يُثار موضوع القواعد العسكرية في البلاد العربية، هذه الأيّام، وما تردّده الأنباء التي تناقلتها بعض الوكالات الاخبارية، ومفاده أنّ بعض الدول العربية عبّرت عن استعدادها لاستضافة قواعد الفيدرالية الروسيّة على آراضيها، والسؤال الذي يطرح هو: لماذا بادرت الدول العربية بتقديم العرض؟ وأيّ هدف من وراء ذلك؟ كان الاتحاد السوفياتي السّابق له نصيب من «الكعكة» العربية في القسمة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية.. اثر هزيمة العرب في حرب سنة 1967، انشطر العرب على أنفسهم بين «جبهة الصمود والتحدّي (العراق سوريا فلسطينالجزائر ليبيا اليمن الجنوبي)، ودول الاعتدال وهي البقيّة من البلدان العربية. وإذا عدنا الى الجذور، أي بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية، نرى أنّ الاتحاد السوفياتي هو الذي شيّد السدّ العالي في مصر، وقاعدة «بربرة» الصومالية، وزرع الايديولوجيا الاشتراكية في اليمن الجنوبي، وزوّدت هذه الدول بأسلحة متطوّرة، كانت الأداة التي جابه بها العرب القوة العسكرية الصهيونية. لكنّ الرئيس جمال عبد الناصر قد وافاه الأجل المحتوم في شهر سبتمبر 1970، وخلفه محمد أنور السادات الذي أنجز حرب 6 أكتوبر 1973 ثمّ منح الثقة كاملة للأمريكان في حلّ قضيّة فلسطين والصراع العربي / الصهيوني وقال بتأكيد واضح: «انّ الحل بيد الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة 99 وزار السادات القدس وخطب في الكنيست الاسرائيلي، وكانت اتفاقية مخيّم داوود (كامب دافيد)، وما تبع ذلك من تداعيات أهمّها، الانقلاب على العلاقات مع الاتحاد السوفياتي التي انحصرت وتقلّصت كثيرا حتى استأثرت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمنطقة.. وانهار جدار برلين، ومعه تفتّت الاتحاد السوفياتي وتقهقرت روسيا (وريثة الاتحاد السوفياتي) اقتصاديا وسياسيّا حتى كادت المجاعة تصيب الشعب.. وظلّ الحال طيلة العقد الأخير من القرن العشرين.. في تلك الأثناء، كانت روسيا تستقرض من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتبحث عن دائنين من السبع الكبار، وتراءى للولايات المتحدةالأمريكية: أنّ المرحلة سانحة لتركيز وحدانية الاستقطاب، ولا يتدعّم ذلك الاّ بنشر القواعد العسكرية وشنّ الحروب على بعض الدول «المارقة».. وفعلا نشرت، الى حدود سنة 2003، 40 قاعدة عسكرية ضمّت مليونا و400 ألف جندي... وضمن هذه القواعد توجد 13 منها في البلاد العربية والاسلامية، أمّا في في البلاد العربية فهناك: 08 قواعد عسكرية كان هدف الولاياتالمتحدةالأمريكية هو: محاصرة الدول التي تصفها ب «محور الشرّ» (ايران، كوريا الشمالية، وسوريا) وفينيزويلا وغيرها من الدول... لم يكن هذا الواقع يروق للشعب الروسي ولكلّ من يتحسّر على ضياع (مجد الاتحاد السوفياتي) الى أن تولّى الرئيس «فلادمير بوتين» الحكم سنة 2000، فحدّد لنفسه أهدافا منها: ايقاف القروض من الولاياتالمتحدةالأمريكية ثمّ بناء الاقتصاد الدّاخلي، وفي مرحلة ثالثة: تنمية التصدير واعادة الدور المفقود لروسيا... وصادف أن ارتفعت الأسعار بشكل جنوني للنفط، وروسيا هي رابع بلد منتج للنفط في العالم، لذلك، سدّدت الديون التي بذمتها قبل آجالها... وحرصت على ترويج الأسلحة لدعم اقتصادها، فتهافتت عليها الدول التي «حرمتها: الولاياتالمتحدةالأمريكية من الأسلحة المتطورة والتي لم تكن تبيعها حرصا منها على استمرار التفوّق الاسرائيلي في المنطقة...» كما أنّ روسيا غيّرت مواقفها في المحافل الدولية، وبرز اعتراضها على «السياسة الأمريكية» في عديد القضايا.. وفي شهر أوت 2008 اندلعت الحرب بين روسيا وجورجيا، وفوجئ الغرب بذلك، وتحدّى «القادة الروس» وأساسا الرئيس «ديمتري ميدفديف» حلف «الناتو» فانبهر المظلومون من الشعوب والأمم آملين أن يعود الدور العالمي لروسيا حتّى تعود أيضا ثنائية الاستقطاب. إنّ روسيا تشعر بضيم ازاء ما قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية في «كوسوفو» والعراق الذي كانت تربطه بالاتحاد السوفياتي اتفاقية تعاون وصداقة (شاملة بما فيها المجال العسكري) وكذلك افغانستان والتهديد الذي تمارسه الولاياتالمتحدةالأمريكية على كلّ من سوريا وايران والسودان.. والذي زاد الوضع سوءا هو نشر الدرع الصاروخي لتطويق روسيا وبعض الدّول التي لا تروق للأمريكان.. لذلك حرصت القيادة الروسية على تسجيل «رفض السياسة» الأمريكية، وثارت التصريحات والتصريحات المضادة، وهبّت رياح الحرب الباردة بين الغرب وروسيا ثمّ الصين... وقام الرئيس بوتين بزيارة للمنطقة العربية في أفريل 2005 وحرص على إحياء العلاقات القديمة مع بعض الدول: مصر والمغرب والجزائر ثمّ السعودية والأردن... وهناك مشاريع اقتصادية مع هذه الدّول... لكنّ مظالم الولاياتالمتحدةالأمريكية وغطرستها وهي التي تضع منطقة الخليج العربي ان لم نقل الجزيرة العربية تحت وطأتها، جعلت بلدا مثل سوريا ثمّ ليبيا يعرض «استضافة قواعد عسكرية» روسية، حماية من أمريكا / بوش النسخة الثانية. المهم أنّ الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتفظ لنفسها بما يقارب 200 ألف جندي موزّعين على 7 دول مع العراق. أخيرا نقول: إنّ مستقبل التقدّم والتنمية في البلاد العربية يحدّد بالاستقلال في القرار وحرية الأرض والتكامل بين الأشقاء وتوحيد المواقف في المحافل الدّولية.. وبذلك تتغيّر رؤيتنا إلى «القواعد العسكرية» الأجنبية ونُجمع كلّنا على رفضها.