أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية أن نهاية شهر سبتمبر القادم سيكون اخر الاجال لقبول ملفات الترشح لاقتناء منزل اجتماعي. هذا البرنامج الذي شرعت الحكومة في إنجازه مازال يطرح عديد نقاط الاستفهام ويتخلل انجازه شوائب وانتقادات عديدة رغم أهميته القصوى بالنسبة لمئات الآلاف من التونسيين الذين يحلمون بمسكن لائق يحفظ كرامتهم، خاصة أن المخاوف مازلت كبيرة بأن يتم التفويت في عدد من المساكن لمن لا يستحقونها.. البرنامج الخصوصي لتوفير 30 ألف مسكن الاجتماعي، يعد أضخم المشاريع التي تنطلق حكومة الترويكا في إنجازه بعد أن صادق المجلس الوطني التأسيسي على الفصول المتعلقة بإحداث هذا البرنامج الخصوصي وبتفعيل دور الصندوق الوطني لتحسين السكن من الفصل 27 الى الفصل 36 من قانون الميزانية التكميلي لسنة 2012 . وتؤكد الحكومة أن هذا المشروع سيتواصل عمله على امتداد 3 سنوات وسيوفر مع موفى السنة الحالية 8 آلاف مسكن من بينها 6 آلاف مسكن اجتماعي وألفي مسكن لتعويض المساكن البدائية. وقد أثارت المصادقة على هذا ألمشروع جدلا كبيرا داخل المجلس نفسه حيث حاول عدد من نواب المعارضة تعديل بعض فصوله، وألح عدد اخر منهم على توفير الأدنى شفافية كضمان لإنجاح المشروع ووضعه في سياقه «الاجتماعي»، وصمام أمان لتفادي الخروقات والتجاوزات وجميع أشكال التلاعب المعهودة والتي كانت اعتيادية في السنوات الماضية. كما أثار المشروع اهتمام المواطنين خارج المجلس وأيضا مخاوف المتابعين للشأن العام والشركاء الاجتماعيين والجهات المعنية بالمشاركة في أخذ القرار ثم التجسيد، خاصة في ما يتعلق بالهياكل والمؤسسات المشاركة فيه ومصادر تمويله وكذلك «التكنولوجيات» الجديدة التي تنوي الحكومة اعتمادها في انشاء مثل ذلك البرنامج. وقد قوبلت هذه المخاوف والتساؤلات بتأكيد الحكومة تحديدها آليات قادرة على ضمان شفافية تنفيذ هذا البرنامج خصوصا بما يتعلق بالفصل 27 (إحداث البرنامج ) وبتمويل هذا البرنامج (الفصل 28). وكان سليم بسباس كاتب الدولة للمالية أكد في جلسة بالمجلس التأسيسي ان الامر الترتيبي الذي سيتم إصداره لضبط صيغ وشروط الانتفاع بهذا البرنامج سيتضمن المقاييس الموضوعية للفئات التي ستنتفع به، ولكن بداية الانجاز أعادت النقاط المثارة للسطح. لجان غير واضحة فالمنشور المتعلق بالغرض، والذي وزع على جميع مراكز ولايات الجمهورية وحمل امضاء كل من وزير التجهيز تحت اشراف وزير الداخلية، أوصى بضرورة تكوين لجان جهوية تعمل تحت اشراف السلط الجهوية، لتضم ممثلين عن السلط المحلية ووزارة التجهيز بمشاركة وزارة الشؤون الاجتماعي والمجتمع المدني وهو ما تم تحديده سابقا بالفصول المتعلقة بهذا المشروع تأكيدا على اشراف الهياكل المختصة للدولة على انجازه وبمشاركة المجتمع المدني أي الجمعيات الناشطة بالمجال التنموي والاجتماعي المحلية منها والوطنية. ولكن هذا المنشور يشير أيضا الى امكانية تشريك «كل هيكل أو شخصية «ترجح» الفائدة في تشريكها، وهو ما يترك المجال واسعا أمام المسؤولين عن هذا العمل وفي أغلبهم اطارات جهوية ومحلية تمت تسميتهم مؤخرا لفتح المجال «للشخصيات» الذين يرون فيها الكفاءة وعادة ما تكون مقربة منهم أو من الذين يحملون نفس أفكارهم، للتواجد في هذه اللجان فالترويج لأحزابهم ومشاريعهم السياسية، مستغلين أطرا وعملا هو ضمن نطاق هياكل الدولة ومن مشمولاتها وبمشاركة من المجتمع المدني، و»يفرض صرامة تجنبه الاستغلال الخاص والدعاية الحزبية» وهي مخاوف المتابعين من عودة نفس سلوكات حزب التجمع المنحل الذي استغل المال العام للدعاية واستقطاب المواطنين البسطاء . بالملموس ! عمليا وبالاستناد لهذا المنشور، يؤكد مصدر مطلع بوزارة الشؤون الاجتماعية أنه تم