ليت الفتى حجر! ليت لحشاد الماجد عينا لترى كيف «أسْلمنَا أعداؤُنا إلى إخواننا» فسالت دماء ابنائه في مقرّ المركزية النّقابية ليت لحشاد عينا لترى كيف أثمُوا في حق الاتحاد ثم جاؤوا بدم كذب وافتروا وعاندوا وساندوا وبرّروا! ولكن رفرفي يا روح حشاد محفوفة بأرواح أسراب من المناضلين، منهم من أنفق العمر في بناء صرح الاتحاد العام التونسي للشغل ثم عاد إلى ربّه راضيا مرضيا، ومنهم من لا يزال ينفق ما تبقى في رحلة العمر، رفرفي محفوفة بأرواح الشهداء ابتداء بمحمد علي الحامي وانتهاء بك يا حشاد يا من أحببت شعبك كما لم يحبّه احد، يا من لم تُغْرِكَ السّلطة حين كان الظرف يسمح بذلك. هل تعلم ما معلّمنا أنّ الاتحاد لا يزال على دربك؟ لقد احتضن ثورة القرن الحادي والعشرين حتّى دُكّت الأركان وفرّ الجبان، ولم يفكّر مع ذلك في اي من القصرين: لا قصر الحكومة ولا قصر قرطاج! كان همّه ان يقرّر الشعب مصيره بنفسه وأن تنطلق مرحلة جديدة في تونس التي أحببت، مرحلة عنوانها الحرّية والكرامة والديمقراطية وقد حرص على استحقاقات الثورة منذ 2011 في حالة من النضج والوعي الفريدين: ألم يُطلق الاتحاد المبادرة الوطنية حتّى يجمع الأطياف جميعًا في خيمة الوفاق الوطنيّ؟ من رفض الاستجابة؟ هكذا يواجه أداء الاتحاد العام التونسي للشغل بأحسن مثال على أسوإ أداء حكومي وحزبي! هل جزاء الاحسان إلاّ الاحسان؟ الجواب المعهود عن هذا السؤال ليس مضمونا إنهم يبغونها عوجا! يوسع الاتحاد الآفاق وهم يضيّقون لأن الحسابات ضيّقة الاتحاد ليس طالب سلطة، هَمُّ الاتحاد أكبر من السلطة السياسية التي لا تعرف إلاّ التحوّل: همُّ الاتحاد هو البلاد والعباد: البلاد وطنًا والعباد مواطنين! والتاريخ وحده شاهد على هذه الغاية التي قام عليها الاتحاد الذي أنشأه محمدّ علي الحامي من أجل الدفاع عن العامل التونسي وحفظ كرامته في وطنه، ودفع من أجل ذلك حياته ثمنًا وقد خيّل إلى أعدائه انهم نفوه عن وطنه غير أن الوطن كان حالاًّ فيه وساكنا ومستقرا بعيدا عن المنال ولا أتصوّره في موته الا سعيدًا، مثله مثل حشّاد البهيّ في حياته كما في موته، ذلك الموت الذي تحدّى به من لم يجد غير أبسط الحلول وأبشعها: القتل! ولا غرابة في ذلك، فللهمجيّة صورة واحدة وللتحضّر صورٌ، للهمجية القبح وللتحضّر الضدّ الجميل! وقد كانت الصورة الارقى عام 1978 عندما هوجم الاتحاد من سدنة نظام استبدادي فاشل انفصمت عُراه عن شعبه وتعرّى من شرعية وطنيّة كان يستبدّ بها دون غيره في سياسة لا ديمقراطية ولا اجتماعية جارّا كل من خالفه الى غياهب السجون وقد صمد الاتحاد العام التونسي للشغل وكابد في احتضان الشغالين والمعارضة والشعب في دلالة على انّه صرحٌ قدّ من تصوّر للوطن ديمقراطي ومدني متفتّح وانساني مستندًا الى ارادة لا تلين في سبيل اخراج هذا «الوطن» من حيز القوّة الى حيّز الفعل وكان ما كان أيّام 12 13 14 ديسمبر 2010: جحافل الجماهير الشابة والكهول المثقلين بحُلم عتّقه الهرمُ في لحظة تاريخية لا أبهى ولا أرقّ ولا أجمل ايقاعًا: الشعب يريد اسقاط النّظام، Dégage، التشغيل استحقاق يا عصابة السّراق... من ينكر على الاتحاد هذا الفضل ويرفض الدّعوة الى مدّ الحلم الى منتهاه لن يجد بطبيعة الحال إلاّ القتل بيد مبتورة عن العقل، أمّا الاتحاد المتأصّل في التربة التونسية، المتجذّر في تاريخها فلسان حاله يردّد: «لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين، إنّي أريد ان تبوء بإثمي وإثمك..» (المائدة، الآيات 28، 29، 30)، وهو يعرف في الآن نفسه أنّ من لم يعتزّ بغير الشّعب ذلّ، هو درسُ التاريخ. اللّهم اشهد انّا بلغنا الرسالة ولسنا بأنبياء بل في الوطن شركاء ومناضلون يحبون الوطن ويحلمون كالشعراء.