الصحبي بكار بعد حادثة الاعتداء عليه: "اخدموا على فريقكم وخلّصوا ديونكم... وأخطاكم من الحليب"    للمرة الأولى.. زراعة قرنية "ثلاثية الأبعاد" في إنسان    كأس ديفيز للتنس: تأهل المنتخب الإسباني للدور نصف النهائي    "مفاجأة" في خطة إنهاء حرب أوكرانيا.. ضمانات غير مسبوقة    في مناقشة مشروع ميزانية وزارة الشؤون الثقافية: انتقادات لضعف أداء القطاع الثقافي وتأخر البرامج والمشاريع    "تعزيز دور للشباب في استراتيجيات التنوع البيولوجي، المناصرة المناخية والحفاظ على الطبيعة "محور ورشة بالشراكة بين الصندوق العالمي للطبيعة ووزارة البيئة    مكسيكية تفوز بلقب "ملكة جمال الكون" 2025    في مناقشة مشروع ميزانية وزارة الشؤون الثقافية: انتقادات لضعف أداء القطاع الثقافي وتأخر البرامج والمشاريع    المنتدى المتوسطي للذكاء الاصطناعي: خطوة لتعزيز التعاون الإقليمي وبناء ريادة تكنولوجية في المنطقة    وزير التربية : الإصلاح التربوي في تونس سيقوده المجلس الأعلى للتربية    لبنان.. تحديد موعد محاكمة الفنان فضل شاكر أمام المحكمة العسكرية    إيران: الوكالة الذرية خرقت التزاماتها واتفاق القاهرة بات بلا قيمة    نابل الهوارية: لهذه الأسباب زراعة الكاكاوية... مهدّدة    في 1550 عملية مداهمة: حجز بضاعة ب30 مليارا في 30 يوما فقط    المعلّق الذي شغل الناس .. عامر عبد الله موهبة إماراتية بروح تونسية    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    الضريبة في الإسلام رافد هام من روافد التنمية    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    عاجل: المسرحية التونسية'عطيل وبعد' تحصد 3 جوائز في مهرجان الأردن المسرحي    JMC VIGUS ب 70 مليون : البيك آب اللي كسّر الأسعار في تونس    الدكتور محمد جماعة يحصد جائزة الباحث الناشئ – المسار الإقليمي ضمن جائزة الحسين لأبحاث السرطان 2025    الشتاء والماكلة: وقتاش ''لازمك تتعشى'' بش تحافظ على صحتك ؟    ضوء خفي يهدد قلبك.. دراسة تكشف خطرا أثناء النوم..!    المؤرخ عبد الجليل التميمي في حوار مع وات: "من الظلم ألا يقع الاهتمام بمن بنوا هذه الأمة، وأن تقبر شهاداتهم بموتهم"    عاجل/ شخص يضرم النار في خمس سيارات ويحاول حرق السادسة..    قهوة مصنوعة من الصراصير تثير الجدل    سجّل في الباك 2026 قبل ما يفوتك الوقت: آخر فرصة لغاية 20 نوفمبر!    عاجل: تحذير...الثلوج والأمطار الغزيرة في الطريق للجزائر وتونس    التحقيقات شملت 13 متهما من بينهم صديقتها: تفاصيل جديدة في قضية مقتل رحمة لحمر..#خبر_عاجل    عاجل : خبر سار لصغار الفلاحين التونسيين ...اجراءات جديدة و هذه أهمها    كأس العالم 2026: النتائج الكاملة لقرعة الملحق الأوروبي    كأس العرب: التركيبة الكاملة لطاقم تحكيم مواجهة المنتخب الوطني في المباراة الإفتتاحية    يحي الفخراني في تونس    البنك الدولي يؤكد استعداده لدعم تونس في مجال المياه والأمن المائي    الإعلان عن قائمة الأعمال المشاركة في مسابقة قرطاج للسينما الواعدة    عاجل: وزارة الأسرة توضح للتونسيين تفاصيل فيديو''الاعتداء على الطفل في الروضة''    قبلي: انطلاق فعاليات شهر التمور من المنتج الى المستهلك بالعاصمة بمشاركة 40 موزعا من قبلي وتوزر    ميزانية الدولة 2026: الزيادة في اعتمادات وزارة التربية بنسبة 8,16 بالمائة    عاجل/ منع الصحفيين من حضور جلسة محاكمة برهان بسيس ومراد الزغيدي..    