سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأجير، المؤجّر والمشرّع خلقوا ثقافة عدم الإكتراث بالصحة والسلامة المهنية الأخ رضا بوزريبة:
لم نَرََ من المجلس الوطني للتأمين على المرض سوى الخطب والشعارات...
يُمثّل ملف الضمان الاجتماعي بمختلف فروعه كالتأمين على المرض والتقاعد والصحة والسلامة المهنيّة من أهم الملفات المفتوحة بين الأطراف الاجتماعيين (حكومة وأعراف وعمّال). ويسعى الاتحاد العام التونسي للشغل من جهته دائما إلى التعامل مع هذه الملفات ضمن رؤية استراتيجية ومن خلال مقاربة وطنية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمحافظة على المبدأ التوزيعي التضامني بعيدًا عن الرأسملة وذهنية الإستحواذ والفردانية. عن هذه الملفات الثلاثة، وعن الندوة الوطنية لقسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية كان لنا هذا الحوار مع الأمين العام المساعد المسؤول عن هذا القسم الأخ رضا بوزريبة. بعد أن ساهمت الصناديق الاجتماعية في تنمية البلاد ونحت الاقتصاد الوطني باتت تُشكّل اليوم عبءًا عليه، كيف كان ذلك؟ التغطية الاجتماعية بصفة عامة انطلقت منذ أوائل القرن الماضي، وهي تعتبر نظامًا توزيعيّا تضامنيّا يضمن التوازن والاستقرار الاجتماعي بين مختلف الفئات الاجتماعية وبين كافة أصناف وأجيال الأجراء والمضمونين الاجتماعيين عموما، والمساهمات فيه تكون من الأجير والمؤجّر في مجالي الصحة والتقاعد ففي جانب التقاعد يتعلّق الأمر بتضامن الأجيال وتواصلها، والتأمين على المرض هو توزيع تضامني بين جميع الأطراف وليس هناك خدمات إن لم تكن هناك مساهمات. ماتقوم به الصناديق هي خدمات اضافية للأصل الذي هو التغطية الاجتماعية بجوانبها وقد ساهمت الصناديق الاجتماعية في نحت الاقتصاد الوطني بمَا وفّرته من مدّخرات هامة دفعت الاستثمارات بشكل مطّرد. اليوم نعيش وضعيّة مغايرة، فرضتها اختيارات الدولة الاقتصادية وأثرت بشكل كبير على توازنات الضمان الاجتماعي وأفرزت ما بات يعرف بتطهير المؤسسات العمومية. ماهي أهم العوامل التي سرّعت في اختلال التوازنات المالية للضمان الاجتماعي؟ يُمكن اجمال عوامل اختلال التوازنات المالية للضمان الاجتماعي في تونس في الانعكاسات السلبية للإختيارات الاقتصادية الليبرالية وتراجع قدرة الاقتصاد الوطني على احداث مواطن شغل، وكذلك تواصل التفويت في المؤسسات العمومية وارتفاع عدد المنتفعين بجرايات مقابل تطوّر بطيء جدّا في عدد المباشرين، وتعدّد حالات التقاعد المبكّر في القطاعين العمومي والخاص، وأيضا تحسّن مؤمل الحياة الذي بلغ 73 سنة. كذلك ارتفاع نسبة التغطية الاجتماعية في تونس وأيضا تحميل الضمان الاجتماعي أعباء جديدة في إطار ما يُعرف «التضامن» الاجتماعي لفائدة فئات اجتماعية ذات احتياجات خصوصية غير منخرطة بالضمان الاجتماعي. كما أنّ المصاريف تضاعفت، وبالمقابل تقلّصت المداخيل، وهناك جانب مهم أيضا ايجابي يتمثّل في من شملتهم التغطية الاجتماعية (عملة حضائر، عاملات منازل، فنانين، ممثلين...) فرغم قلّة أجور الشريحة الأولى وصعوبة تحديد أجور الشريحة الثانية فإنّهم جميعهم يتمتّعون بخدمات الصندوق. هناك أيضا مسألة تراكم الديون، بما فيها ديون الدولة؟ بالفعل مسألة الديون وتوازنات الأنظمة مسألة لا تقل خطورة وأهمية في نطاق النظام التوزيعي في بلادنا فالديون المتراكمة لفائدة صناديق الضمان الاجتماعي أضرّت ولا تزال بالتوازنات المالية العامة وتوازنات كل نظام على حدة، فالديون المتخلّدة بذمّة الأعراف والدولة وأنظمة غير الأجراء التي يتصرّف فيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تطرح مشكلا عويصا، والسؤال المطروح منذ عدّة سنوات بإلحاح هو لماذا تساهلت الدولة مع المدَينين، وهي واحدة منهم، في تسديد ما تخلّد بذمتهم ولو تدريجيا، مع العلم أنها مبالغ خياليّة. إنّ هذا الوضع يتطلّب التفكير بجدّية في تحقيق توازنات الأنظمة الاجتماعية وهناك مداخل وحلول كنا قد طرحناها في اتحاد الشغل ولانزال نطالب بها وبتفعيلها على أرض الواقع. هل لك أن تعطينا فكرة عن بعض هذه الحلول؟ هي حلول تتوزّع بين موارد الصناديق من جهة ونفقاته من جهة ثانية، منها بالخصوص اعطاء المفاوضات حول تحيين الأجور الأهمية القصوى فتجميد الأجور أو تحيينها ببطء شديد ينعكس سلبا على الدورة الاقتصادية ككل، أيضا التصدّي الفعلي قدر الإمكان لأنماط التشغيل الهشة (العقود محدّدة المدّة والمناولة..) كذلك إلزام الأعراف وأيضا العاملين لحسابهم الخاص بعدم التصريح بأجور دون أجورهم الحقيقية، وأيضا ضرورة عدول الدولة عن الاعفاءات من اشتراكات الضمان الاجتماعي التي تسديها لعدد كبير من المنخرطين، وكذلك مراعاة مبدأ الانصاف عند الاستخلاص في نظام الخطايا في القطاعين الخاص والعام، واعادة النظر في سياسة الدولة الجبائية واعادة النظر في تمويل منظومة الصحة العموميّة وعدم الخلط بين الضمان الاجتماعي والتضامن الاجتماعي. الحديث عن الصناديق الاجتماعية يجرّنا بالضرورة إلى الحديث عن ملف التأمين على المرض؟ ملف التأمين على المرض جزء لا يتجزّأ من منظومة الضمان الاجتماعي وقد باشرنا، كإتحاد شغل، المفاوضات مع الحكومة منذ سنة 1997 ومررنا بفترات صعبة وتطوّرات عديدة، وقد أفضى الحوار والتشاور والمفاوضات والحوار الى امضاء اتفاق هام بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج في ماي 2004، وهو اتفاق ايجابي في مجمله رغم أنّ عدّة بنود لم تُطبّق الى الآن، وأهم ما جاء في الاتفاق تأهيل القطاع الصحي العمومي وتمويل النظام القاعدي للتأمين على المرض، وبخصوص هذه النقطة فإنّ نسبة الاشتراكات المستوجبة على الأجير والمؤجر (75،6) ليست كافية للتأمين على المرض وهو ما يطرح مشكل تمويل الضمان الاجتماعي والوصول به إلى العجز التام وهو ما يدعو للتفكير في موارد أخرى لها. ماهي الموارد التي يمكن أن تنقذ الصناديق من عجزها؟ طرحنا عدّة أفكار ولدينا محضر اتفاق مع الحكومة التي لا ترى مانعًا في ايجاد موارد أخرى، وهذه الموارد يمكن أن تكون مباشرة من ميزانية الدولة مثلما هو معمول به في عدّة دول (الجزائر، جنوب افريقيا، مصر، كل دول أوروبا، أغلب دول جنوب أمريكا..) وهناك موارد غير مباشرة مثل الخصم على الثروة وتخصيص نسبة عائدات على بعض المنتوجات وايجاد مواطن شغل قارة هو الحل الوحيد لإعادة التوازن المالي للصناديق الاجتماعية، إذ لا يُعقل أن تتمّ توسعة مظلّة الضمان الاجتماعي دون التفكير في التوازن المالي للأنظمة ذات القدرة التمويلية الضعيفة. ثمّ انّه إذا تواصلت سياسة الانتداب والتشغيل على حالتها هذه كمًّا ونوعًا فإنّ كل الحلول ستسقط في الماء. يهتمّ القسم بشكل أساسي بمسألة الصحة والسلامة المهنية ومعلوم أنّ القوانين في هذا الجانب ماتزال غير مطبّقة بالشكل المطلوب؟ تعتبر القوانين المُسنَّى في تونس ايجابية بصفة عامة، الاّ أنّ الإشكال لدينا هو عدم تطبيق تلك القوانين، والمسؤولية في ذلك تعود على الأجير والمؤجّر، فالأجير لا يعطي القيمة الضرورية للأخطار المهنية بسبب عدم المعرفة والإطلاع على القوانين وأيضا لا يتجرّأ على المطالبة بحقوقه في هذا الجانب، والأعراف أيضا لا يطبّقون القوانين كما يجب، ونادرا ما تجد مؤسسة تنضبط لقوانين الصحة والسلامة المهنية وأعي ما أقول لأنّي عضو مجلس ادارة في الصناديق الاجتماعية ومعهد الصحة والسلامة المهنية، وكذلك هياكل المراقبة لا تتابع بشكل منظّم وصارم مدى تطبيق التشريعات. كلّ هذه الأطراف ساهمت في خلق ثقافة عامة تتمثّل في عدم الاعتراف أو الإكتراث بمسألة الصحة والسلامة المهنية. ولابد أن أشير في هذا الصدد أنّ الدولة التونسية لم تصادق على الاتفاقية 155 بشأن الصحة والسلامة المهنية وبيئة العمل وأيضا الاتفاقية 187 بشأن الإطار الترويجي للصحة والسلامة المهنية، وهما اتفاقيتان دوليتان على غاية من الأهميّة. وفي الإتحاد العام التونسي للشغل سعت بعض القطاعات بالتنسيق مع القسم مثل البلديات والنفط والكهرباء والغاز والتأطير والإرشاد التربوي لعقد ندوات تحسيسية وتوعوية بالمخاطر المهنية ولكنّها تبقى بالأخير تحركات ظرفية، ولنا برنامج مع جهة ابس سنعمل من خلاله على إرساء ثقافة تؤمن بقضايا الصحة والسلامة والبيئة وتتفاعل ايجابيا مع مشاغل العمّال في الوقاية وحماية محيط العمل. يستعد القسم لإنجاز ندوته الدستورية فماهي أهم خطوطها؟ يعمل القسم بصفة دؤوبة على إنجاز ندوته الوطنية في مجال التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية والتي ستنعقد خلال أواخر شهر أكتوبر 2009 ونحن بصدد اعداد ورقات عمل في كل الميادين التي يشتغل عليها القسم. سنقيّم ملف التأمين على المرض ونقوم بإعداد موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من المجلس الوطني للتأمين على المرض واعداد برنامج القسم في مجال الصحة والسلامة المهنية. الجديد في هذه الندوة هو حضور الهيئة الادارية بكافة أعضائها لتقييم ومناقشة مسألة التقاعد، كما سنعدّ لندوات إقليمية لمتابعة ملف التأمين على المرض والتفاوض حول التقاعد لنتوّج ذلك في المجلس الوطني بالمقترحات والتوصيات. على ذكر المجلس الوطني للتأمين على المرض كيف تقيّمون دوره هذا الهيكل؟ المجلس الوطني للتأمين على المرض يتركّب من الأطراف المعنية ويُعنى بمتابعة وتطبيق نظام التأمين على المرض وتقييمه لإتخاذ الإجراءات الضرورية، وتنصّ بنود اتفاق 8 ماي 2004 بشأن المجلس على احالة مشاريع النصوص الترتيبية (الأوامر والقرارات) على الاتحاد العام التونسي للشغل لإبداء ملاحظاته ورأيه فيها قبل صدورها النهائي وكذلك مشاركته في اللجان الفنية المختصة. ولا أخفيك سرّا ان قلت لك أنّ لدينا احترازًا على تركيبة المجلس وطريقة تسييره وإلى حدّ الآن لم نر غير الخطابات والشعارات من كلّ الأطراف رغم ما تبذله الوزارة من جهد واعداد.