على امتداد يومي 19 و20 نوفمبر الجاري، وبالتعاون مع قسم العلاقات العربية والدولية والهجرة بالاتحاد واللجان النقابية الاسبانية CCOO التأمت ندوة دولية بأحد النزل بالعاصمة تدارست دور النقابات في التحول الديمقراطي بالبلدان العربية وشارك فيها ممثلون عن نقابات المغرب وفلسطين وموريطانيا ومصر والجزائر وتونس ولبنان. الندوة تدارست واقع التحول الديمقراطي في البلدان العربية وأساسا بلدان الثورة إلى جانب الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والنقابية والشغلية مع تنظيم مائدة مستديرة نوقش فيها موضوع المساواة في النوع الاجتماعي من اجل تطوير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة وفي الأخير تمت صياغة مقترحات للتعاون بين النقابات وتشبيك العلاقات الثنائية. افتتح الندوة أشغالها الأخ قاسم عيفية الأمين العام المساعد المسؤول عن قسم العلاقات العربية والدولية والهجرة الذي وجّه تحية تقدير باسم المشاركين إلى الشعب الفلسطيني الذي يعيش معاناة القهر الصهيوني واعتداءاته الغاشمة على الأطفال والنساء والشيوخ منتهكا بذلك ادنى حقوق الإنسان. وبيّن أن هذه الندوة تنعقد في وقت تواجه فيه الحركة النقابية تحديات جسام حيث شهدت المنطقة العربية تغييرات عميقة بعد سقوط رموز الديكتاتورية والفساد في عديد البلدان التي دخلت اثره في مرحلة انتقالية عسيرة ومعقدة وتشهد بلدان عربية اخرى اضطرابات اجتماعية ومواجهات مسلحة لارساء الديمقراطية وتحقيق الحرية والكرامة. الاخ قاسم عفية أبرز أن الاتحاد العام التونسي للشغل يعمل اليوم على العديد من الواجهات والمتمثلة في قيادة النضالات النقابية من اجل مطالب العمال في القطاعات والجهات ومن جهة أخرى الاضطلاع بهمة المساهمة من موقع متقدم في العمل على انجاح «التحول الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة». ويأتي هذا الدور والذي تدعم منذ مؤتمر طبرقة نتيجة لأهمية موقع الاتحاد في الساحة السياسية والاجتماعية بالبلاد الذي اكتسبه من خلال دوره التاريخي في مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة ونضاله من اجل مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وكذلك دوره الحاسم في اسقاط الديكتاتورية ومقاومة الفساد باحتضانه للتحركات الشعبية والدفاع على الفئات المهمشة والفقيرة وقيامه بالاضطرابات العامة الجهوية والقطاعية مما جعله محط امال شرائح واسعة من المجتمع التونسي في تحقيق اهداف الثورة في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. وذكّر بأن الاتحاد كقوة اقتراح تقدم بمشروع دستور يختزل طموحات ومطالب اغلب فئات المجتمع ويكرس مبادئ وأهداف الثورة وقد حقق هذا المشروع التفافا واسعا من الحركة الديمقراطية والمدنية. ثم وامام تعثر المسار الانتقالي في مرحلة ما بعد الانتخابات بسبب تصاعد الخلافات والتجاذبات السياسية وانحراف النقاشات والحوارات حول صياغة الدستور بعيدا عن تطلعات الشعب في العدالة والمساواة والحرية في عدد من المسائل الجوهرية والمتعلقة اساسا بحقوق المرأة وطبيعة الدولة وحق الاضراب وحرية الاعلام والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للانسان واستقلالية العدالة للخروج من الوضع السياسي من المأزق الذي تردى فيه تقدم الاتحاد بمبادرة «الحوار الوطني» التي رحب بها اغلب القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني والتي توجت بعقد «المؤتمر الوطني للحوار» في 17 اكتوبر 2012. الا ان هذه المبادرة لقيت صدا من بعض الاحزاب الحاكمة بحجج واهية مما يترك الوضع في غاية من الحرج