تحذير: انخفاض كبير في درجات الحرارة يوم السبت    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025) – ميدالية برونزية لميساء البريكي في منافسات الجوجوتسو لوزن تحت 57 كلغ    أشرف حكيمي يفوز بجائزة أفضل لاعب كرة قدم أفريقي لسنة 2025    كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة    الرابطة الثانية - الهادي المقراني مدربا جديدا لمستقبل القصرين    عودة أيام الصيانة هيونداي «Hyundai Care Days» : ألفا هيونداي موتور وتوتال إنرجيز يجددان التزامهما بحملة ما بعد البيع المميزة من 17 إلى 28 نوفمبر 2025    ترامب يعلن عن موعد ومكان لقائه مع 'خصمه اللدود' زهران ممداني    وثائق إبستين تفجر الجدل مجددا.. البيت الأبيض حاول التأجيل وترامب يغيّر موقفه    حيلة زوجان حققا تخفيض مذهل في فاتورة الطاقة    تصنيف الفيفا : المنتخب التونسي يتقدم الى المرتبة 40 عالميا    الدكتور ذاكر لهيذب: ''ملعقة زيت الزيتون... درعك الأوّل ضد الجلطات''    من 28 نقطة.. تفاصيل خطة واشنطن للسلام بين روسيا وأوكرانيا    اريانة:جلسة عمل حول النظر في أعمال اللجنة الجهوية لمتابعة تطور الأسعار وضمان انتظام التزويد    طقس الخميس: أمطار بالجنوب الشرقي ثم المناطق الساحلية الشمالية    لماذا سمي جمادى الثاني؟ أصل التسمية والأحداث التاريخية    عاجل/ الكشف عن عدد الحجيج التونسيين لهذا الموسم    طقس اليوم: أمطار غزيرة ورياح قوية بعدة جهات    يفتتحه فيلم 'صوت هند رجب': مهرجان الدوحة للأفلام ينطلق غداً بمشاركة 97 فيلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تركت الحصان.. وحيدا؟
بمناسبة أربعينية درويش :
نشر في الشعب يوم 20 - 09 - 2008

اليوم وبعد مرور أربعين يوما على وفاتك نقف وقفة اجلال واحترام لذلك الجندي الذي حارب الاحتلال بقلمه وأفكاره فكانت على المحتل كالحجارة أو أشد قسوة، يا من حمل لواء الحرية ورفض الخضوع فكان كالجواد الهائج الذي لا يروضه الاّ نسيم الحرية، مرّ أربعون يوما على فراقك ونحن هنا موجودون، ولكن تأكد أنّه بعد عشرات السنين سنكون نحن قد ذهبنا وأنت الموجود، حي ترزق من خلال كلماتك وأشعارك ومبادئك التي حملتها وجبت بلاد العالم من أجلها، من أجل القضية التي كرست حياتك من أجلها، فمن هو محمود درويش وماهي أهم المحطات التي في حياة الراحل الى مثواه الأخير جسدا ولكنّه باق معنا روحا من خلال كتاباته وإشعاره.
محمود درويش هو الابن الثاني لعائلة تتكوّن من خمسة أبناء وثلاث بنات، ولد عام 1941 في قرية البروة الفلسطينية المدمرة والتي قامت مكانها مستوطنة اسرائيلية تدعى احي هود، تزوج درويش مرتين ولكنه فضّل البقاء حرّا طليقا.
بعد خروج الانليز واستلام الحركة الصهيونية لزمام الأمور بالبلاد واعلان قيام دولة اسرائيل لجأ درويش وهو في سن السابعة من عمرة الى لبنان ومكث فيها عاما كاملا ليعود بعدها متسلّلا إلى فلسطين ليجد قريته مدمرة، وبقي في قرية في نفس المنطقة تدعى قرية دير الأسد وهي شمال بلدة مجد الكروم في الجليل لفترة قصيرة ليستقر بعدها في قرية الجديدة شمال غرب قريته الام البروة.
أنْهى درويش تعلمه الابتدائي في مدرسة دير الأسد متخفيا، فقد كان يخشى آن يتعرّض للنفي من جديد اذا كشف أمر تسلّله وعاش تلك الفترة محروما من الجنسية أو أي أوراق ثبوتية.
أمّا تعلمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف والتي تبعد كيلومترين شمال الجديدة، وانضم حينها إلى الحزب الشيوعي في اسرائيل والذي وجد فيه الكثير من فلسطينيي 1948 والتي شكّلت غطاء سياسيا لنضالهم الأول ضد العنصرية الصهيونية.
كرّس درويش شبابه في كتابة الشعر والمقالات في الصحف مثل الاتحاد والمجلات الجديد والتي أصبح فيما بعد رئيس تحريرهما وكلتاهما تابعتان للحزب الشيوعي كما شارك درويش في تحرير جريدة الفجر.
