نلاحظ ان ظاهرة الاشهار الكاذب آخذة في النمو بصفة خطيرة من خلال اللوحات المثبّتة بشكل عشوائي على الجدران والاسطح ملحقة اضرارا جسيمة بالنظام العام الرونقي وبالتالي بجمالية المدينة وكذلك من خلال الاعلانات الاشهارية بمختلف الوسائل اذ عادة ما لا يتم التأكد من اهلية المعلنين ناهيك ان احدى النشريات تضمنت ضمن صحفتها الاولى بندا يعفيها من اية مسؤولية بخصوص محتوى الاعلانات التي تقوم بنشرها في المجال القانوني وهذا يشكل خرقا للقانون الجاري به العمل ويجعل هذا البند ملغى. ان اللوحات المثبتة على الجدران عادة ما تتضمن تنصيصات تدل على مباشرة اصحابها لانشطة منظمة بطريقة غير قانونية مثلما هو الشأن بالنسبة للوحة الموجودة بنهج الجزيرة تونس والمتضمنة للتنصيصات التالية: دراسات واستشارات قانونية وخدمات ادارية وعقارية واستخلاص الدين والنزاعات الجبائية وتحرير الشكاوى والقيام بالاجراءات والتصرف الفلاحي والتفتيش عن المياه. يتضح من خلال هذه اللوحة الاشهارية ان صاحبها يباشر مهام مستشار جبائي ومحامي ووكيل عقاري ومؤسسة استخلاص ديون ومؤسسة تصرف فلاحي وتفتيش عن المياه وهنا لا يسعنا الا ان نتساءل عن الخيط الرابط بين هذه الانشطة التي تنظمها قوانين مختلفة. هل حصل صاحب هذه اللوحة على ترخيص من وزارة المالية لمباشرة نشاط استخلاص الديون طبقا للفصل 4 من القانون عدد 4 لسنة 1998؟ هل حصل على ترخيص لمباشرة مهام المستشار الجبائي؟ هل حصل على ترخيص لمباشرة مهام وكيل عقاري؟ هل قام بالترسيم لدى الهيئة الوطنية للمحامين لكي يحرر العرائض والشكاوى ويقوم بالاجراءات؟ هل قام صاحب اللوحة بالتصريح لدى ادارة الجباية قصد مباشرة هذه الانشطة المنظمة بقوانين؟ كيف يمكن لمستهلكي الخدمات ان يتأكدوا من اهلية صاحب هذه اللوحة؟ من هي الجهة الادارية التي يمكن ان يراجعها المستهلك لكي يتثبت من اهليّة صاحب اللوحة خاصة في ظل غياب سجل خاص بالمهن ذات الطابع الفكري يمكن الاطلاع عليه من خلال شبكة الانترنات؟ كيف يتم قبول صاحب اللوحة لدى مختلف الادارات اذا كان عديم الصفة؟ فإذا كان صاحب اللوحة بصدد مباشرة انشطة مخالفة للنشاط المصرّح به لدى ادارة الجباية، فلماذا لم تعمل الجهات المعنية على تفعيل مقتضيات الفقرة 4 من الفصل 39 مكرّر من قانون المنافسة والاسعار؟ اما اذا كان عديم الصفة فلماذا لم تعمل الجهات المعنية على تفعيل الفصل 11 من قانون حماية المستهلك المتعلق بمخادعة المستهلك حول العناصر الجوهرية للخدمة والفصل 12 من نفس القانون المتعلق بعرض خدمات بطريقة غير مطابقة للتراتيب الجاري بها العمل والفصل 13 من نفس القانون المتعلق بعمليات الاشهار التي من شأنها ان توقع المستهلك في الخطأ حول هوية اوصفة او كفاءة المعلن؟. هذه الفوضى التي الحقت اضرارا جسيمة بالمهنيين ومستهلكي خدماتهم ومحيط الاستثمار ناجمة أساسا عن عدم وجود اطار قانوني يتعلق بكيفية استعمال اللوحات الاشهارية حفاظا على جمالية المدينة وبمسؤولية الاطراف المتدخلة في العمليات الاشهارية بمختلف الوسائل وعن عدم تفعيل مقتضيات قانون حماية المستهلك وقانون المنافسة والاسعار وغير ذلك من القوانين! فالمهنيون المتضررون من الاشهار الكاذب يتذمرون من عدم استجابة المؤسسات الاشهارية ومصالح حماية المستهلك والمراقبة الاقتصادية لشكواهم باعتبار ان هذه الاعمال تحول دون مباشرتهم لنشاطهم وتضرّ بسمعة مهنهم وبالمستهلكين علما بان عدم تفعيل الالية الزجرية المنصوص عليها بالقوانين الاقتصادية من شأنه تشجيع المخالفين على التمادي في اعمالهم حيث ان تتبعهم امام المحاكم العدلية يتطلب امكانية كبيرة. فهل آن الاون لتطهير المهن وتأهيلها وحمايتها ووضع تصنيفتها حفاظا على حقوق المستهلك واستعدادا لطوفان التحرير؟ واجهت غرفتنا صعوبات كبيرة حين ارادت ان تضع حدا للاشهار الكاذب الذي يقوم به احد ممتهني المحاسبة ومدرس جامعي منتحلين لصفة مستشار جبائي تحت غطاء شركة تكوين من خلال أحد المنشورات الالكترونية التونسية من جراء عدم تفعيل القانون وغياب الرقابة فبعض المقتضيات الميتة وغير المفعلة المنصوص عليها ببعض القوانين الاقتصادية التي تجاوزها الزمن وبمجلة الالتزامات والعقود وبمجلة الصحافة لا تفي بالحاجة فاتحة الباب على مصراعيه لظاهرة الاشهار الكاذب عبر وسائل الاعلام الالكترونية التي لا يبذل مالكوها اي جهد يذكر للتأكد من اهلية المعلن وصفته على الرغم من انهم ينصصون ضمن العقود التي يوقعونها مع المعلنين على ان يكون الاشهار شرعيا. فالفصل 13 من القانون عدد 117 لسة 1992 متعلق بحماية المستهلك الذي تطرق بوضوح لمسألة الاشهار الكاذب ومغالطة المستهلك حول اهلية المعلن وصفته رفضت مصالح المراقبة الاقتصادية وحماية المستهلك تفعيله في مجال الخدمات ذات الطابع الفكري على الرغم من اننا مددنا تلك المصالح بكيفية تطبيقه من قبل المحاكم الفرنسية كما رفضت ايضا تطبيق مقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل 39 مكرر من القانون عدد 64 لسنة 1991 متعلق بالمنافسة والاسعار بخصوص الاشخاص الذين يباشرون نشاطا مخالفا للنشاط المصرح به لاسباب لم تصرح بها. فعرائضنا المرفوعة لدى هذه المصالح على أساس الفصول المشار اليها بخصوص اللوحات الاشهارية المثبتة على الجدران والاعلانات التي تدل على انتحال صفة مستشار جبائي بقيت دون رد الى حدّ الان ليفتح بذلك الباب على مصراعيه للفوضى والتحيل والتلبس بالالقاب والاشهار الكاذب حتى لفائدة جمعيات أجنبية لم تحصل على الترخيص المنصوص عليه بالفصل 17 من قانون الجمعيات هل يعقل ان تقوم يومية بالاشهار لفائدة جمعية ECTI وغيرها من الجمعيات الاجنبية للمتقاعدين التي تقوم بانشطة اقتصادية في خرق لكل القوانين الجبائية والاجتماعية والاقتصادية فضلا عن ان نشاطها دون الحصول على الترخيص القانوني يعد جنحة على معنى الفصل 22 من قانون الجمعيات. اما الفصل 87 من مجلةالالتزامات والعقود التي تجاوزها الزمن في مجال الاشهار الكاذب والمنافسة غير الشريفة واللاشرعية فان التقاضي على اساسه مكلف بالنظر لعدد المخالفين ولزهد المبالغ التي قد يتم التصريح بها بعنوان جبر الضرر في احسن الحالات ولثقل الاجراءات ولانعدام التقاليد في مجال جبر الضرر المعنوي الذي يرى البعض انه يصعب تقييمه. اما بعض المقتضيات الهزيلة الواردة بمجلة الصحافة فانها لاتشمل المنشورات الالكترونية فضلا عن ان العقوبات التي نصت عليها في مجال حق الرد من شأنها تشجيع مالكي وسائل الاشهار على التمادي في اعمالهم المنمية للفوضى ليصبح بذلك حق الرد غير مضمون. ان تفعيل مقتضيات الفصل 13 من قانون المستهلك «المستهْلك» والعمل على سن تشريع يأخذ بعين الاعتبار هذه النواقص الفادحة التي اضرت بمحيط الاستثمار وبالمهنيين وبالمستهلك وبالنظام العام الاقتصادي وذلك من خلال ضبط المسؤولية المدنية والجزائية لمالكي وسائل الاعلام الالكترونية وسن عقوبات بدنية ومالية صارمة من شأنها جعل هؤلاء يتصرفون كالاب المثالي ويبذلون كل العناية عند القيام بعملية اشهار ولا يلقون بالمسؤولية على المنتفع بالاشهار متعللين بعدم قدرتهم على التأكد من اهلية المعلن مثلما هو الشأن اليوم. هل يعقل ان تقوم مؤسسة مهنية بالاشهار لشخص يقدم نفسه للعموم كطبيب او كمستشار جبائي دون الاستظهار لديها بوثيقة رسمية تثبت ذلك؟