردة اعلاه تتوج بسلطة مركزية وطنية التوجهات ديمقراطية الاهداف تعمل على تطبيق ما ورد بالدستور الذي أفرزه مجلس تأسيسي ضبطنا ملامحه العامة والخاصة. لا شك ان مضمون العناوين المذكورة أعلاه تحتاج الى تخصيص وتدقيق وتفريع يضبط في الدستور المنشود الذي لن يرى النور الا في ظل مجلس تأسيسي يعبر اعضاؤه عن طموحات الجماهير الواردة في شعاراتها يوم 14 جانفي 2011. وانه لا يمكن انتخاب مجلس تأسيسي انتخابا ديمقراطيا يعكس ارادة الشعب في تونس في الظرف الراهن ما لم تتوفر الظروف المناسبة ومنها المحاسبة والمحاكمة والتطهير والمراجعة والحل الذي يجب ان تشمل رموز الفساد في عديد القطاعات والمؤسسات والادارات وعلى رأسها: أ القضاء ب الاعلام ج أجهزة النظام الحاكم ومنها سلطة التنفيذية التي بقيت ادارتها وكبار مسؤوليها كما كانت في عد بن علي مثل الوزارة الاولى، وزارة العدل ووزارة الداخلية الخ. ولنا عودة للحديث في هذه الظروف في مقال آخر فلنناضل اذن من اجل مجلس تأسيسي شعبي من حيث التمثيل وطني ومن حيث التوجه ديمقراطي من حيث الانتخاب يفرز لنا دستورا جديدا يلبي طموحات الجماهير المنتفضة.