ما اعرفه عن الدين الإسلامي هو كونه دين تراحم وتواصل وهو كذلك شريعة تحرص على العفو والتجاوز . بقي أنّ الأمور في بعض المساجد التي سطا عليها أنصار التيار السلفي والسلف سلف العلم والسمو والأخلاق براء من أولئك الذين جعلوا الإسلام نقابا وقميصا وخفّا (شلاكة بوصبع للذين يجهلون عبارة الخفّ) وتسوّكا و حناء. ومن هذه المدن التي صار الإسلام فيها غريبا مدينة بوسالم تلك التي عرفت أول المعارك ضد الاستعمار في 30 أفريل 1881 . وصارت المساجد أو بعضها منبرا للتحريض على الكراهية والتشجيع على سفك الدماء وتهديد السلم الاجتماعية ومن ذلك الخطبة التي ألقاها المدعو ربيع قنوني في مسجد بلال بن رباح المبني حديثا والذي تعرض لغزوة حررته من دعاة الاعتدال والرحمة وأحلت محلّه إماما مختصا في الرياضيات دون علاقة بينه وبين لإفلاطون، إماما جعل النقمة بديلا عن الرحمة وخصّ المنبر للتفرقة والتناحر بدل التآلف والتقارب .ولقد كانت خطبة الجمعة ليوم 31 أوت 2012 كارثة بكل المقاييس الأخلاقية والمعرفية والاجتماعية ، أمّا من الناحية الأخلاقية فقد كانت خطبة استهلها الخطيب الجهبذ والعلامة الضليع بالسب والشتم والتنابز بالألقاب معتبرا الشيعة أنجاسا ومتعفنين وتوسط الحديث مازجا الروافض والخوارج والإثنا عشرية والمعتزلة والغلاة في سلّة واحدة ولا ندري كيف وحّد السيد ربيع المذاهب المختلفة والمتناقضة ولا ندري في أي كتاب قرأها؟؟) و أنهى خطبته داعيا على الشيعة بأقسى الأدعية المتصلة بالهلاك و الفناء و اللعنة و الحشر في الجحيم. أمّا من الناحية المعرفيّة فقد جعل الإمام الضايع الطائفة الشيعية طائفة كافرة. وعلى حدّ علمي المتواضع فإنّ الشيعة طائفة إسلامية لا تختلف في إيمانها عن السنّة و لسنا نعلم في أية كلية قرأ السيد ربيع القنوني أنّ الشيعة مذهب واحد و لا ندري أ في صحيح مسلم أم البخاري وجد حديثا يقرّ بأنّ الشيعة كفّار؟) .وضمن البعد المعرفي المغلوط «حديث «أورده صاحب العلم اللادني ويعتبر تراب حوافر معاوية أشرف من عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس وهو حديث ما سمعت غير الإمام ربيع يردده وأحسب أنّه نقّب عنه ومحّص في صحيفة صفراء أو خضراء؟ ولأنّ طرائف صاحبنا كثيرة فسنختمها بدعاء مضحك مبك ومفاده أنّ إمامنا ظل طوال الخطبة يدعو بالرضى والرحمة لمعاوية الذي أحدث فتنة في المجتمع الإسلامي وحوّل السلطة ملكا عضودا كما يقول العلاّمة ابن خلدون. فهلاّ راجعت المصنفات الفقهية والتاريخية يا إمام المصلين. بقي أنّ الخلط المعرفي والمغالطة التاريخية والزيغ الأخلاقي أمور يمكن أن يبقى تأثيرها محدودا ولكنّ الخطير هو الجانب الاجتماعي والمتمثل في تحريض الإمام المصلين على التصدي للشيعة في مدينة بوسالم و دعا إلى تطهير المجتمع منهم ثمّ زاد فحرّض المصلين على بعض المربين من أساتذة التربية الإسلامية ومعلمين وحضّ التلاميذ على التصدي للمربين الذين يشتمّ فيهم السيد ربيع صار السيد ربيعا صاحب جهاز مخابرات التشيع أو رائحة التشيع ووصل به الأمر إلى تعيين بعض المدارس مثل مدرسة الطيب المهيري وهو ما يعني أنّ هؤلاء الزملاء صاروا مهددين في قوتهم وفي وجودهم .طبعا نسيت أن أذكّر القرّاء بأنّ الإمام الجهبذ كان يدرس في المدرسة القرآنية أيام حكم بن علي وهو ما يعني رضا الطاغية عنه و أذكّرهم بأنّه من ألطاف الله بتلامذتنا أنّ الإمام المذكور رسب في مناظرة الكاباس لو علم الله فيه خيرا لكان نجح في الكاباس ؟؟؟ ومأساة المصلين في بوسالم لا تثق عند حد إمام الجمعة بجامع بلال بن رباح بل تتعداها إلى جامع الحشاشية الذي يستخدم إمامه نسخة قرآنية محيّنة عائدة إلى 2012 وهي نسخة تضمنت حدّا جديدا لا ندري أهو وحي نزل متأخرا على الإمام أم هي رؤية صوفية أبانت لصاحبنا ضرورة استتابة شارب الخمر مرتين فإن رفض يهدر دمه وبما أنّ كل عائلة تونسية فيها على الأقلّ أكثر من شارب للخمرة وينجرّ عن ذلك أنّ كلّ والد مطالب بقتل إبنه و كلّ زوجة يحق لها وفق هذا الحدّ المزعوم أن تقتل زوجها وقس على ذلك الأجوار والزملاء.... الكثير من المصلين يفكرون في تجنب صلاة المساجد و الجوامع والاكتفاء بالصلاة في البيت ولكنّه حلّ سلبي انهزامي فكيف للأغلبية أن تخضع لإرادة فئة منحرفة؟ وكيف لمدينة بوسالم الضاربة في تاريخ الحضارة القرطاجنية والرومانية أن تغدو أسيرة الجهلة والمتطرفين والمنحرفين؟ وكيف للذين حاربوا فرنسا زمن دخولها تونس وكبدوها الخسائر البشرية والعسكرية أن ينهزموا أمام أئمة الفتنة والجريمة؟