تكوين عدد من اللجان المحلية بتشريك أعضاء ينتمون للمكاتب المحلية للحزب الحاكم «حركة النهضة». فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان اللجان المحلية التي تم تشكيلها بعدد من المعتمديات الراجعة بالنظر لولاية تونس مثل «باب سويقة» شهدت مشاركة لعناصر من حزب حركة النهضة، كشخصيات تم ترجيح «كفاءتها» للمشاركة في الغرض، حسب ما يذهب له مسؤولون عن تكوين هذه اللجان وعملها، بل ان أحد المعتمدين أجاب على استفسار ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية حول شرعية مشاركة عنصر نهضوي بأحد اللجان المحلية، بأن قال «ان الرجل يمثل المجتمع المدني» !. وفي نفس السياق، تؤكد المعطيات الحاصلة أنه تمت دعوة عدد من المنتسبين لهذا الحزب للقيام بزيارات ميدانية للأسر الفقيرة ومرافقة ممثلي وزارتي التجهيز و الشؤون الاجتماعية وأيضا البلديات في نطاق التحضير للقائمات التي ستنتفع بهذه المساكن في عدد من المعتمديات. وبطبيعة الحال، فان تواجد عناصر ممثلة لحزب سياسي بعينه في مثل هذه الأنشطة التي توفرها الدولة للمواطنين ضمن عملها الاجتماعي والتي تمول من ميزانية الدولة أي من المال العام، هو بالأساس تهديد لحيادية الدولة ومؤسساتها وعمل على الخلط بين الدولة كمرفق عام والأحزاب المشاركة بالسلطة كمؤسسات للانتفاع الشخصي، وفي ذلك دعاية حزبية على حساب ثورة المجموعة الوطنية. وشهد شاهد وفي اجابة خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية بحكومة الترويكا، عند تقديمه لمشروع مساعدة الأسر الفقيرة وفاقدي السند لسنة 2012 -وهو مشروع اخر توفره الدولة للفئات المحرومة والفقيرة من مواطنيها-، على تساؤلات الصحفيين بخصوص شفافية العمل الاجتماعي، حذر الوزير من ما وصفه « السوس الذي نخر بلادنا والذي قمعنا وهو الإدارة الحزبية التي لا تنظر بعين العدل إلى جميع أطراف المجتمع» في اشارة منه لهذا الموضوع. ليؤكد الوزير أيضا على الدور الطلائعي للمجتمع المدني وكل من يعنيهم الشأن العام للوقوف ضد عودة تلك الممارسات، داعيا إلى أن يشاركوه في المطالبة ب«دسترة» حياد الإدارة التونسية عن أي حزب. وليس بحياد عن مسار موضوع التحقيق، فان مختلف مكونات المجتمع المدني والديمقراطي وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، تكرر في كل مناسبة تحذيرها من مغبة العودة الى ممارسات العهد القديم، والذي كان فيه التداخل بين أجهزة الدولة والحزب الحاكم الية شجعت على الفساد وساهمت في اطالة نفس الدكتاتورية، خاصة مع بروز بوادر لذلك في العمل المحلي والجهوي.. هل من ضامن؟ في جانب اخر من هذا المشروع وتحديدا فيما يتعلق بالجزء الثاني منه، فان نفس المنشور الذي تم التطرق له سابقا، يؤكد أنه موجه للعائلات محدودة الدخل التي لا يتجاوز دخلها الشهري «ثلاث مرات» الأجر الأدنى المضمون، أي أن كل مواطن يصل دخله حدود ال900 دينارا تونسيا ولا يملك منزلا عائليا بامكانه وبعد استيفاء الشروط الموضوعة للغرض تقديم ملف للانتفاع بمنزل اجتماعي. وهذه النقطة تفرض الوقوف عندها، خاصة أن هذا الشرط يسمح لأعداد كبيرة من الشعب التونسي والتي تعد فئات واسعة منها ميسورة الحال أو ضمن الطبقة الوسطى في تصنيفها «السوسيو اقتصادي» مخولة لتقديم ملفات للانتفاع بمسكن اجتماعي، وبالتالي فمن حق المعلم و أستاذ التعليم الثانوي وأي موظف وحتى رئيس مصلحة بالادارة التونسية الانتفاع بما يقدمه هذا المشروع. وان كان من حق هذه الفئة الناشطة والكادحة من المواطنين أن يضمنوا أبسط مقومات العيش الكريم ومن ذلك امتلاك مسكن لائق فان المشروع الذي تطرحه الحكومة موجه بالأساس الى الفئات الضعيفة والفقيرة التي يزيد امتدادها بين الشعب التونسي شيئا فشيئا بعد أن تجاوزت نسب الفقر بينه ال20 بالمائة وهو ناقوس خطر يهدد مستقبل الأغلبية الساحقة من التونسيين. ولأن المنشور الموزع للغرض يعطي العائلات الراغبة في الترشح للانتفاع بهذا البرنامج والتي لا تملك مسكنا، حق تقديم مطلب للمعتمديات الراجعة لها بالنظر وفق الأنموذج الموضوع على ذمتها بمقرات المعتمديات والولايات « فان أصواتا عديدة تحذر من مغبة التلاعب بالملفات وادراج المقربين وأخذ الاعتبار ل»الولاءات»، مقوما اخر في انتفاع عدد من التونسيين من هذا المشروع، خاصة أن أعدادا وافرة من المتمتعين بالعفو التشريعي العام وأغلبهم من حركة النهضة عادوا لوظائفهم وتمتعوا بتعويضات عن سنوات الابعاد والعزل. وللتذكير تؤكد حركة النهضة اعتزامها «العمل على تعويض هؤلاء « دون أن تذكر مصادر تمويل هذه التعويضات و التي يرجح أن يبلغ مقدارها مئات المليارات. للفقراء النصيب الأقل وزارة التجهيز أكدت أن الدولة ستوفر التمويل الأساسي لتنفيذ مشروع المساكن الاجتماعية من خلال «هبات مالية» وايضا عن طريق «أموال الزكاة. وقد دخلت فعلا شركة قطرية حكومية على الخط بعد أعلن وزير الخارجية القطري أثناء زيارة له الى تونس منتصف شهر ماي المنقضي عن الشروع الفوري في انشاء 700 مسكن اجتماعي بمدينة عمر المختار بمنطقة السيجومي بعد أن تكفل النظام الليبي السابق بدفعة أولى في المشروع أنشأ خلالها 600 مسكن سنة 2007. وتفيد المعطيات المتوفرة من وزارة التجهيز والاسكان بأن الحكومة رصدت 100 مليون دينارا من ميزانية الدولة للانطلاق في هذا المشروع الخصوصي للمساكن الاجتماعية بعد أن كشف وزير التجهيز والاسكان أن تنفيذه يتطلب تمويلا يناهز مليار دينار. ويطالب عشرات الآلاف من التونسيين سنويا بالحصول على مساكن اجتماعية، خاصة منهم ضعاف الحال، وتؤكد المؤشرات المتوفرة أن البلاد تدخل شيئا فشيئا في أزمة سكنية، في السنوات المقبلة إلا أن وزير التجهيز والاسكان أكد أن الدولة غير قادرة سنويا سوى على توفير 1500 مسكن لضعفاء الحال مما يجعل نصيف الفقراء هزيلا جدا وغير قادر على الاستجابة لطلبات هذه الفئة المتزايدة. وخلافا لهذا المعطى الملموس الذي أقرته وزارة التجهيز والاسكان، فان السلطة الحالية تؤكد في خطابها ومنذ توليها زمام الأمور عملها على الاحاطة بضعفاء الحال والتخفيض في نسب الفقر وتوفير الأدنى حقوق اجتماعية واقتصادية لهذه الفئة الضخمة. تحذيرات وفي بعد اخر لا يقل أهمية يحيط بهذا المشروع ومتعلق أساسا بجودته وملائمته للاحتياجات المواطن التونسي، أثارت تحذيرات مجلس هيئة المهندسين المعماريين التونسيين من الآليات والتكنولوجيات الجديدة المعتمدة في انشاء هذه المساكن عديد التساؤلات، فاللجنة الفنية أوضحت أن التكنولوجيات الجديدة التي قدمتها سلط الاشراف لا تعدو أن تكون سوى منشآت مستوردة مخصصة في الأصل للبناءات الصناعية لا لسكن الانسان وقد تم تعديلها لإكسابها الصبغة المعيشية الإنسانية ورغم ذلك «لا تتلاءم و طريقة عيش المواطن التونسي ونمط حياته». وتعد أهم المعدات المخصصة في عملية بناء هذه المساكن، الحديد والطولة كما أنها غير قابلة للتوسعة والتهيئة، إضافة الى أن جدران المساكن الخارجية منها، مكوّنة من مادة عازلة غير منصوح باعتمادها في البنايات المعدة للاستعمال السكني. ويؤكد المجلس أنّ مناخ البلد المتوسّطي يتميز باختلافات بين المناطق الداخلية التي تتّسم بشدّة البرودة شتاء والحرارة صيفا لبعدها عن تأثيرات البحر، وبين الساحلية منها والتي تتميّز باعتدال مناخها. كما أن نسب الرطوبة تختلف بين الشمال والمناطق الجنوبية الواقعة تحت تأثير الصحراء، مؤكدا على ضرورة أن يسبق بداية العمل على انجاز هذا المشروع دراسة خاصة حماية لساكنيه واستيفاء شروط احترام السكن اللائق للإنسان.