والحساسية حيث مازالت هنالك العديد من الصعوبات التي تهدد مسار الانتقال الديمقراطي قائمة. وأضاف بأن الحركة النقابية العربية وفي خضم ما تشهده المنطقة من تغييرات متسارعة مطالبة اليوم بمراجعة آلياتها وطرق عملها لاحتضان قوى التغيير من الشباب والنساء والفئات المهنية الجديدة. ونسجل بكل ايجابية تطور أداء العديد من المنظمات النقابية العربية خلال الحراك التي تشهده بلدانها ونزوعها نحو الاستقلالية بعدما عانت طويلا من التسلط والاحتواء والتهميش من طرف الانظمة الديكتاتورية مما سيؤهلها لاتخاذ موقعها على مستوى الحركة النقابية الدولية. الوضع العام بالبلاد الأخ مصطفى بن احمد قدّم عرضا حلّل فيه الوضع العام بالبلاد على جميع المستويات والمشاكل التي برزت في الفترة الانتقالية الحالية من تأخر إصدار الدستور الجديد والقانون الانتخابي ومحاولات ضرب الإعلام وما يعانيه القضاء من محاولات هيمنة وتجريم التحركات الاجتماعية وتنامي ظاهرة التطرف الديني الذي اعتدى على الفنانين والمثقفين والإعلاميين إلى جانب توظيفه لأماكن العبادة. وأشار إلى المبادرة الوطنية للحوار التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين والتي أكدت مدنية الدولة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومساواة المرأة والرجل والحق في الاضراب، وشدّدت على بعث هيئات الانتخابات والإعلام والقضاء، ورغم ما أبدته المنظمة الشغيلة من حرص كبير على تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي الا أن بعض أطراف الحكم تجاهلت هذه المبادرة مواصلة في سعيها الى السيطرة على مفاصل الدولة والذهاب قدما نحو الاقصاء هذا فضلا عن حفاظها على نفس المنوال الاجتماعي والاقتصادي الذي كان يتبعه بن علي والقائم على ازدياد الاغنياء غنى والفقراء فقرا... النقابات والتحول الديمقراطي كان محور المداخلة التي قدّمها الاخ مصطفي التليلي الخبير في وممثل الاتحاد الدولي للنقابات واستعرض فيها أوضاع النقابات قبل الثورات التي عانت تقريبا التدجين من السلط الدكتاتورية، ومع اندلاع الثورات ظهرت صدمة كبيرة عند عديد الدول التي لم تشهد هذه الثورات حتى انها بدأت تقدّم بعض التنازلات في علاقة بالتنظم النقابي والمفاوضة الجماعية مخافة من تعمّق الاوضاع الاجتماعية المزرية التي تعيشها شعوبها وحتى لا يتغير الوضع من مجرّد احتجاجات الى انقلاب او ثورات على النظم السياسية القائمة . وابرز المحاضر ان النقابات تواجه تحديات خطيرة ومنها الانفجار المتواصل للمطالب الاجتماعية بسبب تواصل حرمان الملايين من العمال من حقوقهم المادية والمهنية وتواصل نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية السابقة لذلك على النقابات ان تقوّي من نسق دفاعها عن الحق النقابي والدفاع عن حقوق الانسان وحرية المرأة والحريات العامة والفردية والحق في بيئة سليمة وتعزيز صلاتها بباقي مكونات المجتمع المدني كما لا يجب على النقابات ايضا ان يكون فعلها السياسي مرافقا للأحداث بلف عليها ان تؤثّر في الاوضاع وفي الحياة السياسية عبر البرامج والمقترحات. هذه المداخلة كانت فرصة لنقاش ثري للمشاركين الذين اكدوا ضرورة التحام الحركة النقابية في البلدان العربية بالحراك الاجتماعي وان ننزع «التابوهات» بين العمل السياسي والعمل النقابي ومقاومة البنى النقابية التقليدية المرتبطة بالنظم الدكتاتورية التي لازالت قائمة. الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الرفيق «خافيير دوز» أمين عام العلاقات الدولية للنقابات الاسبانية حلل الوضع الاقتصادي العالمي والاوروبي الناتجة عن