أستسمح مالك بن أنس في أن اكون شيعيا على سبيل التجريب طيلة أيامي المغربية المتبقية. خشوعا أستسمحه وأضيفُ: سيدي وإمامي إن مذهبك لا يبرّر وجودي.. وأنا بي رغبةٌ لنواح يستمطر قطعان الغيوم! في الطريق الى الفسطاط ومن ثمة الى النّجف.. سوف استعين على دموعي بمناديل فلاّحات طبرق والصعيد.. وفوق الجمل الصبور سأتلّهى بعدّ الديدان داخل ثمار حجتي الاخيرة للمرْمر الموشّح بحلي الملائكة وثمار الجنّة أقولُ: وداعا. للجديان تنطّ بين أغصان اللّوز وشرايين طفولتي أقول: وداعا.. مرّة أخرى للانامل المسرفة في السرقة والتسبيح ألوّح بأصابعي المبتورة. مخدوعا جاؤوا بي من غدران الحبشة ثم همسوا في أذن البغل: هدم هذا الحصن! عضّ تلك السافرة! هدّم القيروان! منفيا من حدائق الأندلس حملوني ليلا داخل سلاسل وأغلال وخلاخيل.. وها انا في قاع المتوسط ادق اجراس الكنائس ولا أجد في العربية لسانا قادرا على ردّ التهمة وتهجّي الاشباح. في ظرف عشرة أعوام أنجزت طموحاتي كلّها وبعناية مخصوصة من سفراء الله وخدم القوافي صرت رجلا سيئ السمعة كما يجب وبأكثر مما يجبُ! حتى الفتاة المجحفة في مداعبة ثمارها فإنها من العذوبة بحيث لا يمكن لفرط كذباتها، ان تكذب! قالت: «لم تنجح يا عزيزي في أيّ من امتحانات القرية والحبّ لم تنجحْ في المدينة والشعر معا.. وإذن: فلماذا أنت؟! قلتُ: وحلمي أن تهبني سقوف المرائب عشّا أتفّرج منه على هذا الشعب الطيب وهو يخبزُ الأقاويل ويقشّر زغب الطّير بملاقط فارسيّة من فضّة إصفهان، لا أعرف ذكرا من أبناء جيلي قاسى الذي قاسيْتُ... لا أعرف شخصا من شخوص المسرح التجريبي اهين باحترام مثلما أُهنْت هم تشرّدوا وجاعوا مثل سابقيهم... بعضهم لم يجدْ في القواميس فارقا مقنعا بين القلائد والحبال، وبعضهم لا يزالُ يهيمُ في وديان الدولة محاولا التوفيق بين رأس الالماني هيغل وطربوش التونسي عبد العزيز الثعالبي دون امل في التوصل الى ادخال احدهما في الاخر. من فرط محبة الناس لي، وخوفهم على مصيري، صرت ضيفا نادرا على الحياة. حتى البيت الذي وعدوني بكرائه فانه موجود في باب قرطاجنّة.. لكن : في نهج المشنقة!! كم عدد الشرطة في هذا المكان؟ صحت في وجه القاضي ذات يوم بورقيبي قائظ كم عدد المدنيين تحت هذه القبعات الرمادية الباردة؟ صحت به ثانية وهم يمسكون بتلابيبي ظانين أنّني بشار بن برد بعينيه؟! بين اللصوص واللواطيين.. بين عبدة محمد وشرّاح جوزيف ستالين قضيت جزءا غير يسير من أيام حياتي انظر الى سماء الله الضيقة من تحت أعمدة حديدية صنعت، خصيصا، لقسمة الله الى مربعات صغيرة، ضيقة، لكنّها متساوية الاضلع! مطواعا كنت افتح جميع ثقوبي للحارس للتثبت مما اذا كنت أخفي في احدها شفرة حلاقة أو مسودة قصيد أو بيانا احتجاجيا يدعو الى ما يدعو إليه..