نرجسيّ، أنويّ، عاشق نفسه... هذه بعض الصفات الأساسية لشخصية الكاتب، فهو يُراوح بين امحاء الذات وراء غرور الكلمة، وبين جنون العظمة ونفي الآخر وإلغائه... فهل تحتمل نرجسية المبدع تقديم تنازلات قد تخدش أنانيته المعلنة أو الكامنة؟ وهل يقبل الخلاق أن تقترن صورته بخلاق آخر قد يشكّل تهديدا لكيانه و»ألوهته»؟ وكم تراها تحتمل أناه الساحقة من تحديات عندما ينخرط طوعا في ورشة للكتابة الجماعية مع ذوات متعددة وهو يعلم جيدا أن الكتابة الجماعية ملزمة أكثر من الكتابة الفردية أو الثنائية لمَ تتطلبه من جهد ومثابرة وتضحية فعلية وتقاطع أكثر من ذات وإيمان بالكلمة وبالفكرة والهدف المعلن؟؟ إن الكتابة الجماعية مبنية على ثنائية الأخذ والعطاء، وأحيانا الاتفاق والاختلاف وهي تلخيص أو تكثيف لأكثر من «أنا» في ذات واحدة هي مجموع ذوات، ومن هنا يأتي التعدد والغنى في الرؤى والأفكار واللغة والدلالات والإيحاءات والإشارات التي تكتنزها مثل هذه الكتابة، والتي تجتهد كل ذات كاتبة ضمنها في كتابة نص واحد ينطلق من هاجس واحد يتوطد عبر السياق الداخلي للتأليف المشترك، يجمع التجارب المختلفة لكل ذات منفردة لتنصهر بالنهاية في رؤية واحدة هي منطلق النص وهدفه البعيد... فتعطي بذلك الموضوع المشترك التنوع المطلوب وغنى العناصر على الرغم من أن القارئ قد يلاحظ توحد النص وتبعثره في وقت واحد، وقد يتوتّر إيقاع الكتابة ونسقها هنا أو ينساب وينسجم هناك، ينقبض ويتراخى، لكنه حتما سيحافظ على تماسكه في السياق العام، من أجل الوصول بالمنجز الجماعي إلى غايته الأساسية وهي التفاعل بين الذواتات الكاتبة من جهة وبين القراء من جهة أخرى... فيظل النص حيًا متحركًا قابلا للتغيير... رافضا للتحنيط والتثبيت... والكتابة الجماعية، تلك التي تسمى «الكتابة بأربعة أياد» وفقا للتعبير الفرنسي، هي مشاركة إبداعية تعزز روح الأخوة والرفاقية بين العناصر التي تقوم بالعمل المشترك، هي كتابة صداقة... كتابة روح جامعة مشتقة من مجموع أرواح، ورغم أنها شكل نادر وقليل الانتشار إلا أنها كتابة شائقة ومتمردة بل وتنويرية أيضاً يُقبل عليها القارئ بنوع من الفضول، مستخدما مهاراته لفض الاشتباك بين كاتبين أو أكثر، آخذاً بتشريح النص المشترك بطريقته الخاصة في عملية فصل العبارات والجمل بعضها عن بعض، ليصل إلى روح كل كاتب على حده... وتفكيك النص المشترك وإعادة كل كاتب إلى لغته وأسلوبه... ورغم صعوبة المفاتيح الأولى للكتابة، إلا أن الكتابة الجماعية، تحرك ما كان ساكنا... وتجعل كل مشارك يكتشف أن هناك شيئاً ما يربط بين التجريب والتخريب، ذاك التخريب الإيجابي والبناء الذي يغذي داخل النفس الرغبة في تقصي الملامح والبحث الدائم عن العلات والأسباب... وتجريب من خلال الانتباه إلى تأويل غرض شكل الورقة وتحويل التصريح المرئي لها إلى إمكانية شكلية تحمل معان ودلالات تتمتع بسند واقعي ومن خلال الإيمان بأن الوظيفة الكتابية للكلام الورقي في هذه اللعبة تمثل لكل واحد من المشاركين فعل إدامة لتوازنه النفسي على الأقل... قبل أن يكون نصه «لحظة تدشينية» حسب مفهوم جاك دريدا للكتابة.