انفجار في المنظومة المالية وتراكم التداين عبر سنوات طويلة وتناقص الطلب الذي أدّى الى تعميق الأزمة بتغليب الجوانب الربحية عن الاجتماعية فتم الضغط على المصاريف العمومية وتراجع دور الدولة في تمويل الصحة والتعليم والتشغيل كما تنامت ظاهرة الطرد التعسفي والتخفيض في الاجور واهتراء المقدرة الشرائية وتزايد الضرائب بالنسبة للفقراء. واشار المحاضر الى ان النقابات ردت على هذه السياسات بسلسة من الاضرابات وأخرها الإضراب العام في عدد من البلدان الاوروبية يوم 14 نوفمبر الفارط مبينا ان التغيير الحقيقي لا يمكن ان يكون عبر التوجهات الحالية للحكومات او ما يقترحه البنك المركزي الاوروبي داعيا الى بعث «ميثاق اجتماعي اوروبي جديد يتجاوز كل الاجراءات السابقة بدعم الجانب الاجتماعي وهذا ما يدفع أيضا الى المطالبة بمزيد من الديمقراطية وتغيير السياسة القائمة . الأوضاع النقابية بالبلدان العربية الحصة الثانية من اليوم الأول خصّصت لتشخيص الوضع السياسي والنقابي في البلدان العربية المشاركة في اللقاء وعلاقة نقابات هذه الدول بالسلط القائمة ومشاكل التنظّم النقابي فيها وقوانينهم الشغلية وأوضاع العمال وجملة التحديات التي تواجه العمل النقابي والنقابات ومنها الطائفية والعشائرية والاسلام السياسي وانتهاك الحق النقابي، كما طرح ممثلو النقابات برامجهم وخططهم لتجذير حركاتهم النقابية والاجتماعية ونضالهم من اجل تكريس الحريات العامة والفردية وحقوق الانسان. المساواة في النوع الاجتماعي ضمن اشغال اليوم الثاني للندة، التأمت مائدة مستديرة نظرت في مسألة المساواة في النوع الاجتماعي وتطوير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، وفي هذا المجال استعرضت ممثلات النقابات البنى التشريعية والقانونية المتعلّقة بالمرأة العاملة في مختلف البلدان العربية ومنها وقد تبيّن ان المرأة العاملة مازالت تعاني من عدم المساواة في الاجر والامية وهشاشة التشغيل حتى وان وجدت تشاريع تقدّمية نسبيا فإننا نلاحظ فرقا بين النظري والتطبيق لتظهر المرأة اكثر ضحايا الاستغلال والتهميش وانتهاك حقوقها الاجتماعية والهرسلة الجنسية في مواقع العمل . وبزت ضمن المداخلات، العرض الذي قدّمته الرفيقة حنان بنورة من الوفد الفلسطيني التي استعرضت اوضاع المرأة الفلسطينية المتسمة بحرمانها من حقوقها الصحية والتعليمية وعدم مساواتها في الاجر وايضا من أخذ القرار السياسي رغم انخراطها المتميّز في معركة التحرير الوطني ضد الكيان الصهيوني، فالمرأة الفلسطينة ليست معزولة عن واقع عربي اسلامي لايزال محكوما بنظرة متخلّفة للمرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا... ورغم ذلك، فعديد المحاولات ظهرت في عدد من البلدان العربية لتحسين اوضاع المرأة من طرف حركات سياسية ساعدت لمقاومة الفكر الرجعي ويحقق المساواة الفعلية والتامة بين النساء والرجال وتحقيق النماء الاقتصادي ومقاومة الفقر، لكن هذا العمل مازال محتاجا لاستراتيجيات خاصة للنوع الاجتماعي لتكون المرأة عنصرا كامل الحقوق وعنصرا من عناصر التنمية وذلك اولا من ضرورة تواجد المرأة فعليا داخل مراكز القرار بالمنظمات النقابية وتمكينها من اليات التنفيذ. ورشة عمل وتوصيات الحصة الثانية من اليوم الثاني، انتظمت ورشة عمل ونظرت في صياغة مقترحات لتعاون مشترك بين الوفود النقابية الحاضرة تتعلّق بتطوير اليات العمل النقابي و بالسياسات النقابية الدولية الواجب اتخاذها ازاء التحولات الديمقراطية بالبلدان العربية لضمان انتقال ديمقراطي فعلي وحقيقي يضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب...