نتفق جميعا أن المرور من فكر الإنسجام (الكلاسيكي) إلى فكر الإختلاف يمر حتما وضرورة عبر فكر الصراع (الماركسي) وأن مخاطر الكلمة المنطوقة يتمثل في كونها تهديدا بأن تكون بديلا عن التجرية الحية، التي قد تكون داخل أسوار جامعة السربون كما يمكن أن تكون بين قضبان سجن أبو غريب أو معتقل غوانتنامو، وبما أننا نحاول أن نرصد بعضا من أحداث ثورة ماي 1968 فإننا يمكن أن نحدد التراكمات الموضوعية التي أفرزت فلاسفة الإختلاف: قضية دريفوس أو الطموح بجامعة شعبية/نقديّة خارجة عن الجامعة البونابرتية الرسمية، الإرث الديكارتي والكانطي أو تحطيم انصاف آلهة ما بعد الحرب: ماركس ونيتشه وفرويد، قضية الجزائر وهنغاريا والمنشقين السوفيات... أو لنجمعهم تحت يافطة واضحة «السلطة أيّا كانت شر لابد منه « هذه السلطة التي تغازلنا بشرانيتها وتأخذنا عنوة بكل أشكال سلطويتها متى عنَّ لها ذلك، كانت دائما وستظل تتعامى عن كون سلطويتها هي المنبت الطبيعي لمواطن عنيد في فكره، مسلح بالتحدي، والذي ارتسمت ملامحه بوضوح على طلبة الجامعة الفرنسية في ماي 1968 إن الكتابة عن أحداث ماي 68 ليست استرجاعية عاطفية تذكرية بقدر ماهي وجوبّية إلحاحيّة تتطلبها تغيرات نسقيّة تتواتر بشكل خيالي منذ التسعينات واستعرت وتيرتها بعد 11 سبتمبر، وجوبيّة الكتابة يؤكده امعان السّلطة في شرّها الإقتصادي والعسكري، خاصّة... السلطة الأمريكية أو الشر الصهيوني المتسربل بالصمت العالمي أو التواطؤ الخفي... واليمين الأوروبي صاحب نظرية المتوسط... وبدل قضية دريفودس والجزائر وهنغاريا والمنشقين السوفيات والإرث الديكارتي والكانطي... نقف اليوم أمام قضية عودة الاستعمار الجديد بأكثر من تمظهر كالجدار العازل بفلسطين واحتلال العراق وتكتلات ماكدونالد والقواعد العسكرية الأمريكية المنتصبة في الخليج، والزحف المرعب للحي الشّعثاء والعقول المتحجّرة القادمة من أدغال ومغاور كتب الشعوذة واللاهوت... وإذا كانت ثورة ماي 68 واقعة تحت سطوة بناء الحدث في آنه وعبادته، فإن ماتتطلبه المرحلة الراهنة هو بناء الإنسان /الإنسيّ، وقتل الحيواني فيه وهذا الفعل لا يمكنه أن يتحقق إلا إذا تحولت الرغبة إلى حلم والحلم إلى رؤيا والرؤيا إلى واقع مقدّس يمتص كل مخاوف التمزق والتفكك ... ميشال فوكو، جاك داريدا، جيل دولوز، ليوتار، رولان بارث... عنف الحلم، عنف المتخيل، عنف الإغتصاب تلك أهم ملامح ثورة ماي 68 ويمكن تلخيص مطلب جماعة ماي 68 في «إبداعية، عفوية، حياة» استنادا إلى شعار «الصراع أبو الأشياء» وهي تستهدف الحداثة الغربيّة وتوابعها: الحداثة البوليسيّة بدءا من الرأسمالي فالبيروقراطي فاليساري فعالم الإجتماع الأستاذ... والمعرفة هي سلطة هذه الحداثة «أيها الأساتذة إن شيخوختكم توازي شيخوخة ثقافتكم. إن حداثتكم ليست إلا تحديثا للبوليس» بسبب هذه الشيخوخة، تهاطلت بيانات 68 وبدأت جدران الجامعة تغرق في الطلاء والكتابات العفوية والإبداعية... «اللغة قسر اجتماعي» «كل خطاب هو لا ثوري» أو «كل خطاب هو فاشستي» كما اكتست بيانات ماي 68 بعدا تخييليا: «الخيال يأخذ السلطة» ومن الخيال الذي يأخذ السلطة يصير الحلم حقيقة «أعلن حالة السعادة الدائمة» «الحب يأخذ السلطة» «انسوا كل ما تعلمتموه وابدؤوا بالحلم»، فتحول الواقع الإجتماعي والسياسي والثقافي والإقتصادي الى عدو رئيسي وجبت محاربته لأنه بوليسي سلطوي رأسمالي، من أجل أن يصير الواقع فضاء الإمكان لأن تحرير الإنسان إما أن يكون شاملا أولا يكون، ولهذا تحرر طلبة ماي 68 من جدران جامعة السوربون ورُفع شعار «لنحطم الجامعة» وبدأت سريالية الفعل الخلاق أو الرغبة في الحياة وفقا لجينيا لوجيا التقويض والمقاومة، وأخذت الشعارات المرسومة على الجدران شكلا مربكا للفكر الفرنسي في الستينات مؤكدة أن المدينة أميرها الطالب ورفضا للجامعة الطبقية الساعية للإندماج في نظام الإنتاج الرأسمالي ... إن تداخل أفكار ماي 68 وتعددها حول السلطة والثقافة والفن والجنس والجسد والحب والعمل والحياة أمر طبيعي لتعدد «الجهات» الفكرية التي تسند أحداث 68 إذ يشير المؤرخ الفرنسي رينيه ريمون أن من بين الكتب المسؤولة رمزيا عن هذه الأحداث كتاب بيار بورديو وكلود باسرون «الورثة» ، ويؤكّد المحلل النفسي الفرنسي ديدي أنزيو على الدور الذي لعبه كتاب جون بول سارتر «نقد العقل الجدلي» ويذهب ريمون آرون إلى كتاب هاربرت ماركوز «الإنسان ذو البعد الواحد» ولذلك أيضا إختلفت القراءات حول هذه الأحداث، فهي عند اليساريين «ثورة ثم اجهاضها»، وهي عند الحزب الشيوعي الفرنسي «مواجهة اجتماعية» وعند علماء الإجتماع «انفجار ثقافي» وقد اعتبرها ألتوسير» أكبر إضراب في تاريخ الرأسمالية «.