فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ هذه الدولة تحذر من "تسونامي"..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوهام الاستراتيجية الأمريكية في الشرق العربي
نشر في الشعب يوم 18 - 11 - 2006

ملاحظة : العنوان الأصلي : العرب في الاستراتيجية الأمريكية ... هكذا قدم في المحاضرة التي ألقيتها في دار الشعب والثقافة بلمطة لكن بعد مرور قرابة السنتين قررت أن أنشرها بالعنوان الذي عنونت.
كلمة أولى
رفاقي ، رفيقاتي ، مرحبا بكم بمدينة لمطة العريقة في التاريخ... مهبط حنبعل لمطاردة الغازي سبيون الإفريقي الذي جاء غازيا لقرطاج... صاحبة المجد التليد... والجذور الممتدة حتى أرض كنعان... صور الحصينة.
وإنه ليسعدنا اليوم أن نلتقي في هذا الفضاء لنتحاور في موضوع مهم وخطير ألا وهو «العرب في الاستراتيجية الأمريكية» وما أشبه اليوم بالأمس ... جاء الرومان بقيادة سبيون الإفريقي للغزو والتدمير ونهب الخيرات... وهاهية أمريكيا التي أصبحت تتصرف تماما كإمبراطورية روما ، غزت العراق لنفس الهدف متعللة بنفس الأسباب : العراق أصبح قوة تهابه الدول : قوة عسكرية قوة علمية ... وذو ثقافة عريقة تمتد على أكثر من 8 آلاف سنة... وأرضها غنية بالطاقة التي تمثل تقريبا ربع المخزون العالمي... لذا يجب غزوه وتحطيم كل أسباب القوة فيه والاستيلاء على بتروله وثرواته التي بدونها يتوقف التصنيع بأمريكا وتقدمها...
وحتى لا أفتك دور الإخوة الضيوف المطلعين أكثر مني في الدراسات الاستراتيجية يكفي أن أشير باختصار شديد أن الولايات المتحدة التي عدت ولعدة عقود أرض الوفرة وترسخت في أذهان الكثير من صورة البلد المكتفي ذاتيا... وفي الحقيقة إن أسطورة الاكتفاء الذاتي بدأت تتآكل منذ الستينات وزاد اعتمادها على بعض المواد الأولية الاسترادية النادرة. وفي الواقع أن منذ الحرب العالمية الثانية أدرك القادة الأمريكان مدى اعتماد الولايات المتحدة على بعض المواد الأولية الأجنبية...
فمثلا عندما هوجم ميناء بيل هاربر من طرف اليابان لم يكن المخزون الأمريكي من المواد الأولية يتجاوز ال15% من حاجات أمريكا الأساسية بينما كانت توسعات دول المحور واليابان تحرمها من مواد أولية حيوية ولهذا اتخذت الحرب مظهر الصراع بين من يملك ومن لا يملك have or have not ، ففي حديث سابق لوزير خطة مارشال بول هوفمان سنة 1958 أكد أهمية المواد الأولية الأجنبية للاقتصاد الأمريكي فقال في ذلك الوقت : إن آلية اقتصادنا تجعلنا نعتمد على العالم الخارجي من أجل العديد من المواد الأولية الخام الأساسية. ولم تكد تنتهي سنوات الستينات حتى أظهرت المعطيات الاحصائية المتعلقة ببعض المعادن المستوردة الهشاشة الجديدة التي تعرفها الولايات المتحدة المتمثلة في حاجاتها المتزايدة للمواد الأولية الاستراتيجية الأساسية لبعض القطاعات الصناعية الحيوية لآلية الاقتصاد الأمريكي.
وهذه بعض الإحصائيات لفهم غنجهية أمريكا وتكالبها على المناطق الغنية بهذه المواد لبسط نفوذها والسيطرة عليها بأية طريقة ومهما كان الثمن :
ولذا في سنة 1950 ،كانتنسبة الاعتماد على المواد الأولية الموردة من الخارج 15 % بينما ارتفعت هذه النسبة وفي ظرف 20 سنة أي سنة 1970 إلى 25% وقدر في ذلك الوقت أن ترتفع هذه الاعتمادية سنة 2000 إلى ما بين 60 إلى 70 % من احتياجاتها لضمان استمرارها في التقدم التقني والاقتصادي والتكنولوجي...
