إن التصفيق الحار الذي قوبل به خطاب ( أبو مازن ) السيد محمود عباس رئيس الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة عند تقدّمه بمطلب ترشح دولته لعضوية كاملة بمنظمة الأممالمتحدة لمؤشر واضح و أكيد على أن رياح التغيير الكامل ستهب على هذا المنتظم و ستنطلق رحلة جديدة في العلاقات بين الأمم و ما ربيع العرب هذا الذي لا نزال نعيشه منذ مدة إلا مقدمة لصيف حار فيه الكثير من الدفء و الحنان للمجتمع الغربي بعد أن كان ذلك بالأمس القريب فقط من خصوصيات المجتمع الشرقي « هل ستشرق شمس جديدة عل العالم ؟ شمس أخرى في مقابل الشمس المشرقية و يعم النور والسلام على كامل أنحاء المعمورة؟ أجل هناك ما يبشّر بعودة الوعي إلى أصحابه وتتّعظ البشرية بما ابتُليت به في السابق من الاضطرابات و الحروب المدمّرة وتنتبه إلى ضرورة التحرّر من الحقد و الكراهية و الأنانية و الجشع الذي لا يفضي بنا دائما إلا إلى التصادم و كل هذا ناتج عن الجهل بما يجب أن يكون في الواقع و ما هو الأنسب لنا والأهمّ في المستقبل خصوصا و قد صرنا اليوم نعيش في ما يشبه القرية الصغيرة التي يمكننا الاتصال فيها بعضنا ببعض رغم بعد المسافات في لمح البصر. أ جل لماذا لا يعود الوعي إلى أصحابه خصوصا بين أبناء العمومة في الشرق الأوسط و تظهر في هذا العالم الجديد دولتان صغيرتان في الحجم وكبيرتان في الشأن والمقدرة متجاورتان متحدتان في الأصول متقاربتان في الفروع ومتعاونتان في كل شيء في المستقبل ما من شأنه أن يساعد الجميع على الاستمرار في العيش معا في أمن ورخاء وسلام إلى الأبد ؟ و ما الأديان والمعتقدات هذه التي يتذرّعون بها للتصادم إلا مقومات تكميلية في تكوين المجتمعات وليست بالضرورة مدعاة للشحناء والبغضاء بين البشر, كل الأديان جاءت تبشّر بالخير وتدعو إلى السلام والمحبة ومن يدّعي في الدين خلاف ذلك ويتخذه تعلّة للاستعلاء على غيره أو استغلاله فقط لمصلحته فقد جهل بالدين وكفر بالله وبرُسُله. وبهذا وحده سيتخلص اليهود من وهم إسرائيل الكبرى الذي زرعته في نفوسهم الصهيونية العالمية والذي لا يتحقق أبدا في ظل ما يستجدّ اليوم في العالم ولا بد أن يطمئنوا نفوسهم بأن لهم الدنيا كلها إن شاؤوا بعلومهم و أعمالهم و مشاريعهم و شركاتهم وعلاقاتهم الطيبة مع جيرانهم وأصدقائهم والناس كلهم دون حاجة إلى بقائهم في رعب طوال حياتهم و لا ينعمون كبقية الناس بالسلام أبدا ما داموا لا يفكرون دائما إلا في الحرب ضد غيرهم و ما دامت قوّتهم كما لدى غيرهم في أيديهم، و في عقولهم فإنه بهذا وحده يمكنهم أن يسودوا في العالم و يحققوا أغراضهم و بمثل هذه الطريقة يمكن لكل الشعوب أن تسود على الأرض وتستقر فيها مبجّلة محترمة و ما ضرّنا أن نتقاسم السيادة معا و نتعاون على التحكم في الطبيعة التي لا نزال نواجه أخطارها دائما وها هي لا تزال تهددنا بالفناء والدمار في كل لحظة (زلازل وتسوناميات وأعاصير مدمرة وانحباس حراري وأوبئة وأمراض مستعصية وغير ذلك من الأخطار المهددة لنا على الدوام). لنترك إذن جانبا موضوع تحكم بعضنا ببعض لأنه يضر بنا أكثر من أن ينفعنا ولم يعد يليق بنا ولنتأهب معا لمواجهة هذه الطبيعة الخطرة. جميع الناس في العالم اليوم يحملون السلاح لضرب بعضهم بعضا لكنّ هذه البرمجية للعالم كانت ناتجة أساسا عن جشع أصحاب التكنولوجيا ت المتطورة وأصحاب الشركات والمصانع ولم تعد الآن بنافعة خصوصا منذ أن صار العالم كله هكذا متماسكا يشد بعضه بعضا في علاقات شراكة وعلاقات حب و مودة أو صداقة وعلاقات حسن جوار وتعاون وعلاقات دبلوماسية وتكتلات استراتيجية والكل يخضع إلى نظام عالمي واحد بفضل منظمة الأممالمتحدة و مؤسساتها المتعددة. إذن لم يعد هناك ما يسمح باستبقاء روح العداوة بيننا .