مثلما اندلعت الشرارة الأولى للثورة من سيدي بوزيد فقد ضخّت هذه الجهة كفاءات سياسية ونقابية وثقافية، غذت هذه المقولة وزادت في زخمها وتوهجها. ومن بين هذه الوجوه النقابية الأخ جمال الهاني الكاتب العام الحالي للنقابة العامة للقيمين والقيمين العامين الذي نستضيفه في هذا الحوار لنلامس من خلاله مشاغل القطاع وتطلّعاته وراهن المناطق الداخلية التي ازدادت درجة تهميشها واقصائها إن على الصعيد التنموي الشامل أو على صعيد التمثيلية السياسية في الحكم وهياكل الدولة. انطلقت السنة الدراسية الجديدة وسط أجواء من الفوضى العارمة، إن على صعيد نقص الاطار التربوي أو على صعيد اهتراء البنى الأساسية للمؤسسات التربوية، فما هو حال القيمين والقيمين العامين؟ انطلقت السنة الدراسية الجديدة متميّزة بنقص فادح في صفوف القيمين والقيمين العامين بلغ 250 مؤسسة بلا قيم عام وهناك عدد لا بأس به من المؤسسات بلا قيمين ولا مدراء. ورغم انتداب أكثر من 300 مدير جديد، فقد التحقوا بالمؤسسات التربوية دون أن يشاركوا في الاعداد المادي أو الاداري لهذه العودة المدرسية. لاشك أنّ للقيمين والقيمين العامين بالغ الدور في المنظومة التربوية ولاسيما من جانب الاحاطة الاجتماعية للتلاميذ، كيف تشخّص وضع القطاع في ظلّ الانفلات واجتياح مظاهر العنف داخل المعاهد الثانوية؟ القطاع تأثّر أيّما تأثير بالوضع العام في البلاد المتسّم بالفوضى والانفلات والعنف، فلا يوجد باعتقادي قطاع بصدد القيام بدوره على الوجه الأكمل. وفي ظلّ الغياب شبه الكلّي للولي فإنّ الاحاطة بالتلميذ داخل المؤسسة غير كافية ولاسيما بعد الثورة. لعقود طويلة ظلّ القيمون والقيمون العامون شماعة المشاكل والتجاوزات التي تقع داخل المؤسسات التربوية وذلك رغم وضعهم المادي المتردّي كيف عالجت النقابة العامة ثنائية الألم التي يعيشها أهل القطاع؟ نسعى بكل جهودنا لتحسين أوضاع القطاع وقد قطعنا أشواطا لا بأس بها ولعلّ الاتفاقيات التي أبرمناها مع سلط الاشراف تعدّ حسب الخبراء من أفضل الاتفاقيات المبرمة على الاطلاق وقد توفقنا في فتح آفاق جديدة للترقيات ورتب جديدة أيضا، كما توفقنا في إلغاء صنف «ب» في القطاع، حيث شدّدنا في شروط الانتداب على شهادة المرحلة الأولى أو الاجازة بما ساهم في تحسين المستوى العلمي للقطاع. لكن في المقابل لا نزال نواجه نقصا فادحا في القيمين والقيمين العامين حيث تبدو الحاجة اليوم أكيدة إلى نحو 10 آلاف قيم حسب القاعدة العددية. لئن تميّزت تركيبة النقابة العامة ببروز وجوه شابة وضخ دماء جديدة إلاّ أنّها باتت تواجه مصاعب جمة في نضالاتها اليومية بحكم تواجد أغلب أعضائها بالجهات الدّاخلية، فكيف ستعالجون هذه التحديات؟ من المنتظر أن تسوّى هذه الوضعية في القريب العاجل وذلك من خلال حركة النقل التي لا تزال على مكتب السيد وزير التربية. فأغلب أعضاء النقابة العامة هم من القيمين العامين والذين تستدعي حركة نُقلتهم حركة وطنية أو وظيف اداري. زد على ذلك، فإنّ النقابة العامة اليوم لا تتمتّع بحق التفرّغ لبعض أعضائها القياديين. في وقت يرتفع فيه صوت بقيّة مكوّنات المنظومة التربوية من أساتذة ومعلّمين نلاحظ صمتا مطبقا لدى القيمين والقيمين العامين، فهل من مبرّر لهذا الصمت؟ هذا لا يُعدّ صمتا مقابل ما حققناه من مكاسب يصعب في حقيقة الأمر على قطاعات أخرى تحقيقها، ولم يبق لنا غير بعض البنود في القانون الأساسي المنظم للمهنة. من هناك خطأ يتعلق بنظام التأجير للقيمين العامين سيقع تفاديه بعد جلسات تعقد مع وزارتي التربية والمالية و الوزارة الأولى، وأنا على يقين أنّ هذه الاشكالية الوحيدة ستجد طريقها الى الحلّ خلال الفترة القليلة القادمة. من القطاعات الاخذة في التأنيث قطاع التعليم ان على صعيد التلاميذ أو على صعيد الاطار التربوي، بماذا تفسّر عدم وصول عدد من النساء إلى قيادة القطاعات بما فيها قطاع القيمين؟ تعلّمنا الممارسة الديمقراطية داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، فالترشحات مفتوحة للاناث والذكور، ويبقى الفيصل نتائج الصندوق، وحتى مبدأ التمثيل النسبي نرفضه مادام نيل ثقة الناخبين يعكس الكفاءة والجدارة. ورغم أنّ ثلثي القطاع ممثل بالنساء فإنّ العمل النقابي هو عمل ميداني بامتياز. ما الذي قدّمه قطاع القيمين والقيمين العامين لهذا الحراك النقابي ولاسيما فيما يتعلّق بمبادرة الرباعي الرّاعي للحوار؟ نحن ملتزمون ومنضبطون لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل. هناك من يقول انّ الاتحاد العام التونسي للشغل قد غرق من شعر رأسه إلى أخمس قدمية في السياسة وأهمل رسالته الاجتماعية واهتمامه بالطبقة الشغيلة، فما ردّك على هذا الموقف؟ إنّ الشأن السياسي، هو شأن يومي لا غنى عنه والبلاد في حاجة دائما للاتحاد العام التونسي للشغل، فمثلما أنقذها في العديد من المحطّات والتمفصلات التاريخية، فإنّه يسعى جاهدًا لانقاذها. ونحن كقطاع لنا ثقة كبيرة في قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وبالمحصلة، فإنّ السياسة هي عبارة عن أكسجين يتنفسه الجميع، ولا فصل بين السياسة والاجتماعي، وكلّما كانت الأجواء السياسية نقية كلّما وجدت بقية الحقول طريقها نحو ديناميكية طبيعية. والمفاوضات الاجتماعية هي مفاوضات سياسية بامتياز على اعتبار أنّ الطرف الذي نتفاوض معه هو طرف سياسي واضح. على ذكر السياسة، فإنّ المشهد اليوم قد انقسم إلى ثلاثة أقطاب حركة النهضة، ونداء تونس والجبهة الشعبية، فأيّ من هذه الأطراف تراها قادرة على قيادة البلاد نحو المنشود الجماعي المشترك؟ لا يمكن لأي طرف لوحده تأمين المرحلة الرّاهنة وقيادة البلاد إلى ما اسميته بالمنشود الجماعي المشترك. وفي تصوّري تبقى جبهة الانقاذ هي المؤهلة أكثر من غيرها لهذه المهمّة التاريخية ان توفّرت النيّة والارادة الصادقتين. لئن انطلقت الشرارة الأولى للثورة من سيدي بوزيد، فإنّ هذه الجهة لم تتوقف عن دفع الفواتير الباهظة ولعلّ آخرها استشهاد الحاج محمد البراهمي، فأين يكمن الخلل هل في البنى الذهنية لسكان سيدي بوزيد أم في الأداء الحكومي؟ الأكيد أنّ سيدي بوزيد لم تتوقف عن دفع الفواتير، لأنّ حركة النهضة لم تنجح ولن تنجح في سيدي بوزيد فهي غير قادرة على استمالة المجتمع الانتخابي في هذه الربوع، وبالمحصلة فإنّ الخلل يكمن في الأداء الحكومي. وأقول مؤكدًا أنّ الحراك الثوري في سيدي بوزيد لن يتوقّف لأنّ دم الشهيد الحاج محمد البراهمي غال على كلّ أهاليه. ما لم أفهمه شخصيا هو كيف انطلقت الثورة من مدينة تعدّ الأكثر تمثيلا للتجمّع المنحل حيث يفوق عدد الشعب 900 شعبة فكيف تفسّر هذه المفارقة؟ الانخراط الحزبي في سيدي بوزيد لا يتعدّى الانخراط الكرتوني، فلو كان هذا الرقم مبنيا على قناعة ومبادئ، لكان قادرا على حماية النظام من السقوط والتداعي. ولعلمك، فهناك قيادات نهضوية كانت منخرطة وناشطة صلب هياكل التجمع الدستوري. متى سنتشرّف بوجود رئيس الدولة أو رئيس الحكومة من سيدي بوزيد أو من القصرين باعتبارهما ينابيع الثورة وقلعتي النضال؟ لا يمكن تحقيق التنمنية الشاملة والعادلة الاّ متى وصل أهل هذه المدن الدّاخلية إلى الهياكل العليا والمؤسسات الكبيرة للدولة، خاصّة وأنّ هذه الجهات تزخر بالكفاءات العالية. فلا تنمية بدون مسؤولية. وعندما تتحصّل على استحقاقك في السلطة تتحقّق أهدافك في التنمية والدليل على ذلك لا يوجد وزيرً واحدً في حكومة الترويكا من سيدي بوزيد. اذن نفهم من كلامك انّ النهضة على وجه الخصوص والترويكا على وجه العموم منتهية فعليا داخل سيدي بوزيد؟ داخل سيدي بوزيد لاحظ للنهضة وللترويكا بالمرّة عدا انّها ستلجأ إلى التدليس أمّا في بقيّة الجهات، فإنّ المؤشرات تبرز تراجع توهّج النهضة الذي أوقدته أطراف خارجية. إنّ الثورة الحقيقية انطلقت يوم 17 ديسمبر واستمرّت الى 14 جانفي، وبعد هذين التاريخين اعتبره التفافًا على الثورة. لماذا لم تتوحّد أشكال النضال وأساليب الدفاع عن مطالب سيدي بوزيدوالقصرين وقفصة على الأقل في شكل أقاليم توحد المطالب وتعبئ الرأي العام وتكون أكثر تأثيرا في مجرى الأحداث التي ميّزها الالتفاف على الثورة كما تقول؟ من سوء الحظ أنّ مطالب الجماهير وقوى الثورة الحقيقية ظلّت موزّعة بين الجهات. لقد اغرقوا البلاد بقنابل موقوتة ارتبطت بالحضائر وتنمية فائض البطالة، وأتوقّع أن تنفجر هذه القنابل الموقوتة في وجوه زارعيها.