لهذا فإننا نلاحظ أن الولايات المتحدة مرغمة على التوجه نحو المصادر الأجنبية لتأمين المواد الأولية الأساسية ، لا سيما المصنفة بكونها استراتيجية... مثل: الكولوبيوم التيتانيوم المنغنيز الكوبالت البوكسايت الكروم القصدير النيكل الزنك... إلخ..
ويقدر اعتماد الولايات المتحدة على المصادر الأجنبية للتزود بالمعادن المذكورة أعلاه ما بين 90 و100 % وبالنسبة للقصدير 80 % - 77 % للنيكل و62 % للزنك.
أهمية هذه المعادن كما ترون تتمثل في أنها أساسية وحاسمة في الاقتصاديات المتطورة. ومن دونها تصبح مهددة بالضعف والتراجع والتخلف. ناهيك عن تفاقم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها أصلا...
لذا نلاحظ كيف أن أمريكا تتصرف ككل مستعمر... ومن استراتيجيتها أنها باستيلائها على موارد المواد الأولية الأساسية هي تصدر مشاكلها إلى الخارج لتتفصى من مشاكلها الداخلية وطريقتها في ذلك طريقة ميكافيلية بحتة ... المهم أن تبقى في قوة ودون مشاكل... ولهذا اتفق الخبراء الأمريكان والاستراتجيون على واقع أن الاعتماد على المعادن الاستراتيجية النادرة يمكن أن يأخذ وبسرعة نفس خطورة وأهمية الاعتماد على النفط المستورد وستجد أمريكا نفسها حينذاك فعلا ضمن معسكر الدول التي تعد محرومة من 4/3 احتياجاتها.
وكما جاء في دراسة لمجلة Business Week تحت عنوان : الآن أزمة المعادن فإن الاعتماد المتزايد للولايات المتحدة على الإمدادات الخارجية من المعادن الاستراتيجية يبرز تهديدا استراتيجيا ضارا كضرر انخفاض الطاقة. بل أن كل نفوط العالم كما ذهب لذلك المعهد الجيولوجي الأمريكي لن يكون له قيمة ما لم يصبح بالإمكان تصنيع وصيانة المحركات والآلات التي تستخدمه فمن دون المنغنيز والكروم والبلاتين والكوبالت لن يكون هناك لا سيارات ولا طائرات ولا محركات ولا سفن فضاء ولا أسلحة متطورة. وبما أن هذه المواد أصبحت عنصرا أساسيا في الاقتصاد المتطور وضرورة لإنتاج مواد ومعدات تعد عنصرا مهما من عناصر الأمن القومي ليس للولايات المتحدة فقط ، ولكن لكل الدول الصناعية المتقدمة أيضا.
وفي أمريكا أصبح ضمان الوصول إلى هذه المعادن شرطا أساسيا للنمو الاقتصادي في مجالات التكنولوجيا ، سواء أكانت الجديدة منها أم القائمة فالأمان السياسي والناسي كما أسماه ز. بريجنسكي -للحرية الكاملة لنمو القوة الاقتصادية أساسي لنمو وتطور الاقتصاد الأمريكي. فمن دون توفر المعادن الأجنبية التي تعتمد عليها معظم الصناعات الأمريكية ولعدة سنوات وبأسعار مناسبة للاقتصاد الأمريكي فإن هذا الأخير سيصبح مختلفا تماما وأكثر فقرا...
هذا الاحتياج هو سبب من الأسباب التي جعلت أمريكا تقوم بغزو العراق وتربط تحالفات استراتيجية مع الكيان الصهيوني وتستعمر أفغانستان بمعونة الناتو وتنصب على رأسه أمريكيا متجنسا كان يعمل طباخا في الولايات المتحدة...
ولهذا قدر المحللون الاستراتيجيون الأمريكان أن أزمة المعادن خطيرة كخطورة أزمة الطاقة وعدوا أن الولايات المتحدة دولة تعتبر فقيرة فيما يتعلق بالمواد الحيوية. وقد نبه رئيس رابطة التكنولوجيين المتحدة (NTC) هاري قراي (نوفمبر 1979) إذ قال : «منذ سنوات الخمسينيات ووضعنا بخصوص المواد الأولية يتدهور لدرجة أننا اليوم مكشوفون بشكل خطير.
