نصّ الفصل الأول من القانون عدد 154 لسنة 1959 مؤرخ في 7 نوفمبر 1959 متعلق بالجمعيات على أنّ الجمعية هي الاتفاقية التي يحصل بمقتضاها بين شخصين أو أكثر جمع معلوماتهم أو نشاطهم بصفة دائمة ولغايات دون الغايات المادية تغنم من ورائها الأرباح. خلافا لذلك دأب عدد من الجمعيات على الخروج عن أهدافها المصرح بها وعلى القانون المتعلق بالجمعيات لتنقض على أنشطة المؤسسات الاقتصادية في خرق واضح للتشريع الجاري به العمل دون رادع ملحقة أضرارا جسيمة بسوق الشغل وبالمهنيين وبالخزينة العامة وبالنظام العام الاقتصادي باعتبار أنّ الأنشطة الاقتصادية التي أصبحت تباشرها دون ضوابط تخل بقواعد المنافسة. الغريب في الأمر أنّ هذه الجمعيات لا تتورّع عن الاشهار لأنشطتها الاقتصادية من خلال الندوات التي تعقدها من حين لآخر وعبر شبكة الأنترنات والصحف والدوريات باعتبار أنّ الفصلين 11 و12 من القانون عدد 117 لسنة 1992 مؤرخ في 1992 متعلّق بحماية المستهلك بخصوص مغالطته حول العناصر الجوهرية للخدمة والفصل 13 من نفس القانون بخصوص الاشهار الكاذب والفقرة 4 من الفصل 39 مكرّر من القانون عدد 64 لسنة 1991 مؤرخ في 29 جويلية 1991 متعلق بالمنافسة والأسعار بخصوص مباشرة أي شخص لنشاط مخالف للنشاط المصرح به لا تجد تطبيقا رغم صيحات الفزع التي أطلقتها المهن المتضررة منذ سنوات دون أن تحرك الهياكل المعنية ساكنا. احدى هذه الجمعيات وهي غرفة تجارية تونسية أجنبية دأبت منذ عشرات السنين وكغيرها من الغرف والجمعيات على الاشهار لخدماتها من خلال دوريتها المتمثلة أساسا في تقديم الاستشارات القانونية وخدمات التوفيق في خرق واضح للفصل 2 من قانون المحاماة وانجاز الدراسات وتقديم خدمات التكوين والتأهيل والشراكة والتصرف في المشاريع والنشر والارشاد بخصوص المؤسسات والاشهار وتنظيم الندوات والمعارض وغير ذلك من الخدمات وقد حققت رقم معاملات يقدّر بملايين الدينارات دون دفع الأداء على القيمة المضافة. هذه الجمعيات لا تخضع لنفس الواجبات المحمولة على المؤسسات الاقتصادية حيث أنّها لا تقوم بفوترة الأداء على القيمة المضافة طبقا لمقتضيات الفصل الأول من مجلة الأداء على القيمة المضافة الذي نصّ على خضوع الخدمات المسداة من قبل تلك الجمعيات للأداء على القيمة المضافة مهما كانت أهدافها ونتائجها والحالة القانونية للأشخاص المنجزين لها ودون دفع الضريبة على الشركات التي تبقى مطالبة بدفعها طالما أنّها خرجت عن هدفها الاجتماعي كجمعية. فالعمليات التي تقوم بها تلك الجمعيات تصنف ضمن الخدمات المسداة من قبل المهن الحرّة والخدمات التجارية غير البيوعات وتخضع بالتالي للأداء على القيمة المضافة حسب النسب المشار إليها بالفصل 7 من مجلة الأداء على القيمة المضافة. المدهش أنّ هذه الجمعيات يصنفها البعض خطأ خارج مجال تطبيق الضريبة على الشركات بالنظر للغموض الذي يطبع الفصل 45 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات الذي لم ينص وللأسف الشديد على ضرورة اخضاع الجمعيات والمنظمات التي تباشر أنشطة اقتصادية للضريبة على الشركة بنسبة 30 على غرار شركات رؤوس الأموال مثلما فعل ذلك المشرع الفرنسي. فلقد بات من البديهي ادخال تحويرات على مقتضيات الفصل 45 من مجلة الضريبة على الشركات لكي يشمل هذا الصنف من الجمعيات وذلك بإضافة فقرة فرعية سادسة يكون نصّها كالتالي: «الجمعيات والمنظمات التي تباشر أنشطة اقتصادية». وتكمن خطورة هذه الظاهرة بالنسبة للخزينة العامة في امكانية أن يتم بعث جمعيات صيانة واعلامية واستشارة ودراسات وغير ذلك من الاختصاصات لتقوم بإسداء خدماتها لأعضائها بأثمان بخسة دون دفع المعاليم والضرائب المنصوص عليها بالتشريع الجباذي الجاري به العمل وهذا يشكّل نوعا من التوزيع للأرباح. فقد تفطّن المشرع الفرنسي منذ زمن بعيد لخطورة هذه الظاهرة على اثر تدخل مصالح المراقبة الجبائية حيث بادر باخضاع الجمعيات التي تتدخل في مجال المؤسسات الاقتصادية لكل المعاليم والضرائب. وأغرب من كل ذلك أنّ الفصل 34 من القانون عدد 10 لسنة 2008 مؤرخ في 11 فيفري 2008 يتعلّق بالتكوين لم يول أيّة أهمية لمشاغل المؤسسات التكوينية الخاصة حين سمح للمنظمات المهنية والجمعيات بإحداث مؤسسات للتكوين المهني لتباشر نشاطا اقتصاديا تنافسيا دون الخضوع لنفس الواجبات المحمولة على الخواص، علما بأنّه يمكن تدارك هذا الخطإ بإلزام الجمعيات والمنظمات ببعث مؤسسة تكوينية في شكل شركة رأس مال. لا ننسى أيضا أن نشير الى خطورة الأنشطة التي تقوم بها ببلادنا الجمعيات الأجنبية للمتقاعدين حيث دأبت على إسداء خدمات الاستشارة والدراسات والتركيب والصيانة والمساعدة الفنية وغير ذلك من الخدمات في خرق واضح للقانون المتعلق بمباشرة الأجانب لأنشطة اقتصادية ببلادنا وللقوانين المهنية ولقانون المنافسة والأسعار وللقانون الجبائي ولقانون الشغل وغير ذلك من القوانين. هذه الجمعيات تزعم أنّها تقدّم خدماتها مجانا مقابل تكفل المؤسسات المنتفعة بخدماتها بمصاريف التنقل والإقامة والنزهة والضيافة لأعضائها وبدفع مساهمة لفائدتها تتراوح بين 300 دينار و600 دينار بعنوان كل مهمة. فقد تمكّنت جمعية ECTI الفرنسية منذ انتصابها ببلادنا سنة 1982 على وجه غير قانوني من انجاز 1090 مهمة سنويا مثلما يتضح ذلك من خلال الاعلان الاشهاري الذي قامت به باحدى اليوميات الصادرة يوم 10 فيفري 2006 تتراوح مدّة كل واحدة منها بين أسبوعين وثلاثة أسابيع يتدخل خلالها عضو أو أكثر وباعتبار حجم الأنشطة التي تقوم بها بادرت بفتح حساب بنكي وبتعيين مندوب دائم لها ببلادنا دون التصريح بوجودها لدى وزارة الداخلية وهو مايعد جنحة حسب قانون الجمعيات وكذلك لدى ادارة الجباية كمنشأة قارة على معنى الفصلين 47 و56 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات وبالتالي دون دفع المعاليم والضرائب المنصوص عليها قانونا. انّ متقاعدي ECTI وغيرها من الجمعيات الأوروبية ينشطون في خرق لمقتضيات الفصول 258 وما بعد من مجلة الشغل المتعلقة بتشغيل الأجانب وكذلك مقتضيات الفصل 2 من القانون عدد 8 لسنة 87 الذي حجر عمل المتقاعدين. اللافت للنظر انّ هذه الجمعيات التي ليس لها وجود قانوني حصلت هي وغيرها من الجمعيات الأجنبية على ترخيص لفتح حسابات بنكية. إنّ المهمات التي ينجزها أعضاء الكنفدرالية الأوروبية المتكونة من 24 جمعية للمتقاعدين ببلادنا تقدر بعشرات ملايين الدينارات وتعطينا فكرة حول الأضرار التي ألحقها هؤلاء بجميع الأطراف باعتبار أنّ هذه الأنشطة من شأنها المساس باستمرارية ونمو وتطور مؤسساتنا الناشطة في مجال الخدمات والقضاء على قدراتها التنافسية والتشغيلية والتصديرية وهي المطالبة باكتساح الأسواق الأجنبية. اللافت للنظر انّ هذه الجمعيات لا تنشط داخل البلدان المتطورة باعتبار أنّ مؤسساتها لا تعير أي اهتمام للأشخاص الذين يعرضون خدماتهم مجانا وتعير اهتماما كبيرا لأسرارها العلمية والتكنولوجية والتجارية وباعتبار أنّ المنظمات المهنية لا تسكت على مثل هذه الأعمال الخطيرة العواقب. هل يسمح لمتقاعدينا بمباشرة نفس الأنشطة داخل البلدان المتأتية منها تلك الجمعيات؟ هل يسمح لمكاتبنا بالنشاط في مجال الخدمات داخل تلك البلدان في الوقت الذي تبدأ فيه رحلة عذابهم من الحصول على التأشيرة وغير ذلك وفي الوقت الذي تحول فيه طرد الأفارقة الى ورقة انتخابية داخل أوروبا دون الحديث عن التوصية الأوروبية الصادرة في 13 جوان 2008 بخصوص عودة المهاجرين الذين سيتمّ طردهم. إنّ تفعيل المقتضيات الزجرية الواردة بالقانون الجبائي وبقية القوانين الاقتصادية وغيرها يبقى ضرورة ملحة إذا كنّا نرغب في الحفاظ على موارد الخزينة العامة وعلى استمرارية المؤسسات التي ضاقت ذرعا من جرّاء المنافسة اللاشرعية للجمعيات التونسية والأجنبية التي أصبحت لا تتورّع عن مباشرة الأنشطة الاقتصادية على مرأى ومسمع من الجميع دون رادع باعتبار أنّ الهياكل المعنية بالمراقبة لا تحرك ساكنا تجاهها في الوقت الذي تخضع فيه المؤسسات الاقتصادية لكل أصناف المراقبة. الغريب في الأمر أنّ صيحات الفزع التي أطلقتها مختلف المنظمات المهنية التي هي مدعوة لتحدّي رهان التصدير والعولمة والتحرير ويتهمها البعض بممارسة التهرب الجبائي في الوقت الذي يتمّ فيه غض الطرف عن ذلك تجاه الجمعيات التونسية والأجنبية لم تجد آذانا صاغية على الرغم من أنّ هذه الأعمال الخطيرة ستؤدي بها حتما الى الاندثار. فإذا أصرّت الادارة على غض الطرف عن هذه التجاوزات، فعليها على الأقل أن تعامل المؤسسات الناشطة في نفس مجال الجمعيات المشار إليها بنفس المعاملة ولا تطالبها باحترام القوانين الاقتصادية والاجتماعية والجبائية وغيرها عملا بمقتضيات الفصل 6 من الدستور وان لا تطالبها بالاستثمار واكتساح الأسواق الأجنبية.