قرأت في الشبكة العنكبوتية خبرا مفاده أن الدكتور المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية التونسية رفض الأجرة الشهرية المخصصة له والمقدرة ب 30.000 ثلاثين ألف دينار واكتفى بقبول 2.000 ألفي دينار في الشهر فقط . واعتبرت هذا القرار إن صح حركة نبيلة من سيادته وتعبير عن قناعة منحها الله إليه بصفته تونسيّا أصيلاً منحدرًا من رحم رجال أشاوس يضحون بما لديهم في سبيل إسعاد الآخرين ورسالة غير مباشرة للحكومة الجديدة وأعضاء المجلس التأسيسي والإطارات العليا بالبلاد بأن يفعلوا بالمثل تكريما حقيقيا منهم إلى شهداء الثورة من الشباب العاطل عن العمل الذين قدموا أرواحهم في سبيل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وإصلاح الفساد الذي أستفحل في أعماق النظام البائد الذي استولى على مقدرات وثروة البلاد على حساب الأغلبية من الشعب التونسي الطيب . إن هذا القرار الشجاع الصادر عن الرئيس الجديد يطمئن التونسيين على مستقبلهم ويعيد الثقة المفقودة في هرم السلطة ويجعل المعطلين عن العمل والمحرومين والضعفاء والمساكين والفقراء من سكان المدن والأرياف التونسية التي تعاني الفقر والتهميش يعيشون الأمل من جديد ويطمحون إلى تكريس العدالة الاجتماعية الحقيقية ويشعرون وأن الاستقلال الذي أعلن سنة 1957 سيصلهم و ينعموا بخيرات البلاد بعدالة بين مكونات المجتمع التونسي ويتقاسموا خيراتها ليشمل الجميع. وقد شدني الانتباه إلى هذا الخبر الجيّد للبحث عن حقيقة ما يتقاضاه الإطارات العليا للدولة من أجرة شهرية وامتيازات عينية للمقارنة وليس من باب الحسد بل من أجل كشف الحقيقة ولفت الانتباه إلى الواقع باعتباره مسألة كانت من المحرمات الحديث عنها قبل الثورة وأصبحت اليوم لها معنى في تحديد سلوك الأفراد تجاه الآخرين والوطن. وبعد إفادتي بحقيقة هذا الموضوع ذهلت من شدّة ما سمعته وجعلني أراجع حساباتي في الوطنية التي يتشدق بها البعض من الذين يتكالبون على جمع المال على حساب المجموعة الوطنية ويدعون وأنهم يخدمون المصلحة العامة . تصوروا بعض الرؤساء المديرين العامين تتجاوز أجرتهم عشرات الملايين مع امتيازات عينية أخرى منها : 500 ل من البنزين الرفيع وسيارتين فاخرتين وسائقين ومحل للسكنى أو منحة سكن ب 500 دينارا إضافة إلى ما يجنونه من امتيازات تفوق أضعاف الأجرة الشهرية من عضويتهم في مجالس الإدارة conseils d'administration )) مع تمتعهم بأكثر الزيادات في الأجور في المفاوضات الاجتماعية . إن إصلاح الفساد في الإدارة التونسية يبدأ من هنا وأقدم بعض المقترحات عسى أن تلتقي مع المقترحات الأخرى في هذا الموضوع ومنها : - تعديل الأجور لكافة الإطارات مهما كانت الوظيفة التي يتحملونها وعلا شأنها في الوظيفة العمومية والقطاعي العام و الخاص وتخفيض الامتيازات بتحديد سقف أجرتهم بجميع الامتيازات ب 14 مرة من الأجر الأدنى على أقصى تقدير ويعتبر تجاوزه نهبا للأموال العمومية . - التخفيض من تكاليف الهيئات الدبلوماسية و المهمات للخارج إلا للضرورة الوطنية . - فرض طابع جبائي ب 100 د على السفر للخارج ويستثنى من ذلك الطلبة والمرضى المسافرون للعلاج. - خصم يوم عمل كل سنة على كل من تتجاوز أجرته 500 د من الأجراء بالقطاع العام والخاص والوظيفة العمومية ورجال الأعمال لتدعيم الصندوق الوطني للتشغيل . - توحيد نوعية السيارات الإدارية بسيارات شعبية لا تتجاوز كلفتها 15000 د . - تشديد الرقابة على أصحاب المهن الحرة وبعض أطباء الاختصاص والمصحات ومطالبتهم بدفع الضرائب طبقا لحقيقة أرباحهم . - بعث لجان رقابة في كل مركز معتمدية يسهرون على متابعة المنتفعين بتدخل الصندوق الوطني للتشغيل والعائلات المعوزة . - تطهير الشركات الوطنية الكبرى وإعادة هيكلتها ومراقبة تصرفها المالي وعلاقاتها مع المتعاملين معها ماليا . - مراقبة الصفقات العمومية ومتابعة إنجاز الأشغال ومقارنتها بحقيقة أسعار السوق. وأعتقد أن أرباح ما ستجنيه الدولة من هذه الإجراءات يمكنها من تغطية مصاريف ما يزيد عن 100.000 عائلة معوزة . بهذا أتوجه بكل لطف وتواضع بصراحة النقابيين المناضلين إلى سيادة رئيس الجمهورية والسيد رئيس المجلس التأسيسي والسيد رئيس الحكومة الجديدة للعمل على تجسيم الإصلاحات في التصرف المالي لتوفير السيولة اللازمة لتشغيل الشباب وعدم الالتجاء إلى الشغالين باقتطاع جزء من أجرتهم لتدعيم ميزانية الدولة لأن المقدرة الشرائية ضعيفة لأغلب الأجراء وجعل قبول هذا الخصم من الأجرة اختياريّا لا زجريّا وأن يكون سعيكم بالعمل على عدم السماح بإهدار المال العام وصرفه بعدالة بين جميع أفراد الشعب التونسي لكسب ثقة المواطن والمستثمر ورضاء الله من عملكم. وإني على يقين من وطنيتكم وحبكم لتونس وشعبها الذي ينتظر منكم إنقاذه وإنقاذ البلاد بإجراءات جريئة وشجاعة تنفع العباد والبلاد وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.