الكل يعرف جيدا أن هذه المواد الاستراتيجية النادرة توجد كذلك في أمريكا ذاتها لكن تكلفة استخراجها باهظة وغير مربحة بالنسبة للمستثمرين الأمريكان الجشعين المستكرشين كما جماعات حماية البيئة عارضوا استغلالها على الأرض الأمريكية للضرر الفادح الذي تحدثه للبيئة وللإنسان لذلك اتجه الأمريكان إلى العالم الثالث : أفريقيا والمنطقة العربية خاصة وأن لهم ذراع وموطأ قدم متمثل في محميتهم الأولى : إسرائيل وبذلك يكون قد ضربوا عدة عصافير بحجر واحد...
وإذا ما عرفنا أن اهتمام القوى العظمى بالمواد الأولية ليس بالظاهرة الجديدة وبأنه بعد الحرب العالمية الثانية وضغوط الاتحاد السوفياتي في ذلك وبروزه كقوة عظمى لها هي أيضا استراتجيتها في الهيمنة والاستحواذ على هذه المواد الأولية رغم ثرائها فيها فكر الاستراتجيون الأمريكان كثيرا في هذا التهديد السوفياتي للإمداد بالمواد الخام الأولية الضرورية لرفاهة أمريكا وازدهارها الصناعي أولا والعالم الرأسمالي جملة وبدؤوا باستغلال الشعور الديني الأصولي المتجذر في بعض الأنظمة الرجعية التيوقراطية فاعتمدوها وجعلوا منها وسيلة لتطويق الاتحاد السوفياتي ومنعه من النفوذ إلى المناطق الاستراتيجية في العالم ... إلى درجة أن بعض المرجعيات السلفية الموغلة في التحجر سجد شكرا لله عندما انهزم جيشه العربي (1967) لأن هذا الأخير كان جل سلاحه من الاتحاد السفياتي الملحد... أين نحن من أولئك ؟ وأين استراتيجيتنا من استراتيجيتهم ؟!...
وما تورط أمريكا في صراع حرب الكراييب (Caraïbe) وفيتنام إلا من أجل القصدير والمطاط قبل أي شيء آخر... والديمقراطية والحرية التي يدعي الغرب بصورة عامة ما هي إلا وسيلة من وسائلهم المغشوشة لتسهيل عملية شراء الضمائر القليلة الإيمان ليتيسر للعملاء
ببسط النفوذ للسيطرة على الأٍرض واستخراج خيراتها وامتصاص دماء أصحابها وإفراغهم من كل أسباب القوة ورميهم بعد ذلك كالصدف بعدما يؤخذ منه درره... وهاهو وزير خارجية ريغن ألكسندر هيغ (1981) يصرح : «لقد هزني ما أصبح وبشكل سريع أزمة المواد الاستراتيجية النادرة أنه ليس حقيقة الاعتماد المتزايد والاستثنائي للولايات المتحدة على المصادر الأجنبية للإمدادات فقط ولكن علينا أيضا مواجهة منافسة الاتحاد السفياتي من أجل النفوذ والسيطرة على مناطق رئيسية عديدة منتجة في آسيا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية. وإذا قدرنا التصاعد الحديث لنشاطات الاتحاد السفياتي ووكلائهم في العالم الثالث يمكن الاستنتاج أن زمن حرب الموارد الطبيعية آت «.
وحاجج هيغ بضرورة استخدام القوة العسكرية لتأمين مصادر المواد الأولية فيما وراء البحار... لأنه كما قال «الانتكاسات المتزايدة لمصادرنا في الخارج والفوضى والإرهاب المتصاعد وما يسمى بحروب التحرير الوطنية وضعت قدرتنا في التأثير في أحداث العالم وفي ضمان الوصول للمواد الأولية في خطر...
وبهذا أصبح يعرف هذا المبدأ مبدأ التدخل العسكري للاستمرار والاستحواذ على الموارد الأولية الاستراتيجية (بمبدأ هيغ (المعادن كما عرف مبدأ كارنر من أجل النفط...