تعرّض عدّة مرّات للاعتقال من طرف سلطات الاحتلال الاسرائيلية منذ العام 1961 بتهم تتعلّق بأقواله ونشاطاته السياسية، وفرضت عليه الاقامة الجبرية من العام 1961 إلى أن غادر البلاد عام 1972 حيث سحبت اسرائيل منه الهوية ونفته خارج البلاد، ونزح وقتها إلى مصر، وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير هناك، هذا وشغل درويش العديد من المناصب المهمة في المنظمة أبرزها شغل منصب عضو في منظمة التحرير الفلسطينية، واستقال منها في العام 1993 احتجاجا على توقيع اتفاقية أسلو، وشغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرّر مجلة الكرمل وشغل العديد من المناصب المهمة.
ونال درويش العديد من الجوائز العربية والدولية أبرزها جائزة البحر المتوسط 1983 ، ودرع الثورة الفلسطينية 1981، وجائزة لينين في الاتحاد السوفياتي 1983، وجائزة الأمير كلاوس الهولندية، وجائزة السلطان العويس الاماراتية الثقافية مناصفة مع الشاعر أدونيس 2007، وجائزة لأونس 1969، ولوحة أوروبا للشعر 1981، وحصل على جائزة لانان الأمريكية، وجائزة القاهرة للإبداع الشعري، وكان آخر جائزة له هي جائزة الأركانه العالمية للشعر بالمغرب، وكان يفترض ان يتسلّمها في الرباط في أكتوبر على مسرح محمد الخامس. وقد كان لتونس حيز مهم من هذه التجربة الشعرية مكانا وبيئة، فألهمته القصائد وغمرته بحب كبير انعكس في قصيدة ودعاها عائدا إلى الوطن.
هذا وتجلّى حبّ تونس وتقديرها شعبا وقيادة ونخبا ثقافية وسياسية لشاعر فلسطين الكبير بمنح سيادة الرئيس زين العابدين بن علي له جائزة الابداع الثقافي في الذكرى العشرين لتحول السابع من نوفمبر 2007، كما نال الشاعر الراحل الوسام الأكبر للاستحقاق الثقافي في عام 2000، وقد نعاه الرئيس زين العابدين بن علي قائلا «ابن فلسطين البار وشاعرها الكبير».
وظل محمود درويش أحد أبرز المرشحين العرب لنيل جائزة نوبل للآداب، الاّ انّ حظوظه بنيلها ظلّت موضع شك ناجم عن الموقف الانساني والنضالي الذي يغلب على شعره، وترشّح عدّة مرّات لنيل هذه الجائزة ولكن يبدو ان كل ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية من وطنيين وأصحاب مبادئ وكل رافض للتنازلات وكل من قال لا في وجه الغطرسة الاسرائيلية والأمريكية والعالم الغربي الذي يلعب دور المتفرّج الأعمى عن أفعال اسرائيل مرفوض اعلاميا وعلميا وثقافيا فهم يرفعون ويعلون من يريدون ويقلّلون من شائن من يريدون ولكن الرموز أبت أن تتكسّر عند معاييرهم فهي تبقى واقفة شامخة في وجه العدوان والتعنّت والمواقف الدولية حتى وان انتهت من هذه الدنيا بالموت.
أقام محمود درويش بعد نزوحه من البلاد في كل من بيروت وفرنسا وتونس وذلك بعد عودته من المنفى في التسعينيات وجعل من مدينة رام اللّّه مقرّا له، ودخل إلى اسرائيل بتصريح لزيارة أمّه المريضة، وفي أثناء وجوده، هناك قام بعض أعضاء الكنيست الاسرائيلي العرب واليهود بتقديم اقتراح بالسماح لدرويش بالبقاء في وطنه، وقد سمح له بذلك.
