نظّمت الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل بالتعاون مع جمعية القضاة الشبان التونسيين ندوة في إطار ملتقى علمي يوم 06 ماي 2009 بنزل سيفاكس بصفاقس وذلك قصد التفكير في إيجاد تصورات وحلول للمناولة! إلاّ أنه من خلال التغطية الإعلامية المنشورة بجريدة الصباح الاسبوعي بتاريخ 11 ماي 2009 تمّ تقديم مناولة اليد العاملة ومناولة العمل كأنهما وجهان لعملة واحدة دون التفريق بينهما ودون التركيز على مخاطر مناولة اليد العاملة أي السمسرة في اليد العاملة على النسيج الاقتصادي والاجتماعي وما تسببت فيه من مظالم وهدر للحقوق والكرامة واستغلال فاحش للعمال فضلا عن أعمال التحيّل التي قام بها هؤلاء «السماسرة» خاصّة فيما يتعلق بالتغطية الاجتماعية والتصاريح بالأجور وتأثيرها السلبي على مداخيل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيرها من عمليات التلاعب والتجاوزات لقوانين الشغل. لهذه الأسباب عمل الإتحاد الجهوي للشغل بصفاقس بكلّ هياكله على النضال من أجل القضاء على هذا الشكل غير القانوني من أشكال التشغيل حيث توصل الى دمج عدد كبير من هذا الصنف من العمال في الشركات المستفيدة سواء كانت عمومية أو خاصة وواصل الاتحاد تصديه لهذه الظاهرة في السمسرة في اليد العاملة التي يتمّ تمريرها زورا تحت مصطلح المناولة باليد العاملة رغم أنّ الفارق واضح وشاسع لانّ المناولة تكون في الاشغال وفقا للفصول 28 و29 و30 من مجلة الشغل المنظمة لمناولة العمل بصورة واضحة وجلية عكس هذه الحالة التي هي متاجرة في اليد العاملة ممّا يتناقض مع القانون وحتى مع القيم الإنسانية التي تفرض تحويل الإنسان الى سلعة او بضاعة تباع وتشترى. لهذا فالمشرّع منع في الفصلين 284 و285 من مجلة الشغل التوسط في انتداب العملة وألغى مكاتب التشغيل الخاصة سواء كانت بأجر أو دونه وهو يعدّ منعا صريحا لهذه لممارسة الشيء الذي اضطرّ وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن أمام تفشي ظاهرة السمسرة في اليد العاملة الى إصدار بلاغ مؤرخ في 02 أكتوبر 2002 ينصّ على التقيد بالفصول 280 و284 و285 من مجلة الشغل عند انتداب العملة سواء كانوا قارين او غير قارين إما عن طريق مكاتب التشغيل العمومية او مباشرة كما شدّدت وزارة الشؤون الاجتماعية في منشورها على تجميد كل الانتدابات الخارجية عن إطار القانون المشار إليه ويعرّض كل من يخالف ذلك الى العقوبات الواردة في الفصل 287 من مجلة الشغل. إذن، فالمناولة في اليد العاملة مرفوضة أخلاقيا وتشريعيا على عكس مناولة العمل التي ينظمها القانون وبالتالي فالسؤال المطروح لماذا كل هذه المحاولات المحمومة من قبل الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل على إيجاد الصيغ والمبرّرات لتقنين وشرعنة السمسرة في اليد العاملة والحال انه كان الاجدى بها تنظيم الندوات لمزيد إحكام الروابط الشغلية بالمؤسسات بشكل سليم بعيدا عن الاستغلال وسدّ الطريق على كل تحايل قد يلجأ اليه سماسرة اليد العاملة الى جانب تنمية ثقافة حبّ العمل ودفع المؤسسات للتقيّد بالانتداب المباشر وفقا للصيغ القانونية وحسب متطلبات العمل وحجمه حيث أن التشريع الجاري به العمل حاليا نظّم هذه العلاقة الشغلية بشكل واضح ودقيق عبر: 1 عقود الشغل غير المحدّدة المدّة. 2 عقود شغل محددة المدة. 3 عقود الشغل الحضائر. 4 عقود شغل الموسمية. وبهذا فإن الحديث عن مناولة اليد العاملة والحقيقة «السمسرة في اليد العاملة» هو ضرب صارخ ومناف لحقوق وواجبات المؤجرين واستغلال فاحش ومهين للشغالين وبالتالي تهيئة الأرضية لتقنين وشرعنة السمسرة في اليد العاملة من خلال الاطلاع على محتوى ثلاث محاضرات ألقيت في الملتقى المشار اليه اعلاه من قبل السادة: منصف الكشو الرئيس الأول للمحكمة الابتدائية بصفاقس عصام الأحمر قاضي ورئيس فريق عمل بمركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل النوري مزيد عميد كلية الحقوق بصفاقس، الذين اعتبروا أنّ الآراء الفقهية انقسمت بخصوص مدى شرعية مناولة اليد العاملة الى شقين أقرّ الأوّل عدم شرعية هذه الممارسات فيما أكد الثاني شرعيتها حتى وصلوا بالنتيجة الى إقتراح «قيم بموجبه احداث مؤسسات العمل الوقتي على غرار ماهو منصوص عليه بمجلة الشغل الفرنسية او المغربية دون الأخذ بعين الإعتبار المنظومات التشريعية برمتها لهذه البلدان وظروف إقرار مثل هذه القوانين مع احداث نظام قانوني متكامل يؤطر نشاط هذه المؤسسات...» هكذا!!! وحسب ما ظهر جليا من خلال المتابعة لهذه الملتقى التمشي الخطير لإيجاد المبررات لخوصصة مكاتب التشغيل العمومية وبالتراجع بما ورد من منع التوسط في انتداب اليد العاملة والغاء مكاتب التشغيل الخاصة سواء كانت بأجر أو دونه طبقا للفصلين 284 و285 من مجلة الشغل وبالتالي إعادة إحياء الامر المؤرخ في 18 فيفري 1954 الذي يسمح باستغلال العمال من قبل المقاولين في اليد العاملة، وبما أنّ هذا التوجه يعدّ أمرا خطيرا على السلم الاجتماعية وعلى العلاقات الشغلية داخل المؤسسات فإنّ الواجب الوطني يدعونا الى الوقوف ضدّه بكلّ الوسائل القانونية المتاحة حتى لا يتكرّر ما حدث لأعوان حراسة المؤسسات عندما تمّ تقنين هذه المهنة بالرغم من الاعتراضات عليها في ذلك الوقت من قبل المعنيين بالأمر. أمّا بالنسبة للتفقدية العامّة للشغل فإنّ مهمتها تبقى إلى حدّ علمنا السهر على تطبيق التشريع الجاري به العمل والحرص على المراقبة والتنفيذ وليس الاجتهاد والافتاء في ما لم يرد في مجلة الشغل وغيرها من القوانين المنظمة للعلاقات الشغلية ودون الانجرار وراء خيارات مرونة الشغل وإيجاد المبرّرات لتقنين السمسرة في اليد العاملة تحت عنوان «مؤسسات اسداء خدمات التنظيف مع هياكل عمومية» وهو ما يجعلنا نجدّد دعوتنا لهذا الهيكل الوطني الى الالتزام بالحياد في تقديم الاقتراحات الرامية لتأويل القوانين الجاري بها العمل فيما يخصّ الباب الرابع من مجلة الشغل وخصوصا الفصل 285 منه. وأمام ما ورد في هذا التقرير فإن الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس ينبه ويحمّل المسؤولية الكاملة لوزارة الشؤون الإجتماعية ووزارة التشغيل في عدم استقرار الشغل للعامل التونسي وعلى تعكير المناخ الاجتماعي بالبلاد في صورة أخذ بعين الإعتبار الفرضيات التي تقدم بها بعض المشاركين في تلك الندوة. كما يدعو الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس الأطراف الاجتماعية المعنية كافة إلى الالتزام بالتشريع التونسي الجاري به العمل والابتعاد نهائيا عن كل التأويلات لقوانين الشغل او تحريرها من جانب واحد.