بداية، لابد من رفع التباس قد يتبادر إلى البعض: إنّنا نؤكد على أنّنا مع الدّفاع عن ضعيف الدّخل و«الزّوالي» والمعدم والمهمّش، والشغالون ليسوا بعيدين عن كل هؤلاء فلا تعتبروا ذلك خطابا شُعبويا، أيّها الذين تعوّدتم كيل التهم لكلّ من يقترب الى هذه «المنطقة المحرّمة».. والدفاع عن هذه الفئات الضعيفة هو من صميم مهامّ الاتحاد العام التونسي للشغل. بعد هذا التنويه الذي استدعته حملات التهجّم من قِبَلِ البعض على كلّ من يدافع عن قضايا شعبه، نؤكد انّ الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة المؤقتة، من رفع اسعار الفائدة واسعار المحروقات ورفع اسعار عديد المواد الأساسية ورفع بعض الرسوم الجبائية ومنها غير المباشرة، ورفع رسوم تسجيل التلاميذ ورسوم الاتصالات ورسوم تسجيل العقود والوثائق وغير ذلك... إن هذه الاجراءات لا يتكبّدها الاّ المعدمون والمهشّمون وضعاف الدّخل والشغالون.. يتكبّدون أعباءها لأنّ رواتبهم وجراياتهم أقرب الى خزائن الدولة، منها تَعُبُّ اكثر من 70٪ من مواردها المالية المتأتية من الضريبة على الدّخل، ولأنهم الذين يتحمّلون مباشرة آثار غلاء المعيشة التي تستنزف جزءا عظيما من أجورهم وجراياتهم رهينة لدى البنوك لا يزيد رفع سعر الفائدة الا في رهنها.. باختصار هم الاقرب الى اليد الطولى للسلطة لتأخذ من جيوبهم الفارغة ما عنّ لها.. إنّنا لم نرَ في اجراءات الحكومة ما يشير ولو من بعيد الى امكانية الحديث عن اهتمام السلطة بالفئات الضعيفة، وعن عدالة اجتماعية او عدالة في الجباية او عدالة في تقاسم الأعباء.. إجراءات يظلّ الشغالون في ظلّها الفئة المنهكة المثقلة بالأعباء والديون... إنّ بحث الحكومة عن موارد لميزانيتها امر مشروع خاصة في ظلّ الازمة الخانقة التي تعيشها البلاد في المستويات جميعا وفي المستوى الاقتصادي على وجه الخصوص، لكن ان يكون البحث عن الموارد تفتيشا ونفضًا لجيوب الشغالين والمعدمين هذا أمر غير مقبول.. في حين عمدت الحكومة في ميزانيتها وفي اجراءاتها اللاّحقة الى الزيادة في امتيازات رؤوس الأموال بالإعفاءات الجبائية والتخفيضات في الرسوم وبمراجعة مجلّة الاستثمارات نحو مزيد من التسهيلات والأرباح لغاية تشجيع الاستثمار لكنّها اجراءات لو استمرّت لن تزيد الفقير إلاّ فقرًا والغنيّ إلاّ غنىً.. كان مع المفروض ان يكون للحكومة برنامج اقتصادي واجتماعي وان يكون هذا البرنامج مبينا على أساس العدالة الاجتماعية او حتّى «ما يشبه» العدالة الاجتماعية.. لكنّ الحكومة الحالية، وقد تبنّت ميزانية الحكومة السابقة، وأضافت عليها اجراءات تكميلية خاصة، لم تفعل غير تكريس النهج الليبرالي واستعادة مناويل التنمية السابقة وتحميل الشغالين كما في السابق أعباء الازمات بالبحث عن موارد للدولة في جيوب الشغالين... إنّ هذه النزعة، بعيدة كل البعد عن طموحات المحرومين والمهمّشين والمعدمين الذين عرّضوا صدورهم عارية للرّصاص والذين هدروا في الشوارع طلبا للحرية والعدالة والكرامة والذين اسقطوا بأصواتهم وتصميمهم رأس الدكتاتورية هؤلاء الذين صنعوا الثروة كما نسجوا الثورة كانوا يطمحون إلى استعادة حقهم بعد 14 جانفي، ويأملون في حياة أفضل، فإذا بهذه الآمال تتبخّر أمام ارادة سياسية ليبرالية اثبتت فشلها ولم تجلب للبلاد غير الكوارث... لقد شكلت الزيادات الأخيرة في الأجوررغم أنّها لم تكن مجزية، فرصة للتعويض النسبي عن تدهور المقدرة الشرائيّة للشغالين، غير أنّها بالاجراءات الحكومية الأخيرة، تتبخّر قبل صرفها، ليُسحب باليمنى ما قدّم باليسرى... فما ذنب المعدم والمهمّش وضعيف الدّخل؟ وما ذنب الشغالين؟ إنّهم لم يجابهوا الا بالوعود الزّائفة والخطابات الواهمة ولم يُنظر إليهم الا على انهم وقود الانتخابات... كأنّ ثورة لم تحدث في البلاد وكأن شيئا لم يكن اسعار ملتهبة واحتكار يعصف بقوت التونسيين وفساد يبتزّ ما تبقى منه وشركات ومنها التي لبعض المسؤولين الحكوميين ودول تتربّص بما تبقّى من ثروة البلاد ومؤسساتها لنهبها وانفلات في كلّ المجالات والميادين. وفي المقابل، تقسيم للتونسيين على أسس غريبة عنهم مذهبية تارة وجهوية اخرى وعقائدية طورًا وطائفيّة طورًا آخر وتجييش للصراعات يقوده مسؤولون سياسيون كبار في الدولة وصلت دعوتهم حدّ التظاهر أسبوعيّا... وعلى الإعلام أن يصمت وينصاع ويبدي آيات الطّاعة والولاء لراية وزارة إعلام خفيّة وتحت ظلال امبراطوريات إعلامية في الأفق تسطّر ما يجب أن يعلمه الشعب وما يجب أن يُحجب عنه... صورة قاتمة لا تثير إلا الإحباط... إحباط لن يتبدّد إلاّ بتحديد معالم الطريق وقد حان الوقت لتحديد ذلك...