الداخلية تعلن عن الاستعدادات الخاصة بعودة التونسيين بالخارج    الرابطة الأولى: الإتحاد المنستيري يفقد خدمات نجمه في الكلاسيكو    بطولة نوتنغهام للتنس: أنس جابر تواجه غدا المصنفة 77 عالميا    231 حالة غش في البكالوريا .. ووزارة التربية تتخذ اجراءات صارمة    ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين في غزة منذ بداية حرب الإبادة على القطاع إلى 150 شهيدا..    مفاجأة من ريال مدريد    الكشف عن مذبح عشوائي للدواجن بهذه المنطقة..وحجز 480 كغ من الدجاج المذبوح..    تونس-الحمامات: شاحنة ثقيلة تنقسم الى نصفين وتُعيق حركة المرور    إخماد حريقين بجبل النحلي    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    فرنسا تستعد لإجراء انتخابات بعد مكاسب لليمين المتطرف في تصويت البرلمان الأوروبي    منع التخييم بسليانة تفاديا لاندلاع الحرائق    فظيع/ هلال شابة بصعقة كهربائية..وهذه التفاصيل..    ما هي الامتيازات الجبائية الخاصة بسيارات التونسيين بالخارج ؟    العاصمة : جلسة عمل للنظر في إستعدادات عيد الإضحى    خبير في الموارد المائية يدعو لإحداث وزارة للماء    وفاة سمير حمزة مدير المعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا    عاجل: إستنطاق عبير موسي في قضيّتين جديدتين    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة في يوم واحد    قفصة: موظّف متورّط في ترويج أقراص المخدّرات    beIN SPORTS تقدم تغطية استثنائية لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2024 مع أكثر من 50 ساعة من التغطية اليومية    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    حرارة تصل إلى 45 درجة في هذه المناطق من البلاد    تونس: إقبال كثيف على أضاحي العيد بالميزان    عاجل : ارسين فينغر في تونس و هذه التفاصيل    شركة "ميتا" تطلق ميزة جديدة للمحادثات عبر "ماسنجر"    موسم الحج: استقبال 3 رحلات للحجيج ضمن خدمة طريق مكة بمطار الملك عبد العزيز    إيطاليا تهزم البوسنة 1-صفر في المباراة الودية الأخيرة لها قبل بطولة أوروبا    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    مسؤولون تونسيون وليبيون يبحثون إعادة فتح معبر رأس جدير وتسهيل العبور..    عاجل/ إندلاع حريق بجبل النحلي..    فرنسا تتعادل سلبيّا مع كندا في اختبارها الأخير لكأس أوروبا    مع الشروق .. قرطاج .. وأسوار الصين    بعد انسلاخ غانتس عن نتنياهو...حكومة الدم تنهار    نسبة الفائدة أعلى من نسبة التضخم !... من يتحكّم في قرارات البنك المركزي ؟    جندوبة ...احتراق 1500 هكتار سنة 2023 ..حتى لا تتنفس الغابات ... دخانا    فيما 144 ألف تلميذ يجتازون امتحانات الباكالوريا ...هل أصبح التوجيه الجامعي عنوانا لفشل التعليم العالي ؟    قصّة قصيرة    الذات السطحيّة والطفولة المعطوبة    تجاوز عمر بعضها النصف قرن ومازالت متخلّفة...المهرجانات الصيفية بأي حال تعود؟    مراد الحطاب.. الدبلوماسية الاقتصادية تتحرّك لاستقطاب التمويلات    مع الشروق .. قرطاج .. وأسوار الصين    تعرف على 20 عيباً تمنع ذبح الأضحية    تصفيات كأس العالم: المُنتخب الوطني يتعادل مع ناميبيا    عيد الأضحى 2024 : دول تحتفل الأحد وأخرى الاثنين    وزيرة التربية تؤكد تلقي عديد الملفات المتعلقة بشبهات فساد مالي وأخلاقي    هل يخفّض البنك المركزي نسبة الفائدة المديرية في الوقت الراهن: محلّل مالي يوضّح..    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصراحة أوّلا وأخيرا
كنا للقمر جيران:
نشر في الشعب يوم 12 - 07 - 2008

كنا فعلا للقمر جيران، نسهر على ضوئه، نعمل، نحصد، نسافر ربحا للوقت واقتصادا للطاقة.
كنّا فعلا للقمر جيران، ننام على ضوئه وكانت ديارنا وبيوتنا مبنية من الحجر والتراب فنهجرها خلال اشهر الصيف فتتلذذ أبداننا بتلك النسمات العليلة التي تنزل ليلا ولو انها على درجة من الرطوبة وتستريح جدران الغرف من سموم أجسامنا وغازاتها حتى لما نعود إليها اوائل الخريف، تبدو وكأنّها جديدة.
وحتى لما يغيب، فإنّ القمر يعود إلينا مسرعا لأنّه لم يكن يرضى لنا بمصاريف إضافية على قلّتها كنّا ننفقها إمّا لاشعال «فتيلة الزيت» للأغلبية الغالبة او لمبة الكربل (او الكربون) او «فنار القاز» او «البريموس» للأقلية المترفة، ان جازوصفها كذلك.
حتّى الكهرباء لم يكن غريبا علينا، فقد كان متوفرا في العديد من القرى إلى جانب المدن طبعا ولكن استعماله كان قليلا.
إلى ان بدّل اللّه الارض وسلوك من عليها.
حتى في الأكل والتغذية، لم تكن الامور معقدة ولم تكن تزيد عن سداد الحاجة. كان الناس يأكلون قليلا، في وجبات منظمة، يقتصرون على غذاء واحد، يصنعون ما يحتاجونه على عين المكان، يتناولون الخضر والغلال الفصلية، لا يخلطون الخبز مع المقرونة، ولا الخضر مع الكسكسي، ولا يأكلون اللحم إلاّ بمناسبة.
