عاجل/ الموقوفون في أحداث قابس يمثلون اليوم أمام القضاء..    أكثر من 10 حافلات تهشمت بسبب العنف داخل النقل العمومي    من هو ''الدغباجي'' الذي تحدث عنه قيس سعيد؟    عاجل: بلدية تونس تُعلن عفوًا جبائيًا جديدًا...تخفيضات وفرصة لتسوية الديون القديمة    صفاقس: بلدية الشيحية دون سيارات هذا الأحد    عاجل: واتساب ومسنجر يطلقو أدوات جديدة تحميك من التحيل الإلكتروني!    اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه بعد سرقة قياسية بقيمة 88 مليون يورو    بعد خسارة نوبل.. ترامب ينال جائزة "مهندس السلام"    عاجل/ بلاغ هام للترجي الرياضي التونسي..    فتيات تونس يتألقن في أربيل... تتويج المنتخب للجودو بلقب البطولة العربية!    دورة التحدي بريست بفرنسا للتنس: التوسي معز الشرقي يغادر من الدور السادس عشر    عاجل/ اصطدام عربتي المترو 5 و3: الكشف عن أسباب الحادث..    جريمة مروعة/ عثر على جثثهم داخل سيارة: مقتل أب وأبنائه في ظروف غامضة..#خبر_عاجل    7 أطفال ضحية والدهم في ليبيا.. تعذيب وقتل بالرصاص    هل تريد يومًا منتجًا؟ لا تفعل هذه الأشياء الخمس عند الاستيقاظ    عاجل/ رئيس الدولة يفرجها ويكشف عن اقصاء دولة شقيقة من صادرات التمور التونسية..    الترجي التونسي يواجه الترجي الجرجيسي..التوقيت والقناة الناقلة    الجزائر تعود لتطبيق عقوبة الإعدام بعد 32 عاماً..هذه الجرائم المعنية    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة ساحل الإكوادور    عاجل/ أحداث قابس: رئيس الدولة يفجرها..    وزنه كيلوغرامين: نجاح عملية استئصال ورم لطفلة حديثة الولادة من غزة..    ر.م.ع شركة نقل تونس: خطأ بشري وراء حادث اصطدام المترو رقم 3 بالمترو رقم 5    العدل الدولية تُصدر اليوم حكماً في قانونية منع إدخال المساعدات للقطاع    قيس سعيد: بلاغ استثناء المغرب من تصدير التمور غير مسؤول يقتضي الواجب مساءلة صاحبه    طقس اليوم: أمطار بالشمال وانخفاض في درجات الحرارة    الكونغرس يلاحق بيل كلينتون في قضية إبستين المثيرة!    رئيس الجمهورية: البلاغ غيرالمسؤول الذي يتضمّن إقصاء إحدى الدّول الشّقيقة يقتضي الواجب مساءلة صاحبه    يوم الخميس مفتتح شهر جمادى الأولى 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحين الى اتباع الممارسات الجيدّة لمكافحة الذبابة المتوسطية المتكاثرة على الفواكه    قضيّة ضبط 400 كغ زطلة في أحد موانئ سوسة: إيداع 8 أشخاص السجن    في افتتاح تظاهرة «عين المحبة» في موسمها الثاني...تكريم المطربة القديرة «سلاف»    مهرجان «الرمّان» بالقلعة الصغرى ..أنشطة رياضية صحيّة، ندوات علمية تاريخية وسهرات موسيقية    نابل : انطلاق موسم جني الزيتون    عاجل: مفتي الجمهورية: الخميس 23 أكتوبر أول أيام شهر جمادى الأولى 1447 ه    مصر.. اكتشاف تمثال ونفق يقرب العلماء من مقبرة الملكة كليوباترا    عاجل/ وفاة عون أمن في حادث مرور..    المؤتمر الثامن للطب العام والعائلي: مقاربات طيبة ونفسية واجتماعية للتهرم المتزايد للسكان في تونس    الحمامات تستضيف الملتقى الجهوي الأول للموسيقى بنابل في دورة تحمل اسم الفنان رشيد يدعس    المنستير: انطلاق أشغال مشروع بناء دار الثقافة بقصرهلال بكلفة 4 ملايين و879 ألف دينار    عاجل: نجم تونس حنّبعل المجبري في دائرة الاتهام بسبب تصرّف غريب!    