لقد عرفت تونس بوادر التنظيم الإداري منذ منتصف القرن التاسع عشر من خلال دستور 26 أفريل 1861 الذي تضمن قواعد تخصّ تنظيم الإدارة والضمانات والحقوق المخولة للموظفين والواجبات المفروضة عليهم وكذلك ضمان حرية المعتقد لكل المتساكنين مهما كانت ديانتهم أو جنسياتهم وهو أول دستور في العالم العربي والإسلامي تم وضعه في عهد الصادق باشا باي بصرف النظر عن أسباب وضعه أو الأطراف التي كانت تحث على تبنيه. وقد صدرت قبل ذلك بعض التشريعات الهامة في شكل أوامر عليّة تتعلق بإحداث وتنظيم الوزارة الكبرى والتي كانت تضم وزارة »الأمور« الخارجية ووزارة المال ووزارة المحاسبات وخاصة وزارة العمالة) أي وزارة الداخلية (التي صدر في شأن نظامها الداخلي أمر علي سنة 860، وصدر في نفس السنة النص المتعلق بإعادة تنظيم الإدارة الجهوية وذلك بتحديد مشمولات »القايد« بصفته ممثلا للباي داخل تراب المملكة ويمارس وظائف سياسية وقضائية وإدارية ومالية ويتولى السهر على حفظ النظام بالجهة وتنفيذ الأوامر الصادرة عن الباي بصفته ممثلا للسلطة المركزية كما يتولى خاصة رفع الجباية واستعمال القوة لذلك عند الاقتضاء. بعد احتلال تونس وبسط الاستعمار نفوذه على كامل البلاد أخضعت الإدارة الجهوية) ممثلة في القائد والكاهية والخليفة والشيخ( إلى سلطة المراقب المدني وهي سلطة موازية أحدثت لمراقبة مجموعة من القيادات من طرف المستعمر، مما أفقد الجهاز الإداري التونسي نفوذه وخضع إلى هيمنة المراقب المدني المرتبط مباشرة بالمقيم العام وأصبحت تعيينات القيّاد و»الخلفوات« وحتى الأيمة وأمناء الأسواق من مشمولات المراقب المدني باستثناء المناطق العسكرية بالجنوب وذلك وفق ازدواجية إدارية وقضائية فرضت على البلاد في نطاق معاهدة باردو وفي إطار بيئة تطغى فيها النزعة القبائلية و العروشية على مفهوم المواطنة . أما فيما يتعلق بالبلديات فقد صدر بتاريخ 30 أوت 1858 أي قبل الحماية، أول تشريع حول المؤسسة البلدية يتعلق بتنظيم بلدية تونس العاصمة وكان الجنرال حسين 1820 1887 ) وأصله مملوك شركسي) أول رئيس لها وهي أول بلدية يتم إحداثها في افريقيا والعالم العربي والثانية في المحيط الإسلامي. وتواتر خلال مرحلة الحماية إحداث البلديات بالمدن التي تقيم بها جاليات أوروبية مهمة وتكوين مجالس بلدية بها ذات أغلبية أجنبية ماسكة بالسلطة الحقيقية وبصورة عامة اتسمت فترة الحماية بصدور عدة نصوص تتعلق بتنظيم الإدارة وسبل تسييرها مستوحاة من فقه القضاء الفرنسي لكن ترمي جميعها إلى تمكين الجالية الفرنسية من بسط نفوذها على دواليب الإدارة الجهوية والمحلية ومباشرة بعد الاستقلال التام سنة 1956 تمت مراجعة شاملة للإدارة الجهوية والمحلية وذلك بإحداث سلك: الولاة والكتاب العامين للولايات والمعتمدين بالمصالح الخارجية و تم تقسيم البلاد إلى 14 ولاية على رأس كل منها وال خلفا للقايد (عوض 37 قيادة) وقسمت كل ولاية إلى مندوبيات وعلى رأس كل مندوبية معتمد خلفا للكاهية أو الخليفة كما تم سنة 1957 سنّ أوّل قانون أساسي جديد للبلديات التي كان عددها لا يتجاوز 63 بلدية إبان الاستقلال. وفي مرحلة لاحقة تمّ تعويض المشائخ بالعمد والمندوبيات بالمعتمديات وصدرت عديد النصوص لملاءمة الإدارة مع متطلبات الاستقلال والتطور الذي شهدته البلاد لا سيما عدم مراعاة توزيع العروش عند مراجعة التقسيم الترابي واعتماد مقاييس عملية وذات جدوى مما ساهم في القضاء على رواسب العروشية والفئوية والممارسات الموروثة عن سلوك المستعمر فاندثر المعيار العشائري وبرز معيار المواطنة في ظل الدولة الحديثة وأصبح التقسيم الإداري مرجعا للمواطن وليس العرش أو القبيلة التي كان ينتمي إليها والتي يحتمي بها عند الاقتضاء في ظل غياب سلطة مهابة وعادلة ومحترمة. ورغم أهمية هذه النقلة إلاّ أنها لم تتزامن مع مرور الوقت بإعطاء صلاحيات واستقلالية أوسع للإدارة اللامركزية (بلديات ومجالس جهوية) بل كبّلت بإشراف متعدد الجوانب بالإضافة إلى ما كان يشوب انتخابات الهيئات المسيرة لهذه الهياكل من مآخذ حالت دون لعبها الدور الموكول اليها على أحسن وجه وجعلها كأنها امتدادا للإدارة المركزية خاضعة الى نفوذها وتأتمر بأمرها وفاقدة لثقة المواطن ومعاضدته لها عند الحاجة. ❊ الإدارة الجهوية والمحلية سنة 2011 بالأرقام: ينقسم تراب الجمهورية التونسية إلى تقسيمات إدارية تتغير مع مرور الزمن وفي هذا الإطار توجد حاليا 6 أقاليم اقتصادية ، 3 أقاليم داخلية وهي الأقاليم الأقل نموا والأكثر فقرا وشبابها مهمّش ويرزح تحت البطالة ويفتقد للمرافق الأساسية في جميع المجالات رغم ما تتمتع به من ثروات طبيعيّة لاسيما بعد تخلّي الدولة عن القيام بدورها التعديلي ببعث مشاريع بهذه الجهات التي عزف رجال الأعمال على الاستثمار فيها لعدم توفر بيئة ملائمة ، أمّا الاقاليم الثلاثة الأخرى فهي الأقاليم الساحلية الأقل بطالة والأكثر نموا والمستقطبة لأكبر نسبة من الاستثمار، وقد حان الوقت لإعادة النظر في هذا التقسيم ومراجعة منوال التنمية حسب كل جهة وكذلك المشمولات والصلاحيات الممنوحة للجهات في ضوء ما استجدّ بعد ثورة 14 جانفي 2011 وفيما يلي بعض المؤشرات للتقسيم الإداري الحالي: