ابتهج المعلمون وغنوا للانتصار بعد النضالات التي خاضها قطاع التعليم الاساسي قطريا وجهويا عبر انجازه لاضرابات ناجعة خلال السنتين المنقضيتين... كان الهدف والقصد تحسين الظروف المعيشية للمعلم وتأهيل ظروف عمله داخل المؤسسة التربوية... وقد راوحت المكاسب بين ما هو مادي مباشر كمنحة العودة المدرسية التي على هزالها فانها حققت خطوة نحو اعتراف الوزارة بما ينفقه المعلم على عمله من دخله الخاص وفتحت نافذة للتفاوض حول ترفيعها في مرحلة مقبلة، وبين ما هو مكسب مادي غير مباشر وذلك عبر التخفيف من شروط الارتقاء الى خطة معلم تطبيق أول وكذا تمتيع اكثر عدد من ابناء المعلمين بالمنح او القروض الجامعية... وعلى قدر فرحنا بهذه المكاسب التي تقتضي مبالع مالية اضافية كان تخوفنا اشد لما قد تلجأ اليه الوزارة من تحميل هذه الاموال على كاهل المعلم الذي دفع جزءا منها مسبقا خلال الاضرابات الخمسة المنجزة ولم ننتظر طويلا اذ عمدت الادارات الجهوية الى تقليص عدد المعلمين الملحقين بالادارة وارجاعهم الى سالف عملهم بالاقسام وحرمان اخرين من حقهم في التفرغ وخصت به المسؤولين داخل التشكيلات النقابية دون غيرهم معبرة عن عدم احترامها للاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وتنصلها من التزاماتها... كما احدثت تعديلا او مراجعة في سلم الاجور وهذه مسألة معقدة لا يستوعبها الا ذوُو الاختصاص لكن ما يقبضه المرتقي من خطة الى اخرى لا يحتاج الى اختصاص او محاولة للفهم بل تكفي المقارنة بين ما كان وما يتقاضاه معلم التطبيق ومعلم التطبيق الاول على اثر ارتقائهما... والمسألة لم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزته الى درجة غير متوقعة. وفي اطار منظومة جديدة تهدف الى توفير اقصى ما يمكن من الاموال تعويضا عن «خسائر» الوزارة فعمدت الادارات الجهوية الى اقصاء الطرف النقابي من المشاركة في تحديد قائمة المدارس الريفية المنعزلة وخفضت عددها دون موجب قانوني ودون تحسين في البنية التحتية الدنيا (ماء / ضوء / طريق) في الوقت الذي يدعو فيه الطرف النقابي الى مراجعة مقاييس اسناد المنح الريفية للعاملين بالمدارس خارج المناطق البلدية والتي لا تتوفر فيها المراكز الصحية والنقل العمومي... وكمثال على ذلك اذكر جهة المهدية حيث وقع تخفيض عدد المدارس الريفية الى الثلث (من 36 الى 12 في المهدية) وفي قفصة وقع شطب 14 مدرسة وفي اريانة عدد اخر من دون موجب قانوني وليس من باب المزايدة حين اجزم ان عدد المدارس الريفية في ارتفاع فعلي نظرا الى حالة الطرقات المهترئة التي لم يبق فيها من المعبد الا الاسم وبعض المدارس الاخرى المزدوة بالماء الجاري الذي لم يجر قط نظرا لوجود القنوات على سطح الارض وتعرضها الى الاتلاف بفعل «أولاد الحلال» ومرور الجرارات... بعض هذه المدارس التي لم يجد المكلف بادارتها بدا من قطع الماء عن المدرسة بعد ان كلّ وملّ من الاصلاح والترقيع واعلام المعنيين لكن دون فائدة... واضافة الى ذلك يبدو ان سياسة التقشف اضحت واضحة للعيان وطالت المواد الاساسية كالأوراق وحبر الالة الناسخة وكلفة اصلاحها وحتى النوافذ والطلاء والدهن وتعهد الحديقة المدرسية، اصبحت كلفتها موكولة الى الولي عبر المتدخلين في المنظومة التربوية من جمعيات وجماعات ومنظمات ومجالس وكل من هب ودب بغرض جمع الاموال واعفاء الوزارة من الانفاق. واخرها «طلعة» تمثلت في تأجيل ترسيم عدد من المعلمين المتربصين دون موجب واضح وهو اجراء عن كونه يعفي الوزارة من مصاريف اضافية فانه عقاب استهدف المتربصين المضربين... هذه حقائق لا تحتاج الى أدلة او الى فهم خارق وكل ما نرجو ألا يكون ما قد خفي أعظم...