في اليوم العالمي للمرأة تطرح قضية المنزلة التي تحتلها النساء وهي تختلف من مجتمع إلى آخر, وإذا حازت المرأة في المجتمعات الغربية مكانة متساوية مع الرجل لا رجوع فيها, فإنها ما زالت محل تجاذبات في المجتمعات العربية الإسلامية ومنها المجتمع التونسي. وكان من المفروض أن هذه المسألة قد أصبحت طي التاريخ, اعتبارا للتطوّر الشامل الذي شهده المجتمع التونسي منذ الثلاثينات من القرن الماضي عندما احتدّ الخلاف بين الفقهاء وبين المحافظين المتشدّدين والمجدّدين المستنيرين من بينهم الطاهر الحدّاد الذي اتّهم بالزندقة لمجرّد انحيازه إلى المرأة, وباعتبارها كائنا مجتمعيا تشملها سائر الحقوق التي يستمتّع بها الرجل, لا أن تبقى مجرّد كتلة آدمية لا وظيفة اجتماعية لها سوى الإنجاب والبقاء طيلة حياتها حبيسة الجدران من بيت العائلة إلى بيت «الطاعة». ثارت ثائرة المتزمتين على الحدّاد فكفّروه وهم الذين لم يكونوا يرون سوى كونها عورة وهم في الواقع كانوا يتعسّفون على الدين الإسلامي الحنيف الذي كرّم المرأة من موضع في كتاب الله العزيز, فكانت المرأة في صدر الإسلام تتمتّع بحرّيتها التي حرمت منها فيما بعد في قرون الانحطاط والاستبداد الفكري والعقائدي باسم الدين. وكانت تونس سبّاقة عندما سنّت مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956 رغم المعارضة الشديدة التي أبداها بعض المشايخ. وبمرور الوقت أصبحت حرّية المرأة والمساواة مع الرجل من تحصيل الحاصل. وصارت المرأة شريكا فعليا للرجل في الحياة العامة دون أن تتخلى عن التزاماتها العائلية وهو ما نلمسه إلى اليوم, فأثبتت المرأة التونسية جدارتها بالحرّية ونجحت في أن تكون في مستوى جميع المسؤوليات الوظيفية مثلها مثل الرجل من المرأة الوزيرة إلى قائدة الطائرة والطبيبة والعالمة والمهندسة ورئيس أعمال وفلاحة. كما نجحت في أن تفرض نفسها كربّة بيت مسؤولة وناجحة في تربية الأبناء والسهر على شؤون العائلة, وهي تستحق بكل تأكيد وعن جدارة أن نصفها بالمرأة المناضلة على جميع الجبهات. وحدهم الظلاميون ما زالوا يجترّون المقولات البالية من نوع أن المرأة عورة ويا ليتهم يسترون عورات جهلهم بأن المرأة ليست عورة وإنما عنوان الحياة داتها, هي دفء العائلة وهي الأم الحنون والزوجة الشريكة المسؤولة على قدم المساواة مع شريك حياتها, وهي المؤتمنة في الوظائف المناطة بعهدتها وهي لهذه العوامل تستحق التكريم وتستحق بالخصوص أن ينظر إليها نظرة سامية كقيمة عليا في المجتمع, لا مجرّد أنثى ومصدر شهوة حيوانية. دعاة قبر المرأة بحجبها ودعوتها إلى ملازمة البيت هم بلا شك خارج الزمان والتاريخ, وهم يرتكبون في حقّها إثما بل جرما يأتم معنى الكلمة. ويكفي الرجوع إلى الآيات البيّنات التي يزخر بها القرآن الكريم وكذلك أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لتتبين المكانة الرفيعة التي تحظى بها المرأة خلافا لما يروّج له تجّار الدين من المشعوذين الذين يبدو وكأن لا مشكلة لهم إلاّ مع المرأة والأخطر أنهم يريدون حصر مشاكل المجتمع وقضاياه في المرأة «الشيطان», ونستحضر هنا أقوال أولائك الدعاة البؤساء الذين جيء بهم إلى تونس لنشر فتاويهم الغريبة الغبيّة والتي أثارت سخرية التونسيين والتونسيات, تماما مثلما أثارت فتوى احد المشايخ «المحليين» الذي ذهب إلى حدّ النصح بتزويج البنت في سنّ التاسعة, وقد أثارت هذه الفترة الشفقة الممزوجة بالامتعاض لدى التونسيين. إن الذين يريدون العودة بتونس إلى عهد الجاهلية, إنّما هم يسبحون ضدّ التيّار لأن العب التونسي المتعلم والمستنير محصّن بما فيه الكفاية ضدّ قوى الجذب إلى الوراء, والمرأة التونسية بصفة خاصة أثبتت أنها في طليعة القوى الحيّة, وهي التي كانت لها مساهمة فعالة في ثورة 14 جانفي 2011, وهي اليوم في الصفوف الأمامية دفاعا عن مبادئ الثورة وأهدافها وهي الحرّية والكرامة, و.