في شتاء 2009 نفث البحر جثة غريق من «الحرّاقة» وألقى بها على شاطئ جزيرة نائية لما تغوص الشمس في مضجعها ويلبس الغروب معطف الخريف تأوي الطيور الى أوكارها.. يبقى الغريب والرصيف والبحر والمدى تزيد من جنونه الشجون والموج يركض كلاجئ يجيء من بعيد والريح تعصف بقارب يحاصره موته القريب تكسر عظمه النحيف وتفرغ الرياح حمله الثقيل تنشر لوحه وصرخة الغريق وتبرق السماء ببرقها العنيف فتركض الرعشة فيه والدماء وتسكن الوحشة قلبه الرقيق هذا الذي كان يلوح في الأفق يحمل رائحة أمه وصحبة الرفيق كان يطل كالقمر... يرنو إليه من بعيد يبني القصور ويعيد... بموته الحياة من جديد تكسرت ألواح قارب هزيل... تكسرت أحلام «حارق» فقير وانتشرت رائحة الموت وجثة الفقيد لم يبق غير الريح والدجى المخيف وموجة فوق الصخور والرصيف ورب صرخة أتته من هناك من بيدر شحت حبوبه ومات أو قرية يهجرها الخراف والرعاة أو خيمة تنام في الشتات ورب طفلة ومرأة هناك في البعيد تكسرت أحلامهن من جديد ورب شيخ سكن الشجون قلبه ومات لما أشاعوا موت ابنه الوحيد وذبحوه بالخبر وموجة غريبة مضت بإبنه الغريب وشردته وانكسر ورب طفلة تنادي لأب تركها وحيدة وغاب في لُجّة رهيبة يذوب... تنهش لحمه كلاب البحر والموج العنيد ورب زوجة أضاعت زوجها الحبيب وخبأت زينتها لحبها البعيد لكنها تجوع ويشرب الحريق دمها فتصرخ الرغبة فيها واللهيب ويعبث الشارع بالحب وزينة الحبيب ورب طفلة بحضن أمها تنام ترقب عودة أب طال غيابه وتاه في الزحام كانت بنية بعشها تنام... كأنها حمامه يغمرها دفء الحياة والسلامه لكنها استيقضت... فاجأها الخبر ودمعة بعينها ورعشة بدمها يقال: أنها تمارس وظيفة قديمة كأمها وتلعن السماء والقدر كان الغريب شهدا وشاهدا كأنه الشهيد بين الموج والحجر كأنه الفقيد غادر الحياة والريح تعوي والرصيف نام فوقه الردى والليل والدجى ووحشة المكان وتعصف الدموع والدماء بقلبه الحزين ويصرخ الغريب في المدى وبحة بصوته يعيدها الصدى شتاء 2009