بعد زلزال كامتشاتكا الروسية: تسجيل اضطرابات أرضية في الإسكندرية    أسامة الملولي يحلل الانقلاب الدراماتيكي لأحمد الجوادي    عاجل: لأول مرة في تطاوين: استئصال ورم بالأمعاء بتقنية المنظار الجراحي    وزيرة المالية تكشف آخر المستجدّات في ملف الاملاك المصادرة    الإفراج عن الناشط النقابي والمدني حاتم العويني ووصوله للأردن    جندوبة: وزير التجهيز ووزير أملاك الدولة يزوران مقاطع حجارة ببلاريجيا    النادي الصفاقسي يعلن رسميا رفع عقوبة المنع من الانتداب    طقس الليلة    في إطار إعداد مخطط التنمية 2026-2030: ورشة عمل وطنية حول الأمن المائي والغذائي    المنظمة الدولية للهجرة بتونس: تمكين أكثر من ألف مهاجر من العودة الطوعية إلى بلدانهم خلال شهر جويلية 2025    مدنين في صدارة ولايات الجنوب في عدد قتلى حوادث المرور خلال 2025    تونس تتجاوز معدّل الخمس سنوات الأخيرة: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب    عاجل: فحوى لقاء قيس سعيد بجورجا ميلوني    بعد انتظار طويل: الاعلان عن موعد ايام قرطاج المسرحية    وادي مليز: 04 سهرات فنية طربية في مهرجان شمتو للفنون والتراث بوادي مليز في دورته 32    كارثة صحية في القيروان: حجز 7000 قطعة لحم فاسدة موجّهة للمطاعم والأسواق    بطولة افريقيا للأمم لكرة اليد للوسطيات: المنتخب الوطني ضمن المجموعة الاولى    دولة عربية تسجل حرارة تلامس ال50 مئوية لأول مرة في شهر جويلية    أكثر من مليون تونسي يعاني من الشقيقة.. و''الكنام'' ما يعترفش بيها    بطولة افريقيا للأمم لكرة اليد للصغريات: المنتخب الوطني ضمن المجموعة الأولى    السويد تطالب أوروبا بتجميد الشراكة التجارية مع إسرائيل    تعطّل في الإسعاف ومفكّرها لعب؟ القانون ما يرحمش...شوف العقوبة الى تسنى فيك    عاجل/ العثور على جثة امرأة بهذا الوادي..    جريمة مروعة: زوج يطعن زوجته داخل المحكمة..    رسميا/ هذا موعد إنتاج وتوزيع ورق الكراس المدرسي..#خبر_عاجل    وزارة التجارة تكشف نتائج نشاط المراقبة الاقتصادية خلال هذه الفترة..    حفريات معبد تانيت...التوصل الى اكتشافات هامة    الاتحاد الاوروبي يشرع في تطبيق استثناءاتٍ لفائدة بعض المنتجات النسيجية التونسية    مباراة ودية: النجم الساحلي يفوز على نجم المتلوي    للّي كبروا على صوت ''البيس''...هذه حكايتكم!    الزهروني: محاولة قتل شاب خلال "براكاج" مروّع في الطريق العام    عمرو دياب يُفاجئ الجمهور: بكليب ''خطفوني'' بمشاركة ابنته جانا    قريباً: رفيق حفلاتك الأمثل بتقنية الذكاء الاصطناعي .. هاتف OPPO Reno14 F 5G هنا ليخطف الأضواء!    المعهد الوطني للتراث يستعيد ست قطع أثرية تمت إعارتها إلى معهد العالم العربي بباريس منذ سنة 1995    خزندار : محاصرة بارون ترويج المخدرات    موجتهم الأولى من الأمل: هيونداي تونس تُمكّن أطفالاً يتامى من اكتشاف البحر لأول مرة    تنبيه/ تراكم الدهون في الكبد ينذر بأعراض صحية خطيرة..    تأهل البولونية شفيونتيك والأمريكية كيز واليابانية أوساكا إلى الدور الثالث ببطولة مونتريال للتنس    عاجل من الافريقي: متوسط ميدان ليبي يمضي رسميًا    تونس تحصد 58 ميدالية في دورة الألعاب الإفريقية المدرسية بالجزائر    العربي بن بوهالي: تضخم مستمر وأرباح مرتفعة للبنوك والشركات... والفقراء يدفعون الثمن    من طبرقة إلى جرجيس: كل الشواطئ مفتوحة أمام التونسيين هذا الويكاند    تطاوين : فرقة "تخت للموسيقى العربية" تحيي حفلا بمشاركة الفنان الليبي علي العبيدي والفنان الصاعد محمد إسلام المهبولي    "لاس ميغاس" تهز ركح الحمامات بإيقاعات الفلامنكو الجديد    تونس تخرج من موجة الحر: تراجع الكتل الساخنة والأجواء منعشة    بلدية تونس تُعلن عن عفو جبائي لسنة 2025: امتيازات مالية هامة للمواطنين    تحب تحلّ حساب؟ البوسطة ولا البنك؟ هاو الفرق!    باحثون يطورون علاجا لهشاشة العظام...تفاصيل لا تفوتها    مدفيديف يرد بسخرية على تحذير ترامب له ا ويذكّره ب"اليد الميتة" النووية الروسية    عاجل/ دولة جديدة تعلن عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل..    نجاح أول عمليات منظارية على الأربطة المتقاطعة بالمستشفى الجهوي بقبلي..    إضراب النقل يُربك التنقلات في العاصمة.. و"التاكسي" يدخل على الخط: شهادات متباينة ومطالب مهنية    تاريخ الخيانات السياسية (31) البوّاب أخذ ألف دينار    سعرها حوالي 100 مليون دولار.. تحطم ثاني مقاتلة أمريكية "إف- 35" خلال عام    سهرة فلكية بمدينة العلوم    تاريخ الخيانات السياسية (30)...تمرّد المبرقع اليماني بفلسطين    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات من الثقافة الإسلامية بالقيروان
نشر في الشعب يوم 11 - 07 - 2009

تعني الثقافة في أصل معناها «الحذق في ادراك الامور، وحسن الفهم، وجودة التقويم» [أ د عمر سليمان الاشقر نحو ثقافة إسلامية أصيلة (ص 20)] أي إنّ الثقافة هي الاطلاع واللإلهام والتمكّن مما له صلة بالعلوم والمعارف بما يضمن لطالبها الاستيعاب الجيد والقدرة على توظيفها والتصرّف في مادّتها بهدف تنمية الفكر وبناء أسس حضارية مخصوصة بمجمل من الصفات تتصل بالمعتقد الديني وما يقتضيه من طقوس وعبادات وتقاليد وأعراف في المعاملات وما تمليه من أصول وقيم أو قواعد وآليات مما يميّز مجموعة بشرية متماسكة عن أخرى، وقد يكون أساس تماسكها العرق او الدين او اللغة او الوضع الجغرافي او غيرها من الاسس التي صاغتها عوامل محددة على مرّ التاريخ فالثقافة العربية تنسب الى الشعب العربي المسلم وغير المسلم لأن الاساس هو اللغة، والثقافة الاسلامية تنسب الى الشعوب التي اعتنقت الاسلام من العرب وغير العرب والثقافة الالمانية تهم اصحاب العرق الآراي واللغة الالمانية معا والثقافة الصينية تشترك في العرق مع شعوب اسيوية اخرى مثل اليابان والفيتنام وكوريا لكنها تختلف عنها من حيث اللغة والمعتقد...
هذا ولا تمثل هذه الاسس حدودا صارمة بين الثقافات اذ من سنن الله في المجتمعات الانسانية وجود أقليات تختلف من حيث العناصر المكوّنة لثقافتها...
أمّا الثقافة بوصفها إبداعا فهي ما ينتجه ابناء ثقافة ما في حدود اصولها وثوابتها على النحو الذي بينّا وهذا في حقيقة الامر ما يتفاوت فيه المبدعون في شتى فروعها اي مناحي الابداع فيها.
الثقافة الاسلامية
وهي المخصوصة بثوابت العقيدة الاسلامية وما اثمرته من تشريع ومناهج حياة اي نظام اجتماعي لا يفصل بين متطلبات الحياة الدينية والدنيوية فالدنيا والآخرة وجهان لعملة هذا النظام على عكس النظام الاجتماعي المدني الذي يفصل بين متطلبات هذه وتلك وعلى هذا الاساس سيكون للثقافة الإسلامية توجيه فاعل وحماسي. فالتجويد تنزيل متواصل للعلوية والمجرّد هو الناقل السعيد لهذه الكلمة الازلية الابدية في آخر طرف من سلسلة ترتفع الى الرّسول الاكرم وبالنسبة الى كلّ مؤمن يبقى القرآن وطنه الحقيقي.