لنقلب هذه الصفحة المسودة و نبدأ من جديد في عالم أجد و أفضل إذ أن هناك اليوم- في ظل هذه التطورات الاجتماعية في العالم و هذه الميلتميديا التي تصل بين جميع أطرافه- في لحظات قليلة هناك سلاح أقوى و أفضل من كل الأسلحة الكلاسيكية السابقة هو سلاح العلم و المعرفة الذي كان منذ ظهور البشرية على سطح الأرض هو السلاح الأعظم والأفضل الذي يميز الناس بعضهم عن بعض و يفضلهم بعضهم عن بعض، ويمكنهم من تسخير الطبيعة لخدمتهم . لينتهي السباق المعهود نحو التسلح و ليبدأ عوضا عنه السباق نحو العلم و المعرفة عسانا نخلّص أنفسنا من هذه الطبيعة الغاضبة علينا في هذا الزمن ونتدارك أخطاءنا الماضية. إن في غضب الأوروبيين مما قاله لهم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في خطابه الأخير على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وخروجهم من القاعة في سلوك غير لائق احتجاجا عليه لهو لعمري دليل فاضح على شعورهم بالنقص و الخطإ وشعورهم بالذنب أيضا من سوء تعاملهم مع العالم الثالث لأنه لأسباب عديدة هم يعرفونها أكثر من غيرهم - لم يتصنّع مثلهم و يريدونه دائما خاضعا إلى مشيئتهم وسوقا مفتوحة دوما لهم و مصدرا قارًّا ودائما لمواردهم و طاقاتهم، إنهم غضبوا منه لأنه لامس من نفوسهم المواقع التي تؤلمهم أي أنه كان مثله مثل الطبيب الذي يكشف عن أمراضهم ، لكنّ أمراضهم تلك مزمنة كأمراض الشيخوخة التي لا يمكن أن يعالجوا منها أبدا لذلك فإنهم لا يرغبون في الكشف عنها لأحد وأحرى به أن يكون هذا الأحد هو السيد أحمدي نجاد الذي صار يمثل قوة منافسة لهم ولها اعتبارها في «منظمة الأممالمتحدة». ولماذا يتعرّض السيد رجب طيّب أردوغان أيضا إلى تلك المضايقة في ردهات المنتظم الأممي التي كادت تتسبب في معركة (وخيمة العواقب ) بين الزعماء والقادة لولا تحلّيه هو وأصحابه بالتروّي والحكمة ؟ لأن أوروبا في رأيي لا تزال محكومة بمخططات اللوبي الصهيوني ولا تتحرك إلا بمشيئته وهو لا يريد الخير لا لأوروبا ولا للمشرق العربي ، لا يريد الخير والعظمة والمستقبل إلا لنفسه لأنه لا يفكر إلا في الهيمنة على العالم ،هذا ما تعلّموه من بعض نسخ «التوراة» منذ القدم ولا يزالون إلى حد هذه الساعة يصدرون في تصرفاتهم عن نفس ذاك المصدر (رغم تغير الظروف المناخية في الطبيعة وفي المجتمع الدولي بأكمله ). لذلك فهم جميعا (الأوروبيون والصهاينة )لا يريدون لنا أن نتحرك نحو الديمقراطية بل هم يريدون دائما أن نبقى خاضعين إليهم مباشرة أو بواسطة عملائهم إلى الأبد لأنه بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية ستكون لنا في العالم غدا - مثل غيرنا - مكانة مرموقة ومحترمة وقوية وسوف لن يستهين بنا أحد في المستقبل. أليس من الأ فضل إذن لكل شعوب العالم اليوم فصل الدين عن السياسة وتخليص نفوسها من الأوهام الكبيرة عساها تتمكن منذُئذ من رؤية العالم بالطريقة الموضوعية المناسبة لها جميعا ؟