من خلال هذه النظرة السريعة للاستراتيجية التي تنبني عليها الاستراتيجيات الأمريكية الأخرى : اقتصادية .. ثقافية .. عسكرية... نستطيع أن نستنتج ما يلي :
أولا :أ ن إقليم النفط في الخليج العربي هو جزء مركزي من حدود الأمن القومي الأمريكي بما يعني أن النفط العربي يجب أن يكون تحت تصرف أمريكيا وفي خدمتها وخدمة مصالحها وليس هو أحد مكونات الثروة العربية. وإذا اتخذت أية دولة عربية نفطية قرارا نفطيا يخدمها ويخدم شعبها كالتأميم مثلا فإن أمريكيا تنظر إلى هذا القرار قرار إشهار حرب ضدها. ولذلك نشبت الحرب على العراق لا لأنه يهدد جيرانه بامتلاكه قوة السلاح أو لأنه احتل الكويت... كل هذا تفكير واستنتاج جاهل لا يدري ما يدور في المخابئ تحت طاولات الرولوات (Roulettes) والغانيات الفاجرات الضاحكات على ذقون الكثير من أنظمتنا العربية المهترأة الفاقدة لأية رؤية عقلانية استشرافية ما يهم أمريكا وحكام أمريكيا واستراتيجيو أمريكيا آبار نفط العرب وبس وما عدى ذلك كما يقول المثل التونسي «الشكارة والبحر» أو كما يقول الصهيوني « العربي الجيد هو العربي الميت».
كل الشعارات التي أطلقتها في تحضيرها للحرب على العراق سواء في الحرب الثلاثينية الأولى وفي عدوانها في المرة الثانية هي شعارات فقاقيع هواء مليئة بالنفاق والكذب والخداع التي انخدع له الكثير من الأنظمة الرجعية العربية بالرغم من الهبة التي هبتها شعوبها...
الحرب اندلعت بالرغم من مجلس الأمن والجمعية الأممية لأن العراق قرر تأميم نفطه وتحويله إلى وسيلة لإعادة البناء وتسخير ثروته النفطية لخدمة التنمية العراقية والعربية... فكم بنى العراق من مدرسة ومعهد وجامعة لتعليم أبناء الأمة وكم طبع من كتاب وهدية من شعب العراق إلى أبناء العرب في الأقطار العربية وكم سخر من منحة دراسية لأبناء الأمة العربية داخل القطر وخارجه ورفع شعار : نفط العراق لأبناء العراق ولأبناء العرب بهذا اصطدمت سياسة العراق النفطية الاستقلالية بمبدإ كارتر الذي أكد أن أي تهديد لمصالح أمريكيا النفطية في الخليج العربي يرقى إلى مستوى إشهار الحرب ضدها... وحين يتم فإن ذلك يستدعي خوض الحرب حتى النووية ضد أي طرف يهدد تدفق النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية. هذا هو السبب الوحيد الأوحد للحرب على العراق وعلى قيادته التي تبنت استراتيجية وطنية / عربية استقلالية وهكذا حصل التضاد الحاد وبالتالي التصادم بين نهجين مختلفين استراتيجيا : نهج الاستقلال الوطني للموارد الطبيعية التي بلورته القيادة العربية العراقية ونهج معاداة الاستقلال الوطني للدول العربية المتمثل في الهيمنة واستغلال المواد الاستراتيجية ومنع مالكيها من استثمارها وطنيا وقوميا...
ثانيا: الحرب على أفغانستان هي بدورها حرب من أجل الموارد الأولية بغطاء كاذب أيضا وبدعوى محاربة الإرهاب المتمثل في حكومة طالبان السلفية المتشددة وملاحقة بن لادن زعيم القاعدة المتسببة في هجوم 11/09/2001 والذي خلف كم من ألف قتيل ... هذه كذبة أخرى مشكوك في صحتها... فمن سلح الطالبان ؟ ومن أعطى أمضى سلاح المتمثل في صواريخ ستنغر للمجاهدين الأفغان في ذلك الوقت لمحاربة السفيات ؟!... ومن صنع بن لادن ورفاقه ومن دربهم ؟!... ومن زودهم بالعتاد والمال والخطط الحربية ؟!... أمريكيا بواسطة خبرائها العسكريين والCIA... لكن بعد خروج السفيات من أفغانستان أرادت الولايات المتحدة أن يكونوا من عملائها ينفذون بواسطتهم استراتيجيتها لكن هيهات وكما يقول الشاعر : علمته الرماية ولما اشتد عوده رماني... أو كما يقول المثل التونسي من يربي العقارب يموت بسمومها...
