تستفيق المحكمة الجنائية الدولية بعد مرور اسابيع على مسلسل الابادة الجماعية التي افتعلتها اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. لتصدر مذكرة اعتقال توجهها الى الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمسؤوليته في جرائم حرب اقليم دارفور بدل مسائلتها للثنائي ايهود باراك وتسيبي ليفني تحت اسم العدالة الدولية اصدر أوكامبو قرار ادانة البشير وبذلك اعتبره البيت الابيض فارا من وجه العدالة. ولكن اي وجه للعدالة هذا؟ لماذا تُصمم العدالة الدولية دائما على مقاس الدول الصغيرة ولا تطال الدول الكبرى؟ أو لم تنتبه هذه المحكمة الدولية الى تورط الدولة العظمى في جرائم ابادة جماعية من ضربها للفيتناميين بالاسلحة المحرمة الى غزوها العراق وقتها نحو مليوني شخص وتشريد 9 ملايين تحت طائلة كذبة وجود اسلحة دمار شامل. أليس من الأجدر ان يقف جورج بوش في قفص الاتهام بدل عمر البشير؟ أو ان تعتقل تسيبي ليفني وايهود باراك اللذين راهنا على جثث الغزاويين ورقة انتخابية للوصول الى الكنيست الاسرائيلي؟ كلها وقائع تسقط عن المؤسسات الدولية قناعها لتظهرها في صور كارتونية لا دور لها الا تأثيث المشهد الدولي والايهام بمصداقية الاحداث على مسرح الركح السياسي ووفق ارادة الدولة العظمى وحليفها اسرائيل. نغمة محاكم الجزاء الدولية لا تنقطع على عزفها إدارة البيت الابيض كلما أرادت على لسان مجلس الامن وبذلك يكون للعدالة الدولية وجه اخر تصنعه الولاياتالمتحدةالامريكية، وجه يجعلها تضع املاءاتها وفق أهدافها وتصوراتها التي ترسمها للمنطقة. وقرار ادانة البشير هو استكمال لتصور امريكا لما يسمى بالشرق الاوسط الجديد، تصور تدعم من خلاله نظرية الاحادية المركزية وتحقق به حلم الامبراطورية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فهي الآن بصدد اعادة ترتيب الكون والانتقال من النظام الثنائي الى الانفراد لقيادة العالم. هذه المرحلة الانتقالية تمكنها من بسط نفوذها على مختلف الاطراف في المنطقة اذ بغياب ملامح الشرق الاوسط القديم الذي بدأ منذ 1978 تاريخ اتفاقية كامب ديفيد التي عزلت مصر عن محيطها العربي وأخرجتها من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي، منذ تلك اللحظة بدأ التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية للدول ومع غياب منطق التحالفات اصبح من السهل على امريكا ان تتدخل في شؤون الدول الاخرى بدعوى ان الدولة الاقوى لابد ان تكون حريصة على سيادة الدول الاخرى لضمان استقرار العالم وتحقيق التوازنات الاقليمية. فأمريكا أمس هي أمريكا اليوم وما صدور قرار إدانة البشير في عهد الرئيس الجديد باراك أوباما الا دليل واضح على وحدة الاجندة الامريكية بقطع النظر عن شعارات التغيير الزائفة واختلاف القادة، فهذه الانتقائية في التعامل عند المساءلة والادانة التي تنطلق من الضغط على المناطق الضعيفة واحتوائها لا لشيء الا لأنها غنية بالثروات: فما أشبه مصير السودان اليوم بمصير العراق بالامس!!! أولم تكن حجة احتلال العراق القضاء على ديكتاتورية صدام والواقع يخفي مصلحة امريكية ملحة في السيطرة على منابع النفط العراقي. انه نفس السيناريو يعاد اليوم فاحتلال السودان يبدأ بمذكرة ادانة عبر أوكامبو ليتحول الى عملية تحرير من براثن ديكتاتور ويُمهد الامر بذلك الى جحافل المارينز للدخول الى السودان وتغير خارطتها السياسية بتقسيمها شمالا وجنوبا واتمام مشروع الشرق الاوسط الكبير.