نقابة الصحفيين تندد بحملة تحريض ضد زهير الجيس بعد استضافته لسهام بن سدرين    توزر: إمضاء اتفاقية بين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية لتحسين إنتاجية وجودة المنتجات الحيوانية    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيّ رابطة لحقوق الإنسان نريد؟ 1/2
محمد صالح التّومي
نشر في الشعب يوم 26 - 12 - 2009

تحيّة لبيان الاتحاد العام التونسي للشغل الصادر بمناسبة الذكرى 61 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمنشور بجريدة »الشعب« الصادرة بتاريخ 11 ديسمبر 2009 وتثمينا لتجديده:
»الدعوة إلى تمكين الرابطة التونسية لحقوق الإنسان من عقد مؤتمرها ومع احترام قرارات مناضليها باعتبارها مكسبا وطنيا يعكس ما أدركه مجتمعنا من خطوات... تسهم في الإرتقاء بالمنظومة الحقوقية ببلادنا« يطيب لي أن أتقدّم بهذه المساهمة المندرجة في سياقه.
انبعثت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في ماي 1977:
َ في ظلّ ظروف دولية تمتاز آنذاك بوجود معسكرين متصارعين هما المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي مع توجه الولايات المتحدة الأمريكية قائدة المعسكر الرأسمالي بعد هزيمتها في فيتنام إلى استعمال حقوق الآنسان كلحاف إيديولوجي تمويهي ترسيخا لصورتها كزعيمة لما يسمّى بالعالم الحرّ.
كما في ظلّ ظروف محلية تمتاز بتزايد الاستبداد البورقيبي نتيجة تهرم السلطة ودخولها في تناقض حاد مع المركزية العمّالية عشيّة أحداث 26 جانفي 1978، ما أثر منذ البداية على البنية التنظيمية والقيادية للرابطة الوليدة وعلى كيفية أدائها لوظيفتها.
ولقد عرفت الرابطة منذ لحظة انبعاثها في تلك الظروف سلسلة من الأزمات المتعاقبة التي لئن تجسّمت كلّ مرّة في شكل جديد فقد كانت تهدف كلّها وفي جوهرها الى إحتواء المنظمة والتأثير على كيفية أدائها لرسالتها وقيامها بالمهمّة المنوطة بعهدتها حسب قانونها الأساسي.
ولعلّه بالإمكان الرجوع تفصيليا الى هذه الأزمات من قبل كل المهتمين بالشأن الرابطي لتحليلها واستخلاص العبر منها، فهي مهمّة ضرورية ولا مناص منها، غير أنّ مجالنا هنا غير مخصّص لذلك لأنّنا ملزمون تحقيقا لأهداف المداخلة المطلوبة بالتركيز فقط على آخر أزمة عرفتها الرابطة كونها تكاد لأسباب خارجية وداخلية متشابكة أن تؤثر على وجودها في حدّ ذاته.
إنّنا نعني بحديثنا: الأزمة الأهم وربّما الأخطر التي عرفتها هذه الجمعية الحقوقية والتي ما انفكت تعيشها منذ انعقاد مؤتمرها الخامس سنة 2000 وإفرازه هيئة مديرة متكوّنة من وجوه مستقلّة عن الحزب الحاكم بل تعتبر »راديكالية« في استقلالها، فسرعان ما وقع اعتبارها مناوئة للنظام القائم، فكان مسلسل الدعاوي القضائية والمضايقات الإدارية والأمنية التي صاحبت كل محاولات نشاطها:
ما أوقعها في جملة من ردود الفعل المتتالية دفاعا عن شرعيتها فكاد ذلك أن يعطلها (بل لعلّه عطلها) عن القيام بالوظيفة الرئيسية التي انبعثت من أجلها ألا وهي: كشف الانتهاكات اليومية لحقوق الانسان والتصدّي لها ومعالجتها خدمة لقضايا الديمقراطية والتقدّم.
وما كشف من ناحية أخرى عن وجود مواطن للخلل في الحياة الداخلية لهذه المنظمة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها وعدم إثارتها.
لقد اتضح إذن من خلال هذه الأزمة الأخيرة أنّ هناك جملة من المسائل التي أصبح لابدّ من تدقيقها بهدف مساعدة المنظمة على النهوض من جديد للقيام برسالتها ولأخذ مكانها الذي يليق بها بصفتها أقدم منظمة في ميدانها بإفريقيا وبالوطن العربي.
وإذ يمكن تلخيص هذه المسائل في الاستقلالية وحدود الوظيفة الحقوقية ومعنى الإلتزام الوطني ومفهوم التسيير الديمقراطي ومعضلة التمويل وفلسفة الإنخرط، فإنّ البعض قد يرى في هذه المسائل بديهيات متفق عليها، ولكنّنا وعلى العكس من ذلك نرى أنّه في وقت الأزمات قد يصبح مجرّد تحيين المفاهيم وتأصيلها مهمة رئيسية بل يمكن الطموح من خلال ذلك لتحقيق الإضافة المرجوة مهما كانت نسبتها، وهذا هو المأمول.