نتيجة الأدلوجة الرأس مالية المتوحشة المتذبذبة بين الأدلوجة الفرويدية المشوهة والفلسفة الإغريقية الرافضة للواقع والتطلع إلى الكمال... وقد بدا الأمريكان متأثرين شديد التأثر بأنصار فلاسفة مذهب التحليل اللغوي والمدرسة الوضعانية المنطقية Positivisme logique الذين لعبوا دورا حاسما في تدجين الإنسان وانتحاره الفكري والخلقي إذ قبلوا بفكرة انتهاء التاريخ حتى لا يتغير المجتمع بينما نرى بوش وشلته ينادون بالتغيير ويريدون فرضه على مجتمعات العالم وخاصة في العالم العربي بينما نراهم يساندون كل من يخدم استراتيجيتهم من الدكتاتوريين والرجعيين وحتى لا تنسف مصداقيتها نسفا كاملا أطلقت فكرة الإصلاح والقارئ الواعي يدرك الفارق بين الكلمتين : الإصلاح والتغيير.
الإصلاح تعني الترميم بينما التغيير يعني إعادة البناء من الأسس... فالإنسان عند بوش وحاشيته كما هو في المجتمع الصناعي بصفة عامة إنسان دجين بلا أفق ولا تاريخ يميل بطبعه إلى الاستمرار في حالته ولا يتطلع إلى وضعية أسمى ... إن أدلوجية المجتمع الصناعي الغربي بما فيه أمريكيا طبعا هي أدلوجة تسجن الإنسان في سجن المجتمع الاستهلاكي والجنس والمادية الرخيصة... لاحظوا حتى في الومضات الإشهارية المتلفزة منها والمكتوبة على لوحات الإشهار... أغلب الجمل المنطوقة أو المكتوبة هي جمل فعلية لا مكان فيها للجمل الإسمية : لا تقول للمرأة مثلا : الجمال الجذاب بل تأمرها : استعملي المرهم أو المسحوق الفلاني لتكوني أكثر جاذبية للرجال... لا تقول للعامل : العمل متعب بل تأمره : اشرب كل صباح كأسا من العصير الفلاني فلن تحس بالتعب وكما يقول ماركوزه : Marcuse Herbert : إن مثل هذه اللغة تملأ الذهن على الدوام بالصور فتعرقل نمو المفاهيم العقلية وقدرة الإنسان على التعبير عنها.
إن الولايات المتحدة تتصرف تصرف الامبراطورية المتفردة في العالم أجمع والقوة الوحيدة الأعظم على المعمورة فهي لا تعير أي اهتمام للاتحاد الأوروبي (حليفها) ولا لمحكمة دولية مثلها مثل إسرائيل إنها تستهين بكل قرارات الأمم المتحدة التي لا تكون في صالحها وكما أعلنت من أعلى منبر مجلس الأمن : أنها سوف تتصرف في الشرق الأوسط مع المجموعة الدولية عندما يلزم الأمر لأنها تعتبر الشرق الأوسط (كامب ديفد) ذو أهمية قصوى لمصالحها ومن ثم لا تعترف بأي أحد يمنعها من التصرف في هذه المنطقة حتى لو كان ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو القانون الدولي...
كما يقول ناعوم تشومسكي المفكر الأمريكي الشهير في كتابه الذي بعنوان «أوهام الشرق الأوسط» إن البحث عن الديمقراطية والحرية والسلام هو جزء من الخداع الاستراتيجي للعرب جميعا... وهو خطأ استراتيجي قاتل للولايات المتحدة ذاتها... ذلك أن مشكلة أمريكيا أنها اختارت في احتلالها للعراق استراتيجيا ذات أهداف لما بعد الحرب غير واقعية... لقد خططت لحرب أرادتها لمجرد الحرب قصد إسقاط نظام صدام ثم يأتي السلام بمجرد إنهاء النظام... فقد كان تخطيطها خاطئا طولا وعرضا... فالعراقيون لم يستقبلوها ولم يستقبلوا قوات التحالف بالورود كما كانوا يضنون... كما ظهر الاخفاق في عدم الوصول إلى تركيز دولة مدنية توفر الاستقرار والأمن والأمان للعراقيين ... الإخفاق في اعتمادهم على جماعات المنفيين بما لهم من صدقية محدودة جدا ونفوذ منحصر في جهات ضيقة سيئة السمعة في العراق...
