وصل قرود مواطن مدينة الباأوباب إلى بلد العجائب أياما قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وعند وصوله تدبر أمره في المبيت. إذ ساعده أبو ناجي كبير قرود البلفيدير على الاستقرار في نخلة باسقة من خمس نجوم. وفي اليوم التالي خرج إلى المدينة لابسا كسوة بشرية وحاملا نظارات بصرية وكاميرا لايزرية لنقل المستجدات مستجدا فمستجدا. ففوجئ بأمر عجب نقله للتو لأبي مهل في برقية عاجلة: تحية أبا مهل: أي أنت يا شيخ مدينة الباأوباب الفاضلة ! لعلك تعلم أننا كالمسلمين نجهل الانتخاب ومع ذلك نحن متواطئون مثلهم على العدل والحرية والتقشف واستقلال القرار. وقد خلت لبعض الوقت أن بلد العجائب قد بات بعد الثورة أشد بلدان الأرض نورا. إلا أني رأيت ما كدر البركة النائمة رأيت شيخا أخرق عييا مقعدا أسنانه كأسنان القتب يركب أعمى يمسك بحبل وبالحبل تعلق رهط من الخلق. فسألت رجلا يدعى الأستاذ عبد العظيم كان يقف منهم متفرجا مع جمهور واسع من شعب بلد العجائب: من هذا؟ فأجابني قائلا: رجل يمنع الضوء على أتباعه. فسألت: وما هولاء قد تعلقوا بالحبل وراءه؟ فقال: هم حزب التراكوما. فسألت: وما تراكوما؟ فأجاب: مرض معد يصيب العيون فتعمى. فترى مرشدهم يمد لهم حبلا ليسترشدوا به خوف أن يضلوا السبيل. فقلت: و ما سبيلهم؟ فقال: سبيلهم سبيل مرشدهم. ألا تراهم يتبعونه كالسوائم. وسألت: ومن ذا الذي يركبه مرشدهم؟ فقال: ذاك أبو بصير. فرددت: أبو بصير ! فقال: إي نعم. لقد مكث في الظلام خمسة عقود. فألف الظلام. وما ربك بظلام للعبيد. فقلت: أيكون ظلم نفسه بنفسه؟ فقال: إي نعم. حتى العمى. فقلت: حتى العمى ! فقال: عمى العين والبصيرة. وسألت: والذين وراءه؟ فقال: جيء لهم بكحل. فتكحلوا به. فعموا جميعا. فقلت: يا لله ! أو راضين تكحلوا. فقال: لقد تسابقوا إليه تسابقا. وبينما كنا نتحدث حدث هرج ولغط لمّا ذر قرن الغزال من خلف الأفق. فتصايح القوم وتنادوا: يسقط الضوء. يسقط الضوء. ولتعمَ الأبصار وتفن في الظلمة الأعمار. فتذكرت كلام ديدرو: عندما ينفذ ضوء إلى عش بوم فهو لا ينفع فراخها في شيء إلا أن يزيد من صياحها. وبينما كنت متفكرا في الأمر فاجأني مخاطبي بسؤال يبدو أنه حير لبه من زمن بعيد: ترى هل الأصل في العالم الظلمة أم النور؟ أي أبا مهل هذه أولى مراسلاتي إليك من بلد العجائب. ولها بواق. فانتظر بواقيك. وترك قرود الأستاذ عبد العظيم على أن يلتقيا من الغد للخوض في ثنائية الظلمة والنور.