أستعير عنوان مقالي من قصيدة للشّاعر الإسباني الكبير «رافائيل ألبرتي» بعنوان «شبح يخيّم على أوروبا» كتبها زمن الفاشية، وذلك للتعبير عن سخطي الشديد على الوضع العام بالبلاد وخاصة في المجال الثقافي والفني والأدبي. فالأمور لا تطاق والمآتم الثقافية تتكرر باستمرار في ظل التهميش والإقصاء والمحاباة والمحسوبية وعدم فتح ملفات الفساد الثقافي الذي عشش في وزارة الثقافة رُبُعَ قرن وصولاً الى معاداة العمل النقابيّ. لقد فوجئت مساء الجمعة 12 اكتوبر الجاري بعد الاطلاع على منشور مُمضى من السيد وزير الثقافة (الذي كنّا نبادله الاحترام) ومردّ هذه المفاجأة السّيّئة التي أصابتني بانقباض شديد أن المنشور الأخير الذي وُجِّه إلى السادة المديرين العامّين والمندوبين الجهويّين للثّقافة فيه ضرب ومحاربة للعمل النقابيّ. فالمنشور (عدد 69 مع الورقة المرفقة للتّحسيس!) يحرّضان أعوان وزارة الثقافة على الانسلاخ من نقابات العمل الثقافيّ! فلم أر في حياتي وزيرا أوروبيّا تدخّل في حرّية العمل النقابي باعتباره أشرف وأنبل عمل على الإطلاق تكرّسه جميع منظّمات العمل الدوليّة. والتّهديد الصّادر عن السّيّد المهدي مبروك ومدير ديوانه بخصوص ترهيب الأعوان والنّقابات الفنيّة والثقافيّة والأدبيّة بعقابهم في صورة تنفيذهم للوقفة الاحتجاجيّة يوم 16 أكتوبر بتونس والإضراب العام الجهوي لأعوان المكتبات يوم 18 أكتوبر الجاري بصفاقس، يعتبر تعدّيا صارخا على حق الأعوان والفنّانين والمبدعين والمثقّفين في الاحتجاج والتعبير عن آرائهم ورفع مطالبهم المشروعة.وكان رد الوزارة في صفاقس مشينا بأن أرسلت ثلاثة متفقدين إلى المكتبات العمومية لتسجيل المتغيبين الذين شاركوا في الإضراب! ألم أقل لكم منذ قليل فقط إن شبحا من الظلام يخيّم على تونس؟ فأسفي على بلد كان يمكن أن يكون وزيرُ ثقافته قائدا متنوّرا يقود ثورة ثقافيّة عربيّة تنطلق من تونس... سنبحث عن وزير ينتصر للنّور والضوء، سنبحث عن وزير لا يعود بنا إلى الأساليب القديمة، سنبحث عن وزير ينصت إلى أبناء «جلدته»، وزير يكون عونا لهم لا عليهم للقطع مع السلفيّة الثقافية برمّتها، سنبحث عن وزير يليق بالثّورة التّونسيّة التي كرّست العمل النقابيّ حقًّا دُونَهُ الموتُ والفناءُ! ومن المنتظر أن يكون الإضراب العام يوم 2 نوفمبر القادم الذي يتزامن مع المعرض الدولي للكتاب بالكرم.