آ خر المستجدات التي يعيش المشهد السياسي التونسي على إيقاعها، مؤخرا، هو تقرير دائرة المحاسبات الذي تضمن الإشارة إلى مجموعة من الإخلالات بالتصرف المالي للهيئة السابقة للانتخابات وتحميل رئيسها السابق، كمال الجندوبي،المسؤولية. وكانت الهيئة المستقلة للانتخابات موضوعاً للتجاذب السياسي بين الترويكا والمعارضة، إذ تم التخلي عن فكرة التجديد للهيئة السابقة بضغط من حركة النهضة التي نجحت في تمرير مشروع جديد يقضي بانتخاب تسعة أعضاء للهيئة الجديدة بالغالبية المطلقة داخل المجلس التأسيسي، وهو ما يعني أن من ستوافق عليهم الترويكا الحاكمة هم من سيديرون هيئة الانتخابات. وينضاف إلى ذلك اعتراض المحكمة الإدارية أخيراً على السلم التقييمي الذي اعتمده المجلس التأسيسي في اختيار المرشحين بعد اعتراض عدد من الذين تم رفض ترشحاتهم، وهو ما سبّب أزمة جديدة في جدول عمل المجلس، وبالتالي استحالة تنظيم الانتخابات خلال العام الجاري. أزمة هيئة الانتخابات المرشحة تتزامن مع أزمة الدستور، إذ إن مسودة الدستور تواجه اعتراضات في بعض فصولها، وخاصة مبدأ حرية الإضراب والضمير ورفض كتلة النهضة التنصيص على «كونية حقوق الإنسان» وتمسكها ب«ثوابت الإسلام»، وأمام تشعب الامور فان السؤال المطروح يتعلق باسباب التشكيك في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومدى صحة فرضية تزوير الانتخابات المقبلة سيما في ظل تجاذبات المشهد السياسي العام في تونس ومع تصاعد حدة العنف السياسي؟ جريدة الشعب توجهت بالسؤال الى السيد انور بلحسن امين مال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و«عبد الجواد الحرازي» العضو السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات (فرع تونس) وبعض الفاعلين في الساحة السياسية فكانت آراؤهم التالية: سنصل الى وضع كارثي قال انور بلحسن امين مال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن هناك محاولات لتدمير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مشيرا الى ان التشكيك في مصداقية الهيئة يجب أن يكون مرفوقا بحجج وبراهين واقعية. وافاد ان التقرير الصادر عن دائرة المحااسبات يحمل الكثير من المغالطات وطالب بتقديم توضيحات تنير الرأي العام وأضاف ان الهيئة السابقة للانتخابات تعاملت مع اكثر من 200 مزود ولم يتقدم أي منهم بشكوى في الغرض مشيرا الى أنه تم التعامل معنا بمنطق السراق على حد تعبيره وقال انه مستاء من كل هذه المغالطات. وحول فرضية تزوير الانتخابات المقبلة افاد ان عدم اعتماد الشفافية والحياد و النزاهة ستفضي حتما الى هذه الفرضية وسنصل الى وضع كارثي مشيرا الى أن الانتخابات القادمة صعبة ويجب التحضير لها مسبقا ونفى وقوع أي «سوء تصرّف مالي أو إدارى» أثناء تنظيم انتخابات المجلس الوطنى التأسيسى، وأقر بوجود «نقائص غير متعمدة» فى عمل الهيئة بسبب ضغط الوقت والإمكانيات. وانتقد تقرير «دائرة المحاسبات التونسية حول الرقابة على العمليات المالية»، الذى تم عرضه على وسائل الإعلام، نافيا أن تكون هناك «أي إخلالات مالية أو إدارية». وقال «إنه كان من الأولى على هيئة الرقابة أن تأخذ بعين الاعتبار أن ظروف عمل هيئة الانتخابات لم يكن فى ظروف عادية، وهو ما يقضي استثناءها من الإجراءات التى تطبق على باقى الهيئات العمومية الرسمية». وأقرّ بوجود بعض النقائص فى عمل الهيئة غير المتعمّدة (أخطاء بشرية)، والتى كانت بسبب ضغط الوقت ومحدودية الإمكانيات، إضافة إلى كونها التجربة الأولى التى تنظم انتخابات شفافة فى تونس تحت إشراف هيئة مستقلّة. الغاية إنجاح الانتخابات من جهته قال «عبد الجواد الحرازي» العضو السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات (فرع تونس) ان الهيئة كانت مطالبة بتحقيق نتائج وليس ببذل عناية