فالكثير من العراقيين أغلبهم عارضوا الغزو والاحتلال ... والكثير منهم التحق بصفوف المقاومة التي أسقطت كل حسابات الطغمة الأمريكية في الماء وعرتها حتى انكشفت عورتها وأصبحت تفكر في الهروب رغم عدتها وعتادها الذي كانت تظن وهما وظنها معها بعض العرب أنه لا يقهر... متناسية أن القوة وحدها تستطيع أن تهدم وتكسر الحجر والشجر وتقتل وتذبح لكنها لا تستطيع أن تنتزع الإيمان من القلوب والإرادة من الشعوب فالكرامة إذا ما تشبث بها الإنسان لا يقهر... فليس أمام أمريكيا وحلفاءها من منجي إلا الهروب... فهاهي المقاومة العراقية تنمو حجما وقوة في كل يوم وليلة... وقوتها العسكريت في انهيار متنامي وقتلاها تتزايد...
إن أمريكيا رغم كثرة عدد مراكز بحوثها الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية لم تستطع لحد الآن بسط هيمنتها الكلية على مراكز ومواقع الثروة المتمثلة في المواد الأولية بالطرق السلمية فقد تسبب في أكثر من مائة وخمسين حربا منذ تأسيسها أدت إلى قتل أكثر من خمسين مليون من البشر وهي أول من استعمل القنبلة الذرية وهي أول ملوث للكون وهي لحد الآن تحتفظ بفيروس الجدري ورفضت أن تسلمه لمنظمة الصحة العالمية وهي التي تسببت في انتشار فيروس السيدا SIDAبتلاعبها بالجينات وهذا ما أفادت به بعض تقارير علمائها الصادرة في الثمانينيات من القرن الماضي... فمن أمريكيا لا يأتي إلا الوباء والشر شعبها بلا أصل ثابت وتاريخها مليء بالدموع والدماء والقتل والإبادة الجماعية...
فكيف إذن نأمن من أمريكيا أن تسطر استراتيجيا سلما وأمنا وأمانا وتسامحا وحوارا فكيف نترقب من شعب أكثر من 40 % منه لقيط لا يعرف أباه أن يكون له استراتيجية تنموية تنشر العدل والإنصاف والمحبة...( وما في الطبع لا يتغير)
إذا أخذنا في الاعتبار كل هذه المعطيات نستنتج أن أمريكيا رغم صواريخها العابرة للقارات والقوة التدميرية العظيمة هي الآن آيلة للسقوط لذلك مثل القط الذي فقد توازنه من فوق عمارة شاهقة فهو في سقوطه يصيح فاغرا فاه مكشرا عن أنيابه مبرزا مخالبه الحادة يعض ويخمش كل من يعترض سقوطه فيدميه ويحدث فيه خدوشا...
أمريكيا في الختام ما هي إلا نمر من كرتون مهما يتحدثون عن قوتها والدرس يأتينا من فيتنام والصومال ولبنان والعراق...
فكما لاحظنا أمريكا ليست بالقوة الهائلة التي يخشى بطشها لو وعي رؤساء دولنا وفكروا في مصلحة شعوبهم الحقيقية واتحدوا في مجموعات اقتصادية وثقافية وسياسية لانهارت أمريكا ومن حذا حذوها من الدول المصنعة ولكانت أكثر تعاونا في صالح جموع شعوب العالم والسؤال اليوم المطروح علينا كنخبة تونسية عربية مناضلة هو : ما هو موقعنا كعرب في هذه الاستراتيجية الأمريكية؟! وهل تغير الدول العربية من سياساتها وتتفق على النهوض من النوم الطويل الطويل جدا... وتتجاوز الإحباط والانكسارات أم ستواصل النوم والحلم في انتظار الانهيار الطبيعي والحتمي معولين على نظرية ابن خلدون حول صعود وهبوط الإمبراطوريات... أو كما قال الصحفي بالشاهد «يوسف مرتضى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.