إلى ان بدّل الله سلوك الناس وعاداتهم وطباعهم وميولاتهم ورغباتهم وطموحاتهم.
ذهبت الحرب الكبرى وجاءت بعدها الكثير من الاحلام، وزادت هذه الاحلام لا فقط بظهور النفط بل بتطوّره الى مادة أساسية ترتكز عليها الحياة، ينطلق بها الاقتصاد وينتهي إليها.. فإذا بها الطفرة التي فاضت من كل الجوانب وعلى كل الجوانب، وإذا بها الانجازات التي يتغنّى بها الجميع ويبرزونها في كل مناسبة ويفرطون في الحديث عنها والاشادة بها... حتى أن أصداءها لم تعد تصل الى الناس.
ننسى في كثير من الاحيان ان للانجازات على كبير منفعتها سلبيات واكبرها في تقديري التبذير والافساد.
انظروا الى ملعب رادس، إنّه انجاز عظيم فهل أحصيتم كم مرّة تعرض الى التكسير والتخريب؟
انظروا الى سلال المهملات والقمامة، فهل أحصى أحد منّا كم فيها من خبز وملابس وقطع مختلفة حتّى أنّه ظهرت فئة من الناس اختصت في «بربشة» صناديق وأكداس الفضلات لتغنم منها ما لا عين رأت.
راجعوا إحصائيات حوادث المرور لتروا كم يقتل التونسيون بعضهم بعضا وكم يحيل البعض منهم البعض الآخر على البطالة والاعاقة الدائمة والحرمان من لذّة الاباء أوالابناء، وكم من أطنان حديد يبعثون بها الى الخردة.
ويستفحل المشكل عندما نرى أنّ أغلب الضيم يقع على كاهل عامة الشعب الكريم حتى لا أقول الفقراء أو المستضعفين، فهم مثلا يفرطون في أكل المعجّنات من خبز ومقرونة وغيرها، حتّى يشبعوا ملء بطونهم، يساعدهم في ذلك تواضع سعر خبزة او وجبة مقرونة قياسا مع سعر صحن لحم مشوي أو صحن سمك مقلي... ولتر من الزيت النباتي مقابل نفس الكمية من زيت الزيتون، منتوجنا الوطني. وتواضع الأسعار هذا ناتج من دعم الدولة ومن التعويضات التي تعوّدت أنّ تدفعها لتغطي الفارق بين سعر الكلفة وسعر البيع. وهنا وجب التذكير عرضا أنّ مؤسسي الدولة التونسية الناشئة بعد الاستقلال ومنهم عدد كبير من النقابيين بنوها على أسس اشتراكية (انظروا في الجدول المرافق حجم الدعم المبذول في المواد الغذائية).
يستفحل المشكل مرة أخرى عندما نرى ان ضيما كبيرا يسلط على فئة دون أخرى لا سيما في باب اقتناء السيارات مثلا، فالقديمة منها، المفرطة في استهلاك المحروقات وقطع الغيار والمتسببة في أكثر الحوادث ضررا بالعباد والعتاد هي المملوكة لعامة الناس... او عندما نرى ابناء هؤلاء عاطلين عن العمل رغم تضحيات أوليائهم من اجل تعليمهم حتى حصولهم على شهادات عليا. ويمكن تعداد الكثير من المضاعفات المماثلة التي تنشأ نتيجة عدة عوامل منها التبذير والافساد كما ذكرت، ومنها الانحرافات وسوء التوجيه والاستعمال او الانتقائية او الانتفاعية ومنها أيضا ضريبة النجاح.
يبقى ان الحديث يجب ان يتجه في النهاية الى الحلول.
وأوّلها في رأيي الشخصي مصارحة الشعب بالحقيقة كاملة والحديث إليه عبر كل المنابر بلغة صريحة واضحة ومبسطة للغاية، تسمّى الأشياء بأسمائها، ومن ذلك أنّه إذا كان لابدّ من إلغاء الدعم عن بعض المواد، جزئيا أو كليا، فلنفعل ذلك ونقوله جهارا، نهارا، صباحا مساء.
ثانيا أن تبادر الدولة ببعض الاجراءات ومنها ان تتولّى ولو على حساب احتياجات أخرى تشغيل أكبر عدد ممكن من طالبي الشغل وخاصة حاملي الشهادات دون إقصاء أو تمييز، ومنها أن تتولى اتخاذ اجراءات تقشف صارمة في باب المصاريف اليومية وخاصة منها المتجهة للطاقة.
ثالثا، طرح قضية الدعم والتعويض على بساط الدرس والنقاش قصد الوصول الى قرار واضح وصريح يلتزم به الجميع فإمّا إلغاء تام أو إلغاء جزئي او إبقاء تامّ.
رابعا، تكفّل الدولة بطريقة أو بأخرى بقبول ما يتوفّر من انتاج فلاحي، حتّى ولو كان زائدا عن الحاجة، مثل البطاطا والحبوب والحليب وغيرها.
خامسا، الامتناع عن توريد بعض البضائع التي لا ضرر يحصل للناس عند فقدانها مثل البطاطا... أنا لا أفهم ولا أقبل لماذا تحمّل الدولة (او حتى بعض الاطراف الخاصة) نفسها مشقة توريد البطاطا، فهل هي مادة أساسية، هل هي حياتيّة، ألا يمكن الاستغناء عنها، ألا يمكن اقتراح بديل عنها؟
ألم نتفق جيمعا أنّ الأكل من وراء البحار مذلّة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.