وفي كلمة عن المؤلف نقرأ ما يلي «كان الشيخ عمر قد عيّن قاضيا لمدّة ثلاث سنوات تقريبا، لكنّه رغم قصر المدة، أثر في تاريخ مدينته ذلك ان القاضي في البلدان الاسلامية هو المنظّم الاكبر للمجتمع حتى لو كان ملجما من طرف السلطة السياسية المركزية فإنه كان يحظى بقول كلمة الحقّ (وهو قول يحمل على كثير من التحفّظ) (وكذلك) الحفاظ على السنّة وعلى العلاقات الطيبة بين الناس بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر» وهذا ممكن ما لم يصطدم بمواقف معيّنة صادرة عن السلطة المذكورة.
كتاب الاجوبة ابو القاسم بن عظّوم حققه محمد الحبيب الهيلة وهو كتاب في الفتاوى أي ما يمكن أن نسميه بالفقه التطبيقي في الشريعة الاسلامية جمعت مادة الكتاب وهي باللغة الصرفة المعروفة في المدوّنات الفقهية ضمن 11 جزءا يبلغ عدد صفحاتها (4100) والكتاب موجّّه لأهل الاختصاص في الشريعة والقانون مما يفسّر ارتفاع الثمن (200د. ت) اي أغلى كتاب نشره بيت الحكمة واللّه أعلم وما من شك في أن هذا الارتفاع يخفي محدودية النسخ المنشورة.
أ تنزيل الكتاب في سياقه التاريخي
«تكشف هذه الاجوبة (...) عن مشاكل الحياة الاجتماعية والسياسية التي عاشتها تونس بعد انعتاقها من الاحتلال الاسباني بداية تفاعلها مع السلطة العثمانية».
ب ماذا في محتواه ومنهجه وما قيمته الحضارية؟
المحتوى: «يتضمن الكتاب أجوبة أجاب بها المفتي أبو القاسم بن عظّوم عن أسئلة واستفتاءات عرضت عليه في مرحلة: افتتاح الدعوة / القاضي النعمان / تحقيق وداد القاصي / دار الثقافة بيروت د.تا/ وتحقيق فرحات الدشراوي / الشركة التونسية للتوزيع وديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر / 1986 ...
بعد هذه اللمحة الخاطفة عن بعض العناوين، نعرض 3 نماذج من نتاجات الثقافة الاسلامية بالقيروان قديما وحديثا:
ثقافة القرآن عمر بوحديبة وهو كتاب في «القراءات» حقّقه وقدّم له وعلّق عليه وترجمه الى الفرنسية حفيده عبد الوهاب بوحديبة صدر الكتاب باللغتين العربية والفرنسية في 96 صفحة عن بيت الحكمة تونس سنة 2004 جاء في تقديم الكتاب:
«استمدّ الاستاذ عبد الوهاب بوحديبة من وثائق أسرته مخطوطا نفيسا هي الاجازة في تدريس علم القراءات التي منحت لجدّه الشيخ عمر بوحديبة سنة 1175 ه / 1762م هذا النص النادر الذي يعد من امّهات المصادر، يضعنا في قلب العقيدة الإسلامية ولقد تأسست القيروان لإشاعة الاسلام ونشره فعانت في سبيله واستفادت في نفس الوقت من قداسته».
اتّسم عصره بالاضطرابات السياسية والاجتماعية والصراع بين الحضر في مدينة القيروان والبدو من القبائل المجاورة وما من شك في انه كان عصر تخلّف وجمود وانحطاط عقب عصور الازدهار التي عرفتها ربوع إفريقية (الأغالبة في القيروان والفاطميون في المهدية بالخصوص...)
ومن الصراع السياسي الاجتماعي الى الصراع الديني الثقافي بين فقهاء السنة ومشايخ الطرق الصوفية مما ادى الى «غياب المرجعيّة» السليمة لما بدا من مظاهر التزمت او اللبس والانحراف... كان المسلمون في عصر الشيخ عمر بوحديبة بحاجة الى عملية تصحيح مسار الامة والنهوض بإصلاح ما أفسده الدهر من أمر الشريعة، هذا الاسهام المبكّر في علم من علومها الغزيرة التي سيلتفت اليها المصلحون بعد بضعة عقود من الزمن أي بعد حلول القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي ومما ورد في التعريف بهذه الوثيقة / المرجع: «كان (أي ترتيل القرآن الكريم) أرقى سبيل لاستحضار كلام الله بكل حرارة استحضارا وموجّه لكل الانشطة الثقافية ونتاجاتها في العلوم والاداب والفنون والعنصر البارز في تلك العلوم انما يتوزع على محاور ثلاثة: التفسير والحديث والفقه، هذا وستمتلئ بنوك الثقافة الاسلامية على مرّ التاريخ بالمدوّنات الضخمة من المعارف المتّصلة بها في العالم الاسلامي كلّه بشرقه وغرْبه الناطق بلغة العرب ولغات العجم على حدّ السّواء ومن تلك الاداب، شعر ونثر ينهلان من معين العقيدة الاسلامية في التذكير بأيام الله شمل اشعار الحكمة والزهد والتصوّف وقصص الوعظ والارشاد وأدب الوصايا والرسائل والخطب ومن تلك الفنون العمارة والزخارف والمدائح والاذكار والانشاد.