ومن أبرز ردود الأفعال بنبأ وفاة الشاعر محمود درويش كانت في وسائل الاعلام الاسرائيلية وتصدر الخبر الصفحات الأولى في كل من معاريف وهاريتس وكتبت الأخيرة وفق صحيفة الحياة اللندنية «رحيل الشاعر الوطني» وجاء في عنوان بصحيفة يديعوت احرنوت «وفاة رمز فلسطيني» وتناولت وسائل الاعلام كافة سيرة الراحل درويش اضافة الى ان له دواوين ترجمت إلى اللغة العبرية، وأكدت هذه الكتابات وبيّنت ان محمود درويش من مواليد قرية البروة المهجرة والمهدمة في الجليل، وتحدّثت الصحف أيضا عن مغادرته وطنه في مطلع السبعينيات من القرن الماضي وتحدّثت عن الدور الذي لعبه في ابراز الثقافة الفلسطينية في المنابر العالمية. وأشارت الصحف أيضا الى الأزمة الحكومية التي كاد يسببها يوسي سريد في العام 2000 حين أصدر تعليماته بتدريس بعض قصائد درويش في المدارس الاسرائيلية ولكن رئيس الحكومة إيهود باراك خضع لضغوط اليمين الذي هدّد باسقاط الحكومة اذا لم يلغ قرار وزير التعليم يوسي سريد، وبرّر ذلك قائلا انّ الجمهور الاسرائيلي ليس مستعدّا بعد لخطة من هذا النوع.
كما تمنّى الشاعر الاسرائيلي اليساري اسحاق ليئور ان تسمح السلطات الاسرائيلية بدفن درويش في مسقط رئاسة في قرية البروة مبرّرا «لعلّ ذلك يمثّل بداية مرحلة طويلة من التكفير عن الذنوب ««وقال الشاعر الاسرائيلي عن درويش «زرع في أبناء شعبه الأمل عبر شعر محدد للغاية» وان التاريخ كلّف درويش بأن يؤدي دور الشاعر الوطني.
وكتب يهوشع في صحيفة معاريف والذي اعتبر نفسه صديقا للراحل درويش وذلك تحت عنوان «صديقي وخصمي» وفقا لصحيفة الحياة اللندنية ان «محمود درويش، الشاعر الوطني للفلسطينيين وشاعر المنفى واللجوء، كان شاعرا كبيرا أوّلا وقبل أي شيء، وامتلك عظمة شعرية حقيقية».
أمّا محرّر الشؤون العربية في صحيفة هارتس تسفي بارئيل فقد أشار الى آنّ «درويش لم يبخل في توجيه النقد الى قادة السلطة الفلسطينية تماما مثلما عرف كيف يشحذ سهامه ضدّ الاحتلال الاسرائيلي والقيادة الاسرائيلية وأضاف «إنّ عظمته الأساسية هي في البلورة الشاعرية الثاقبة للذاكرة التاريخية الفلسطينية خصوصا في قضية اللاجئين».
وكتب كل من روني شاكيد وسمدار بيري في صحيفة يديعوت احرونوت «انّ درويش أحد رموز النضال الوطني الفلسطيني وكان بالنسبة إلى شباب كثر القوة المحركة للنشاط السياسي الوطني».
لقد قدّم محمود درويش للقضية الفلسطينية ما لم يقدمه شاعر عربي آخر، وظلّت كلماته تهزّ الاسرائيليين وتخيفهم في العمق وتشكّل سيف الحقيقة المسلّط على رقابهم، ولقد كان لقصيدة «أيها المارون بين الكلمات العابرة» صدى كبير حيث اثارت هزّة عنيفة في مختلف أركان المجتمع الاسرائيلي، فهو يبيّن لهم ما حجمهم وشكلهم الطبيعيين وأصلهم الحقيقي.
لقد شكلت قصائد محمود درويش سلاحا ضد الوجود الاسرائيلي في فلسطين وكانت وسيلة للدفاع عن قدسيتها وأكد حق العودة للاجئين ورفضه للمفاوضات والتسليم وكانت ومازالت قصائده تمنح الفلسطينيين الثبات والقوة والعزيمة والايمان بصدق قضيتهم. نعم هكذا يكون العظماء فالشاعر لا يكون مفاوضا ومناضلا في ان واحد، الشاعر امّا أن يكون مناضلا ثوريا أو يكون مفاوضا.
هو شاعر المقاومة الفلسطينية وهو أحد أهم وأبرز الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر «الثورة والوطن» وهو من أبرز من ساهم في تطوير الشعر الحديث وادخال الرمزية فيه، وفي قصائده امتزج حب الوطن بالحبيبة الأنثى وترجمت أعماله إلى ما يقارب 22 لغة منها العبرية.
وجمعت الراحل محمود درويش والرئيس الراحل ياسر عرفات صداقة متينة وكان الراحل أبو عمّار يحترم درويش ويقدر شعره وهو من أطلق على درويش لقب «سفير الحلم الفلسطيني» ومن أبرز انجازات درويش مع الراحل ياسر عرفات ان الأخير كلّف درويش بكتابته نصّ اعلان الاستقلال الفلسطيني والذي تمّ اعلانه بالجزائر في عام 1988، وهو من كتب ايضا نص الخطاب الشهير الذي ألقاه الراحل أبو عمار في الأمم المتحدة عام 1974 والذي جاء فيه «اليوم أتيت إلى هنا حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من أجل الحرية في الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي».
