أيام قلائل تفصلنا عن موسم المهرجانات والاعراس وصخبها المتراوح بين المعقول والرديء والقبيح يؤمنها «عربونيكس» وجوقته وما يجود به علينا من أنغام لو سمعتها بل لو سمعت بعضها ستعتذر الأنغام... وككل سنة تكون التوطئة للمهرجانات «الكبرى» بأخرى صغيرة ميزانية وإشعاعا ولكنها كبيرة في لونها وبريقها وأصالتها، فهذا «الساف» في الهوارية يحلق بالناس بعيدا الى فضاء الامتاع والابداع، وهذا «الجلم» يفعل فعله في بني خداش فتعم الفرحة التي ينشرها مهرجان الجزّ وما يحويه من معان يحوّل قبض الصحراء الى عليل النسائم... وهذا مهرجان سيدي معط الله بعميرة الفحول من ولاية المنستير ينثر عبقه في أرجاء الجهة معلنا زمن الابداع والعطاء والخصب، هذا المهرجان بلغ هذه السنة دورته السادسة التي غاب عنها مندوب الثقافة لأنه مشغول بالمهرجان الدولي بالمنستير الذي يتولى ادارته منذ سنين خوالي، مما جعلنا نكتفي بالشاب رضا النايلي مدير المهرجان الذي استقبلنا ببالغ الحفاوة وحدثنا عن هذا المهرجان الذي اصبح محط الأنظار وطنيا وجهويا، والذي يتنزل في اطار احياء التراث وتمكينه في الذاكرة الشعبية فقد شهدت فقرات المهرجان تنوعا وتجديدا حيث كان الجمهور على موعد مع معارض للصناعات التقليدية اشتملت على عرض للعادات القديمة الفلاحي منها والمنزلي على غرار الاكلات الشعبية (كسرى بسيسة عصيدة شبتية) الى جانب إحضار أكلات اخرى مدمجة فيها بعض الاعشاب الطبية لفوائدها الوقائية والعلاجية (الاكليل الزعتر وأم الروسيا). فرجة واستعراض أما الجانب الفرجوي والاستعراضي فقد تمثل في لوحات الفولكلور الشعبي التي تحكي عن المرحول والجحفة والحصادة وما شابه، أمنتها فرقة البالي الاستعراضي بالساحل في لوحات مختلفة (العولة نسف القوف...) كل ذلك في التقاء طريف مع الفرقة الصعيدية المصرية بقيادة أبو الوفاء الصعيدي التي رسمت لوحات ذات نمط كوريغرافي بديع.. لتردف بالفنانة زينة الصرينية التي تغنت بسيرة وطقوس النجع في الحل والترحال من خلال تلك القافلة من الابل المتأنقة... المسبوقة بلوحات فروسية فيها من الفن ما فيها. خيمة القوافي من الفقرات التي أدارت الرقاب تلك العكاضية التي أثثها فطاحل الشعراء الشعبيين ومن بينهم علي كريد ومحمد بوسعيد وحسين عمروم والعروسي الطبلبي في قصائد نمقتها صرخات البنادق أو ما يسمى «الربيلا» التي تزلزل الارض كلما انطلق احد «الاباردية» كالسهم فينطلق الرصاص المدوي ويعم الغبار المكان... كلام آخر هذا الجانب الفرجوي تُوج بهدوء سمح للدكتور جعفر بن نصر بتطعيم الجانب الفكري للمهرجان في يومه الثاني من خلال محاضرة قيمة حول الصناعات التقليدية والفنون الحرفية في خدمة التنمية الاقتصادية.