الثقافة الاسلامية بالقيروان
وما يعنينا منها مباشرة في هذا السياق هو ما يتصل بعلوم الدين بقول أ.د. ابو لبابة حسين مدير مركز الدراسات الاسلامية بالقيروان في تقديم نشر كتاب «الحياة الادبية بالقيروان في عهد الاغالبة للدكتور محمد المختار العبيدي»: «ومن الحقائق عند علماء الاسلام قاطبة لا في نظر علماء القيروان وحدهم، ان الحديث والفقه والتفسير من العلوم الاساسية وهي علوم المقاصد اما اللغة والنحو والشعر فهي علوم مساعدة او هي علوم الوسائل» (ص ز )
وهذه بعض المصنّفات الاسلامية بالقيروان: المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب / أبو عبد الله بن عبد العزيز البكري / باريس /1911 تاريخ الدول الاسلامية بالمغرب / عبد الرحمان بن خلدون / الجزائر / 1847 معالم الايمان في معرفة أهل القيرواني / عبد الرحمان بن محمد الدباغ / تونس 1322 ه المؤنس في أخبار إفريقية وتونس / أبو عبد الله بن أبي دينار القيرواني / تونس / 1350 ه طبقات علماء افريقية أبو عبد الله محمد بن حارث بن أسد / الجزائر / 1914 ترتيب المدارك / القاضي عياض / تحقيق أحمد بكير محمود / دار مكتبة الحياة / بيروت 1387 ه، 1967م / وتحقيق جماعة من الباحثين المغاربة / الرباط / ذ، تا أحكام السوق / يحيى بن عمر / تحقيق حسن حسني عبد الوهاب / مراجعة فرحات الدشراوي / الشركة التونسية للتوزيع / 1975.
تولّيه الافتاء بتونس بداية من سنة 982 ه / 1574 م الى وفاته سنة 1009 ه / 1601 تقريبا».
منهجه: «يعرض فيها المؤلف اسم أو اسماء المستفتين واسم كل من له صلة بالقضية فيورد تفاصيل عن العائلات والقبائل والمدن والأماكن والمباني».
القيمة الحضارية: وعلاوة على ما ذكرنا، نراه «يتعرض لذكر أنواع الوظائف الشرعية والمعرفية والإدارية دون إهمال للصناعات والحرف والمظاهر الحضارية كالألبسة والاطعمة وغيرها».
كتاب مرجع في التاريخ الديني والثقافي:
«يعدّ هذا الكتاب مرجعا مفيدا للمتفقه في القوانين ومصدرا من أهمّ المصادر في التاريخ الحضاري للبلاد التونسية على مدى 27 سنة
د الكتاب في سياق التأليف التاريخي:
«يكمّل (هذا الكتاب) بعض الفراغ في المكتبة التونسية التي أصيبت بانقطاع الكتابة التاريخية اكثر من قرن (ما بين الزركشي صاحب «تاريخ الدولتين» وابن ابي دينار صاحب «المؤنس»).
ملحق جهد المحقق
«لقد اهتم بهذا الكتاب منذ سنوات الدكتور محمد الحبيب الهيلة وقدّم لنا تحقيقا تستقيم فيه القراءة الفقهية باصطلاحاتها وخصائصها كما تستقيم فيه القراءة التاريخية الحضارية في اواخر القرن السادس عشر للميلاد».
أردف المحقق هذا الكنز المعرفي من رصيد التراث الاسلامي بدراسة عن المؤلف وصدرت عن بيت الحكمة بعنوان «المفتي أبو القاسم عظوم في عصره لمعة نور في عصر آفل».
نسأل الله ان يبارك جهود أهل العلم من القدماء والمحدثين وأن يوفق الى الاستفادة من علمهم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين.
إعداد الاستاذ: عبد العزيز كمون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.