خضع محمود درويش لعمليتين جراحيتين في القلب في حياته الأولى عام 1984 والثانية عام 1998، وكان للعملية الثانية الفضل في ولادة قصيدته المطولة «الجدارية» والتي يقول فيها «هزمتك يا موت»، ولكن عندما تطلب الأمر جراحة ثالثة أصبحت الأمور أكثر تعقيدا.
فلقد ذهب درويش الى فرنسا لعمل فحوصات وتحاليل والتي لم تكن نتائجها جيدة كما بيّن طبيبه الفرنسي، فتبيّن انّ الشريان الأورطي متضخم ويمكن ان ينفجر في أي لحظة، ولا علاج لذلك الاّ بعملية زراعة أخرى، ولكن حسب الطبيب الفرنسي انّ الجراحة بالنسبة لحالة محمود درويش تعني أحد أمرين إما الموت أو الشلل شبه التام، ولكن درويش قرّر الاستمرار وعمل العملية وقال في حديث جرى بينه وبين عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي «الشيء الوحيد الذي أعرفه انني لن أعود مشلولا، فأما في تابوت أو سيرا على قدمي. لكن القنصلية الأمريكية بالقدس لم تمنحه تأشيرة دخول «فيزا» لمراجعة المستشفى المتخصص بالشرايين في ولاية هيوستن الأمريكية، وذلك رغم أنّه تقدّم بطلب الفيزا قبل أربعة أشهر، ولعلّ هذا التأخير كان في صالح درويش الذي أنجز اثنتين من قصائده وشارك في عدّة أمسيات منها واحدة برام اللّه والثانية في باريس،
وبعد ان حصل درويش على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة الأمريكية للعلاج مرّ على بيته بالجليل، ولم يكن مسرورا كما قالت والدته وقالت عانقني وقبلني وقبل يدي، وأبلغني بقرار العملية التي يريد ان يجريها في القلب، وطلبت منه الاّ يذهب وان لا يجري العملية ورجوته في ذلك ولكنّه قرّر.
قرّر ماذا؟ يبدو أنّ شاعرنا أحسّ بما يدور من حوله وان النهاية باتت وشيكة فها هو محمود درويش وفي آخر أمسية شعرية له برام الله وذلك بافتتاح مهرجان «وين ع راما اللّه» وهو اسم مأخوذ من أغنية فلكلورية فلسطينية في شهر جويلية الماضي قرأ لقرائه خلالها مجموعة من قصائده الجديدة ومنها «سيناريو جاهز» و»لاعب النرد» و»ومحطة قطار سقط عن الخريطة» وتمّ بذلك المهرجان تكريم الشاعر محمود درويش وذلك بأن أطلقت بلدية رام اللهّ اسمه على أهم ميادينها وهو ما اعتبره درويش أفضل تأبين له، وقال في حينه «أود ان أشكر بأعمق المشاعر والعواطف مبادرة بلدية رام اللّّه بالاقدام على شيء غير عادي في حياتنا العربية والفلسطينية، فليس من المألوف ان يكرم الاحياء وهذه سابقة لا أعرف كيف استقبلها، ولكن مكاني ليس هنا، وليس من الضروري ان أكون في هذا الحفل، لأنّ الموتى لا يحضرون حفل تأبينهم، وما استمعت إليه اليوم هو أفضل تأبين أود ان أسمعه في ما بعد.
وتوفي الشاعر محمود درويش عن عمر يناهز 67 عاما في احدى مستشفيات مدينة هيوستن الأمريكية، وأجريت له مراسم تشييع رسمية بالأردن حيث ودعه رفاق الدرب والمسيرة ممّن لا يستطيع الدخول إلى فلسطين، ثمّ نقل بطائرة الهلكوبتر الى مقر المقاطعة حيث جرى له موكب جنائزي هو الأضخم منذ وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
تميّز محمود درويش بتفاؤله كشاعر وبتشاؤمه كسياسي، ولكن القلم سقط من يد شاعر الثورة فمن سيحمل قلم محمود درويش ليغرس في نفوس الشباب والأجيال القادمة حب الأرض والوطن، ولكن لا تقلق فقد تركت لنا ثروة شعرية قادرة على تخليد ذكراك ورسمت صورة لك لن يمحوها الزمن.
فما أجمل ان يرحل الانسان تاركا وراءه بصمة على الطريق ليقال من بعده من هنا مرّ فلان...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.