يجتاز بناتنا وأبناؤنا لليوم الثالث امتحان الباكالوريا... وهو امتحان في الحقيقة لمعاهدنا وللأسرة التونسية قاطبة. فرغم ما اعترى هذا الامتحان من وَهنٍ وما حفّ به من «تهتيك» على امتداد عقود فقد ظل امتحانا وطنيا بالمعنيين العام والمخصوص للعبارة، ينتظر الجميع حُلوله بمثل انتظارهم لنتائجه التي نرجوها دوما نجاحا وتوفيقا وتميّزا للجميع. ورغم محاولة البعض استغلال ظرف الامتحان قصد التوظيف السياسي من خلال الدڤلة والحلوى والحروز فإن ما يلفت هذه السنة في هذا الامتحان هو تجنّد الجميع مثلما حدث في السنة الأولى من الثورة وزارة وأمنا وجيشا ونقابات ومربين وأولياء لتأمين كل الظروف لانجاح هذه المحطّة الوطنية وتجاوز الصعوبات. ومع هذا الجهد فإننا نحتاج الى طرح عدة أسئلة حول مستوى المنظومة التربوية في تونس، إذ يقرّ الجميع بتدنّيها رغم المكتسبات ويعترف الكلّ بما تعرّضت له من ضربات على امتداد ثلاثة عقود على الأقل... وإن اصلاح ما أفسدته هذه العقود الثلاثة يحتاج الى وقت والى حوار وطني حقيقي يكون فيه لأصحاب الشأن التربوي دورهم الرئيس ويُبنى على ثوابت الثورة مستندا الى النجاحات التي حقققتها المدرسة التونسية في أوج عطائها... لكن أن يتحوّل الإصلاح إلى عملية تأسيس تقوم على إلغاء المكتسبات وفسخ الرصيد الذي تراكم عبر السنين، فذلك تجنٍّ على الماضي مستهجنٌ وتأسيس على الفراغ واهنٌ... وأن يُطبع الاصلاح بالتفتيت والارتجال فذلك منهجٌ نتائجه السلبية معروفة مسبقا... ولعل الحدثان البارزان اللذان مرّا في المدّة المنقضية يشكّلان مؤشّرا على هذا الخلل المنهجيّ: الأول ويتعلق «باسترجاع التعليم الزيتوني...» هكذا دون سابق إعداد أو استشارة ودون تحديد أهدافه أو حتّى الإجابة عن سؤال مهمّ حول مكانة هذا التعليم في المنظومة التربوية التونسية الحالية، والثاني إعلان وزير التربية عن تدريس التركية في معاهدنا بشكل مفاجئ، إعلان جعل الجميع في حالة بهتة ودهشة إزاء قرار بمثل هذه الأهمّية ويُتّخذ بالمباغتة. فإضافة الى ما في القرارين من خلفيات سياسية لا يمكن أن تَخْفى على أحد، فإن أسلوب اتّخاذهما يعدّ إشارة واضحة الى أسلوب الحكم المعتمد حاليا على مقولة «اللي ما يعجبوش يشرب من البحر»... إن قضية التعليم قضية وطنية ولا يُسمح أن تترك لأهواء أحزاب أو سلطة... فهي شأن عامّ يجب أن تشارك في نقاشه كلّ مكوّنات المجتمع المدني وأن تسهم في تقييمه وإصلاحه كلّ القوى الحيّة في البلاد وفي مقدّمتها المربّون الذين خبِرُوا التعليم وعرفوا فيه مراكز القوّة ومواطن الضعف، وسبق أن ناضلوا قبل غيرهم ضدّ عمليات التدمير الممنهج للتعليم وصمدوا دفاعًا عن عموميته ومجانيته ووقفوا في وجه الاستبداد.. فتحيّة لهم في يوم امتحانهم وتحيّة لكل الذين يسهرون على نجاح هذا الامتحان وتحيّة لتلامذتنا والنجاح والتوفيق لهم.