كنت ومازلت مؤمنا بأن الإتحاد العام التونسي للشغل مسكون بروح خارقة تقود سفينته وتهديها سبل الرشاد كلما هددتها أمواج الحراك السياسي بالبلاد هذه الروح العاتية التي كثيرا ما كانت عند المواعيد الكبرى والمحطات الفارقة التي تختلط فيها السبل على الجميع إلا القافلة النقابية لها فيها دليل خفي يهديها الطريق وإني أدركت بما لا يدع مجالا للشك بأنه في الأساس أن روح حشاد قد تحولت لتلك القوة الجبارة التي تحرس المنظمة من كل الإنزلاقات وتحميها من كل الدسائس وهي التي تلهم النقابيين في اللحظات المناسبة لإتخاذ القرارات الصائبة التي تحفظ للمنظمة مكانتها وللنقابي حضوره على الساحة وليس هنا المجال للعودة للمحطات النضالية التي وجد النقابيون أنفسهم عندها بين خيارين مكانة الإتحاد العام التونسي للشغل في المشهد السياسي والإجتماعي بالبلاد إنطلاقا من المصلحة العليا للبلاد والمرتبة التي ينظر له من خلالها من طرف الجميع أو أن يتدحرج ليصبح هذا الصرح العظيم هيكلا خاويا تتقاذفه الأهواء وتلعب به الأنتماءات السياسية وغيرها فيفشل وتذهب ريحه وينقص وزنه و قيمته المادية والمعنوية بقطع النظر عن أرثه التاريخي وفاعلية رموزه عبر تاريخ البلاد لذلك أنا ما زلت متيقنا أيضا بأن روح حشاد زرعت بداخل كل نقابي ترعرع بين أحضان الإتحاد قوة ذاتية بقدر ما تمسك بالثوابت النقابية ومبادئ حشاد بقدر ما تتولد لديها الشجاعة الأدبية لمراجعة النفس وإعادة قرأة مواقفه في وقفة تأمل تكون منطلقا جديدا ودعما متجددا لمكانة الإتحاد العام التونسي للشغل لدى الجميع و هي نفس القوة التي تغلغلت بداخل كل التونسيين المحبين للإتحاد الذين آمنوا بمؤسسه ونضالاته والذين يمثلون قوة إحتياط خارجية تتفاعل مع المنظمة ومواقفها وقراراتها المصيرية التي لها تأثير مباشر على وجودها وعلى الدور الذي تلعبه لتأثيرها على مسير ومصير البلاد وهو رصيد جماهيري لا ينضب وفره حشاد لمنظمته تفتقده أكبر التنظيمات النقابية في العالم أن يتجاوب المواطن العادي مع مقررات المنظمة النقابية القائمة هي نقطة إيجابية تُحسب لحشاد والرواد الأوّل للإتحاد الذين جعلوا من المنظمة عبر تاريخ تونس الحديث جزاء من الحل الذي لا عنا عنه و ما كان الإتحاد أبدا جزاء من المشكلة ولا عبأ على أحد بل العكس هو الصحيح ذاك هو الإتحاد العام التونسي للشغل بمبادئه وقيمه وأخلاقياته وسلوكياته الجماعية التي أسس لها رواده وتوارثتها الإجيال المتعاقبة على هذا الصرح العظيم تلك هي القوة الخفية الكامنة في أعماق نفوس النقابيين زارعة بداخلهم بأن الأزمنة متغيرة و الأمزجة متقلبة من عصر إلى عصر وأن المشاعر قابلة للإختلاط والنفوس ميالة لأهوائها وإنتماءاتها الفكرية والإديولوجية إن ما حدث هذه الأيام بساحة محمد علي يوم 4 ديسمبر 2012 من تجاذبات بلغ حد التصادم بين النقابيين وبعض أنصار رابطة حماية الثورة التي ناديت ذات يوم عبر جريدة الشعب بضرورة إعادة النظر في أمرها أو حلها خاصة أمام ما حدث بتطاوين أعتقد أنه بعد واقعة ساحة محمد علي الأخير التي حفّتها تلك القوة العاتية التي تحدثت عليها وهي ذاتها التي دفعت الجميع داخل الطرف النقابي للإنحياز للوطن تماما مثل ما إنحاز له حشاد من قبل لكن يبقى عامل مراجعة بعض المسائل الداخلية بالمنظمة أمر ضروري بعد ما صاحب قرار الإضراب العام من تباين في الآراء و المواقف منه.