أبطال أوروبا: برنامج مواجهات الليلة من الجولة الثالثة    الليغا: ريال مدريد يعترض على إقامة مباراة برشلونة وفياريال في ميامي    القصرين: عملية بيولوجية جديدة لمكافحة الحشرة القرمزية    14 عملا مسرحيا في المسابقة الرسمية لمهرجان مواسم الإبداع في دورته الثالثة    كيفاش تحافظ على زيت الزيتونة ويقعد معاك مدة طويلة؟    عاجل : دراسة صادمة... لحوم البقر والأسماك تسبب أعراض الاكتئاب    بن عروس: الشروع في تأمين عيادات في اختصاص جراحة العظام بالمراكز الوسيطة بالجهة    تأمينات البنك الوطني الفلاحي: رقم الأعمال يزيد ب9،8 بالمائة ويبلغ 136 مليون دينار موفى سبتمبر 2025    بمناسبة الذكرى 77 لتأسيسها: الخطوط التونسية تطلق عروضا استثنائية لمدة 77 ساعة    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الإفريقي في مواجهة الإتحاد المنستيري    طقس اليوم: الحرارة تصل إلى 34 درجة وأمطار ضعيفة بأقصى الشمال    عاجل: حضّروا كلّ الوثائق...التسجيل للباك يبدأ غدوة    أصداء التربية بولاية سليانة .. مهرجان circuit théâtre    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيّها الضّارعون المعذّبون في الأرض ! ! !
من الشعب... إلى الشعب
نشر في الشعب يوم 20 - 10 - 2012

الوقف لغة هو التحبيس أو التسبيل أي جعل الشيء أو منفعته في سبيل الله، فهو من جنس الصدقة الجارية، ومنه ويا للغرابة «السبّالة»! نعم السبّالة بمعنى الحنفيّة أو «الشّيش ماء» بمعنى قناة الماء باللّغة التركيّة كما تُعرف في بعض مناطق بلادنا، فهي في الأصل مَعِينُ ماءٍ يوُضع على ذمّة السّابلة أي المارّين في الطريق ليستقوا منه «على رحمة الوالدين» كما نقول في تونس!
تذكّرتُ هذا وأنا أقرأ بذهول مقدار الأموال الموقوفة في الغرب على الأعمال الخيريّة. وهاكُم بعض أمثلة قد تُصيبكم مثلي بالدُّوار: خصّص «بيل غيتس» ما قيمته 4,2 مليار دولار من ثروته للتّعليم والصحّة والمكتبات العامّة في مدينة سياتل... وحبّست مؤسّسة فورد 10,8 مليار دولار للمنح الجامعيّة وعلاج الفقراء، وقُل نفس الشّيء عن مطاعم القلب (les resto du coeur) في فرنسا وبلجيكا حيث تُقدّم الوجبات مجانّاً للفُقراء، وهذه أنشأها الفنّان «كوليش» (Coluche ) سنة 1985 بمساعدة من أهل الفنّ والأدب والجمعيّات الخيريّة... يتمّ هذا في بلاد غير المسلمين، فيما تُعاني «أمّة الإسلام» ما تُعاني من جوع وفقر وحرمان مُقابل حفنة من باذخي النفط الذين لا همّ لهم إلاّ التبجّح بأنّ الله أكرمهم بالإسلام!
وبما أنّ الشّيء بالشّيء يُذكر كما يقول ابن نَبَاتَه المصريّ:
تَذَكَّرْتُ لَمَّا أَنْ رَأَيْتُ جَبِينَهَا ... هِلَالَ الدُّجَى وَالشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ
فقد تذكّرتُ رأياً للعلاّمة عبد الله العلايلي في كتابه الجريء «أين الخطأ؟»، يقول فيه حرفيّاً: «ليس لأهل النّفط مُقَدَّرَاتُه»، وذلك بناءً على الحديث الشريف: «النّاسُ شُركاءُ في ثلاثٍ: الماءِ والكلأِ والنّارِ»، وهو يعتبر الوقود الخام بكلّ مصادره من نفط وغاز وفحم وأورانيوم داخلٌ في عُموم لفظ النّار، ويعلو صوته بالتّالي: فيا أيّها الضّارعون المعذّبون في الأرض، طالبوا بالفم الصّارخ بحقّكم، فأنتم شُركاء فيه شرعاً!
لكن لنعدْ إلى موضوعنا خشية أن يُضحي الحديث عن وقف النفط على مستحقّيه داخلاً في السياسة... مُخْرِجاً من الدّين! قلتُ: دُهشت من المبالغ الخياليّة التي يُوظّفها بعض الغربيّين في خدمة أغراض إنسانيّة، ودُهشت أكثر لنُبل نُفوسهم ويقظة ضمائرهم وعلوّ إنسانيّتهم بما ذكّرني بمآثر الأجداد. وبما أنّني من المغرمين بالنّبش في التّراث، فقد استوقفتني بعض الإشارات المنبئة بمدى تخلّفنا عن أجدادنا، والحال أنّنا «سلفيّون» في كلّ شيء تقريباً... عدا فعل الخير والحضّ عليه!
وتتعدّد الأمثلة الدالّة على عُلوّ همّة من سبقونا في تحبيسهم الأموال والعقارات على المدارس والمستشفيات ودُور الرعاية والمكتبات وسائر أوجه النفع الإنساني، ومن ذلك ما ذكره ابن بطّوطة في رحلته حول «وقف الزَّبَادِي» في دمشق، وهو مكان فيه أواني موقوفة، بحيث إذا كسر خادمٌ أو طفل آنية وخاف العقوبة، قصد إلى ذلك المكان وسلّم الآنية المكسورة وتسلّم بدلها صحيحة... وقد علمتُ أنّ في فاس وقفاً مثل هذا الوقف، وكذلك في تونس! ويُضيف ابن بطّوطة: وفي تونس وقفٌ لتزويج الشابّات الفقيرات، وآخر لختان الأولاد الفُقراء وإعطائهم كُسوة ودراهم، وثالثٌ لتوزيع الحلوى على المُحتاجين في شهر رمضان!
ومن طرائف الوقف تحبيس الأموال على إيواء الحيوانات الشاردة ورعايتها على غرار «بيت القطط»، وقد كان إلى عهد قريب في سوق «ساروجة» بدمشق، وكان فيه ما يزيد على أربع مائة قطّة من الفارهات السِّمان! ووقفٌ في مدينة فاس على طير نادرٍ يأتي في موسم معيَّن، حبّس له بعض الخيِّرين ما يُعينه على البقاء ويُسهِّل عيشه في تلك المدَّة من الزّمن !
أمّا أغرب الأوقاف، فهي وقف «مُؤنس المرضى» الذي يُنفق منه على مُغنّين من كلّ رخيم الصّوت حَسَن الأداء، فيُنشدون القصائد طوال اللّيل تخفيفاً عن المريض الذي ليس له من يخفّف عنه... ولا يفوقه غرابة إلاّ وقف «خداع المريض»! نعم، وقفٌ للكذب، ولكنّه كذبٌ أبيضُ كوجه مُنشئه، وفيه وظيفة تكليف شخصين ذوا هيئة ولباس حسن يقفان قريبًا من المريض بحيث يسمعهما ولا يراهما، فيقول أحدهما لصاحبه: ماذا قال الطّبيب عن هذا المريض؟ فيردّ الآخر: سمعته يقول إنّه لا بأس، إنّه مرجوّ البُرء، ولا يُوجد في علّته ما يشغل البال، وربّما ينهض من فراش مرضه بعد يومين أو ثلاثة!
كان هذا في مستشفى الأميرة المراديّة عزيزة عُثمانة، وقد حبّست جميع ثروتها على «المارستان» أي المستشفى الذي لا يزال يحمل اسمها إلى اليوم وإن تحوّل مكانه من نهج العزّافين إلى القصبة!
لا أطمع أن يكون لنا اليوم مثل عزيزة عُثمانة، فهذا يبدو كبيضة الدّيك مع تقلّب الأزمان وتحجّر القلوب وتكلّس الأذهان عند مُترفينا، ولكن ليكن عندنا على الأقلّ شجاعة الشيخ العلايلي في صرخته: فيا أيّها الضّارعون المعذّبون في الأرض، طالبوا بالفم الصّارخ بحقّكم، فأنتم شُركاء فيه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.