اغتالوا شكري بلعيد لنا الدليل ولهم ما شاؤوا من التفاصيل شكرا لمن اغتاله وفجّر الحقيقة الدّامية دفعة واحدة ودلّنا علي دواوين العشق، عشق وطن لابدّ من جرح يضمّد الجرح بالجرح ليستريح الجرح على كفّ الفاجعة ويمضي في نفق يلاحق قبسا من نور يبدّد العتمة ويرسم خيط أمل شارد فريد من دبر تاريخ عنيد. شكرا بلعيد، سينظم فيك الشعراء جميل أناشيد العزاء، ويتدبّرون في غفلة من الزمن مشاريع مراث تائهة بين حزن جميل وفرح دفين. شكرا بلعيد، دلّلت أعداءك على أرقى اشكال الانفصال عمّا بينهم وبين تونس من غريب الانفصال. ألهمت رفاقك ألما عظيما به يرتقون أحزانهم ويتعالون على مآسيهم انتظارا لفرح ملغوم من براثن حزن معلوم طوبى لرفاقك فمن عشقك الدرامي ومن نهايتك المأساوية سيتعلّمون كيف يتسامى «الحقد» الانسانيّ على الحقد الحيوانيّ. شكرا بلعيد، كنت رفيقا فبتَّ الرّفيق وكنتَ مجرّد صديق فبتَّ الصديق رسمت بالدّم القاني عشقا يفنى الزّمانُ والحبّ ليس بفانٍ وما قتلوه، وماصلبوه، لقد شُبّه لهم. ألم نرَ الشهيد يعانق الشهيد، يتصدّر الجنازة يمشي، يسرع بخطى ويمشّي واثق الخطوة يمشي، يعتلي الوجوم الرّفاق، يلبس الحزن الرّفاق يترجّل الشهيد، يتلو علينا بنود الوصيّة: وراء كلّ حلم عظيم ألم عظيم فناموا، ناموا آمنين كلّما حلم هوى نزّ الجرح دما وبكى عانق الجرحُ الجرح وشدَا: لا تصالح لو قيل ما قيل عن مآثر التّسامح. يا صديق الشهيد تأسَّ. تصبّرْ تجلّدْ تألّمْ اندثرْ انفجرْ سَ .. ستنتصر ويتلو الشهيد اعترافا عجيبا: شكرا لقاتلي كم كان بي رحيما لم يُتحْ لي مهلة التفكير وفسحة التّدبير أراحني من عناء التّفاوض في امكانية التصالح مع منْ ليس يصالح في ما ليس فيه تصالح في لحظة هي الدّهر هجم علينا الحزن داهمنا ليل ألْيلُ حاصرتنا الكآبة ركبنا الشعور باليتم في لحظة كخطف البرق أطلّت علينا أهلّة أمّهات الشهداء (تونسفلسطين العراق...) حملت علينا ثيقل اللّحظة ووزر المصاب لبسنا الخجل انطلقنا نغنّي: أيها الشهيد لا تنسَ الوصيّة: سلّم على الرّفاق لم يترك لنا الأعداء ما عليه نساوم إذن سنقاوم وسنراكم في زنقة ما، في منعرج ما، في ساحة ما، في خيمة ما. فإلى اللّقاء في موعد مهما زاد ابتعادا زاد اقترابا.