مشيرا الى أن حملة التشكيك كانت قد انطلقت منذ شهر نوفمبر. وأفاد ان تقرير دائرة المحاسبات يجب ان يؤخذ في اطاره لا ان يقتطع منه اجزاء وتصبح هي المرجع والدليل على سوء التصرف وأكّد أن تجربة الانتخابات كانت ناجحة ونزيهة بشهادة الجميع على المستوى الوطنى والدولى. وأضاف قائلا لابد ان تؤخذ المسالة في زمنها وفي اطارها لأنه لم يقع بعد تحميل المسؤليات و لا تحسب الاخطاء على عاتق الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات بل هناك اطراف متداخلة مثل معهد الاحصاء ووزارة التربية (الحواسيب) وختم ان الغاية كانت إنجاح الانتخابات وليس البحث عن اقل التكاليف. وللاشارة كان تقرير دائرة المحاسبات، قد كشف عن وقوع عديد الإخلالات فى عمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبيل «الجمع بين وظائف مختلفة وعدم اعتماد إجراءات تضمن الشفافية وتكافؤ الفرص». كما كشف التقرير، أنّ «مشرفى هيئة الانتخابات خالفوا القانون بعدم تعيين مدير تنفيذى يدير عمليات الجهاز الإدارى والمالي والفنّي وعدم تعيين خبير محاسب ضمن الفريق المكلّف بالرقابة الداخلية» على عمليات الهيئة. يجب أن نتجنّد معا لمراقبة الانتخابات ولفرض حدّ أدنى من الشفافية والنّزاهة «لن نسمح بتكرار الانفلات النّرجسيّ الذي أدّى إلى كارثة صعود حزب إيديولوجيّ إلى الحكم». إذا أصرّت الجبهة الشّعبيّة على التّقدّم بمفردها إلى الانتخابات القادمة، وإذا ساهم ذلك في انتصار الإسلاميين مجدّدا، فسنحمّل قياديّيها مسؤوليّة المساهمة في خراب تونس. كفانا أنانيّة وأوهام غلبة. نداء تونس تفوّق على حزب النهضة في سبر الرأي الأخيرة. هذا مؤشّر جيّد ولكنّه غير كاف. إذا ضخّت بعض الأطراف الخارجيّة قطر وأمريكا لهذا الحزب مرّة أخرى بالانتخابات التونسيّة أموالا طائلة فيمكن أن يشتري أصوات النّاس لأنّ الإسلاميين لا يؤمنون بالأخلاق إلاّ في مجال الحياة الجنسيّة. يجب أن نتجنّد معا لمراقبة الانتخابات ولفرض حدّ أدنى من الشفافية والنّزاهة «هكذا اختارت ان تعبر الباحثة رجاء بن سلامة عن موقفها من هذه المسالة عبر موقع التواصل الاجتماعي اما سمير بالطيب فقد عبر في قناة «التونسية» عن خشيته من عدم تنظيم انتخابات. وتساءل هل هناك انتخابات مقبلة أم لا وما سيحدث فيها. مؤكدا على ضرورة توفير شروط معينة لقيام انتخابات منها نبذ العنف بصفة نهائية ووضع ميثاق بين جميع الأطراف السياسية حول احترام مبادئ اللعبة السياسية وعدم السعي الى تزوير ارادة الناخب وإرادة الشعب بإغراق الانتخابات بالمال الفاسد والمشبوه وضرورة ضمان مكانة مؤسساتية للمعارضة مقابل وجود مؤسسات للحكومة. وقال إن التزوير وارد وهنا دور الهيئة العليا للانتخابات سيكون اساسيا وتاريخيا لضمان انتخابات نزيهة ولا بد ايضا من التوافق حول قانون انتخابي وتمويل عمومي للحملات الانتخابية واستغرب من الهجمة الشرسة التي تنظمها حركة «النهضة» على الجندوبي الذي اشرف على انتخابات فازت فيها هي بالحكم و مقاصد هذه الحملة معتبرا انها محاولة أو رغبة من «النهضة»، في إثناء الجندوبي عن الترشح للهيئة المقبلة بعد ان تم ترشيحه من «الترويكا» وهذا يخفي اشياء غير محمودة في الانتخابات المقبلة ومن جهته اعتبر النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن التحالف الديمقراطي محمود البارودي ان رفض كمال الجندوبي ترؤس هيئة الانتخابات لا يمكن ضمان انتخابات حرة ونزيهة في الانتخابات المقبلة مشيرا الى ان فرضية تزوير الانتخابات المقبلة قائمة في ظل تنصيب ولاة ومعتمدين ينتمون الى حزب النهضة كما ان كل الجهات المقربة من حركة النهضة ستسعى جاهدة الى تسخير كل امكانياتها من اجل الفوز في الا نتخابات المقبلة مشيرا الى ان الاتجاه في هذا المسار امر خطير جدا ويهدد المسار الانتخابي.