اقف اليوم في هذا الموكب الخاشع الحزين باسم المكتب التنفيذي الاتحاد العام التونسي للشغل وامينه العام الاخ عبد السلام جراد لاعبر عن ما يختلج في نفوسنا من اسى وحسرة ونحن نودع علما من اعلام الحركة النقابية المأسوف عليه المرحوم عبد العزيز بوراوي. لقد عرفته الحركة النقابية الوطنية منذ يوم ولادتها وهو شاب يافع،، ففي عام 1943 تحمل فقيدنا العزيز المسؤولية النقابية على رأس نقابة اعوان الصحة بالمستشفى الجهوي بصفاقس التابعة لمنظمة ال . س .ج .ت غير انه سرعان ما اكتشف انه لم يجد فيها ضالته لانها كانت تستلهم توجهاتها الكبرى من المنظمة الام الفرنسية وهي توجهات بعيدة كل البعد عن تطلعات شاب وطني يتقد حماسا وغيرة على وطنه ويتوق الى الحرية والانعتاق، فقد كان همها الوحيد آنذاك التسابق من اجل السيطرة على الحركة النقابية لصالح احد قطبي النزاع في فرنسا وأعني الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي. وقد تأكدت هذه النزعة في المؤتمر الذي انعقد عام 1943 بقصر الجمعيات قاعة ابن رشيق حاليا . وفي اعقاب المؤتمر الذي لم يدرس اي موضوع من المواضيع التي تشغل بال النقابيين الوطنيين انسلخ فقيدنا عن هذه المنظمة صحبة رفيقي الدرب الشهيد فرحات حشاد والمرحوم الحبيب عاشور وبمجرد رجوعه الى صفاقس بادر بعقد اجتماع اخباري باعوان الصحة وقدم لهم عرضا عن اشغال المؤتمر الامر الذي دفعه ورفاقه الى الانسلاخ عن هذه المنظمة وسحب بطاقته التي مزقها امامهم واذا بالجميع يقومون بنفس الحركة... وبعد عدة اشهر كانت نقابته من اوائل النقابات المستقبلة بالجنوب وعمل مع رفاقه على بعث نقابات مستقلة في مختلف القطاعات وقد كانت هذه النقابات البذرة الاولى لبعث الاتحاد العام التونسي للشغل، وكان فقيدنا العزيز من الوجوه البارزة في المؤتمر التأسيس للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 20 جانفي 1946 بقاعة الخلدونية بالعاصمة وانتخب عضوا بأول مكتب تنفيذي ثم اعيد انتخابه المرار العديدة الى الثمانينات، وبذلك ارتبطت حياته بمنظمته والتي قدم لها كل ما يملك من ذلك ان فقيدنا وهبه الله طاقة جبارة للعمل الجاد المتواصل دون كلل أو ملل كما وهبه الله الحبّ المتناهي للطبقة العاملة، الى جانب الاندفاع للجهاد من اجل الحرية والاستقلال. لذلك كان أحد أبرز القادة النقابيين الذين وقفوا الى جانب المرحوم الحبيب عاشور في حوادث 5 أوت 1947 بصفاقس فقد كان يومها يجري وسط العمال المضربين عند اطلاق الرصاص عليهم وينادي بالجهاد في سبيل الله والوطن. لقد فقدنا اليوم رجلا كانت حياته كلها مليئة بالنضالات، ولا يمكن لنا الايفاء بحقه حتى هذه اللحظات الاليمة وقد يطول الحديث عن مواقفه المشرّفة في الحقلين النقابي والوطني وعن اخلاقه العالية واستقامته وثقته المتناهية وقد تجلى ذلك بالخصوص عند توليه امانة مال الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد عرف عنه انه مهندس العقد الاطاري المشترك الذي انبثقت عنه العقود المشتركة في السبعينات من القرن الماضي واشتهر المرحوم عبد العزيز بوراوي بصلابة مواقفه وثباته عند الشدائد وتمسكه بالمبادئ الاساسية للحركة النقابية مع القليل من المرونة حتى قال عنه احد كبار المسؤولين في الدولة «انه عبارة عن يد من الحديد مبطنة بالحرير». فقد شهدت له الحركة النقابية موقفه الصلب يوم 26 جانفي 1978 حين تكلف بالاشراف على الاضراب بصفاقس وكان عندها من المتوقع حصول حوادث دامية كبرى بصفاقس ليتم اثرها القاء المسؤولية على الاتحاد العام التونسي للشغل لكنه تمكن بما لديه من حنكة من تحقيق النجاح للاضراب العام مع تجنيب المدينة من كارثة كبرى وسحب البساط من تحت اقدام الذين كانوا يسعون الى خلق ذريعة لضرب الحركة النقابية. ومع ذلك فان هذا لم يشفع له حيث تم اعتقاله مع بقية اعضاء المكتب التنفيذي وحوكم معهم في شهر اكتوبر عام 1978. والى جانب نضاله النقابي ناظل وبشجاعة كبرى في الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي وخاصة ابان معركة التحرير عام 1952 حيث تزعم مجموعة من المناضلين الذين قاموا بالكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي فاعتقل ولم يغادر السجن الا بعد الاستقلال الداخلي. الله أكبر، الله أكبر فباسم الاتحاد العام التونسي للشغل وامينه العام الاخ عبد السلام جراد المتواجد بالخارج في مهمة، أقدم احر التعازي الى ابناء وبنات الفقيد وارملته الفاضلة والى اصدقائه وإلى كلّ آل بوراوي واصهاره وكافة اقاربه راجيا من الله ان يرزقهم الصبر والسلوان مستهلمين من قول الله سبحانه وتعالى «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين وقوله تعالى «ولنيلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ورحمة اولائك هم المهتدون» صدق الله العظيم أيها الاخ العزيز نقف اليوم لنودعك الوداع الاخير بقلوب خاشعة وأعين دامعة وجوارح مرتعدة ولنترحم على روحك الطاهرة الزكية راجين من الله ان يجمعنا بك في جنة الخلد وفراديس الجنان مع الشهداء والصادقين ونقول لك نم هنيئا فقد تركت وراءك تاريخا ناصعا حافلا بالنضالات النقابية والوطنية.