1) في مفهوم الإستقلالية:
يندرج العمل الجمعياتي بصورة عامة في إطار المبادرات المجتمعية الهادفة في ظلّ الموازين الموجودة في أي بلد إلى القيام بوظائف تهملها الدولة إلى هذه الحدود أو الأخرى أو تنتهك مجالاتها بتصرفاتها.
وهكذا فإنّ هذه المبادرات المجتمعية سواء كانت نقابية أو ثقافية أو حقوقية أو علمية أو بيئية أو مندرجة في غير ذلك من الميادين تفترض كشرط أولي وأساسي لصحة قيامها أن تكون مستقلة عن السلطة الحاكمة.
وإذ توجب هذه الاستقلالية الاتصال بهذه السلطة للفت نظرها الى المسائل التي تهتمّ بها الجمعية والحصول منها على التفهم المطلوب لأهدافها والتعاون معها على تحقيق غاياتها فإنّها لا تنفي البتة امكانية التناقض معها وهو ما يفتح الباب لتجنيد الأنصار واقامة التحالفات تنكبا للسبل المختلفة للضغط المشروع الرامي الى تحقيق هذه الغايات.
وهنا فإنّ طبيعة أي جمعية تهتم بحقوق الإنسان تقتضي أن تكتسي استقلاليتها عن السلطة طابعا مشدّدا ومميّزا كون التجاوزات في هذا الميدان إنّما تتأتى أساسا من هذه السلطة بالذات، وحين نقول أساسا فذلك يعني أنّنا لا ننفي صدورها عن غيرها من الجهات أحيانا أخرى.
أمّا بعد ذلك فإنّ اهتمام الجمعيات عموما بمجالات محدّدة في قوانين تأسيسها يجعلها بالضرورة مختلفة عن الأحزاب السياسية: فالأحزاب السياسية تقوم على رؤية إيديولوجية موحدة لمعالجة قضايا لا حصر لها تتعلّق بالشأن العام فيكون من مشمولاتها محاولة الوصول الى السلطة السياسية واستعمالها عند الوصول لتكريس رؤيتها الإيديولوجية، وأمّا الجمعيات فهي أطر تقوم لخدمة مهام خصوصية وموحدة تتسّع معالجاتها لتدخل مكونات إيديولوجية مختلفة يمكن أن تتصارع بكل ديمقراطية داخل تلك الأطر وتتظافر جهودها (أي تلك المكونات) في ممارسة الضغط على السلطات الحاكمة، تنفيذا لما يوحد بينها.
وهكذا فإنّ تداخل الرؤى الحزبية المختلفة في الحياة الجمعياتية يوجب توسيع مفهوم استقلالية الجمعية بهدف حمايتها من كافة المحاولات التي يمكن أن تحولها الى مجرّد أداة وظيفية لفائدة هذا الطرف السياسي أو الآخر، وهو أمر ممكن الحصول نظريا وعمليا وتتيسّر معالجته من خلال إعلاء شأن مبادئ الصراع الديمقراطي والتداول على المسؤولية، كما من خلال الاحتكام الى قوانين أساسية وأنظمة داخلية مضبوطة ومحبوكة وقادرة على تنظيم قواعد اللعبة بشفافية وبنزاهة تامة.
ومن الطبيعي أنّ هذه القواعد لا تنضج ولا ترسخ الاّ عبر الممارسة الموصولة، والتي تتجسّم في التجارب التي يخوضها المنخرطون علاجا للأزمات التي تطرأ على صحة جمعيتهم، بل انّ هذه الأزمات قد تشكّل بهذا المفهوم مناسبات جيدة لمثل هذه المعالجات شريطة أن تبقى الجمعية بمنأى عن التدخل المنحاز الذي يمكن أن يصدر عن هذا الطرف أو الآخر وخاصة عن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لأنّ فلسفة العمل الجمعياتي تقتضي ترك المجال واسعا للمنخرطين للإهتداء إلى أمثل أرضية لتفاهمهم وتعاونهم كما تقتضي الإيمان من قبل الجميع بقدرة هؤلاء المنخرطين على حل مشاكلهم الداخلية بأنفسهم. وهذه مبادئ أقرّها بكامل الوضوح مثلا فقه القضاء بالبلاد الفرنسية وهي من البلدان التي اعتبرناها دوما مثالا يمكن أن نقتبس من تجاربه في نطاق ما نصبو إليه من نهضة وتقدّم.
2) في حدود الوظيفة الحقوقية للرابطة:
إنّ الوظيفة الخصوصية لأي جمعية تأخذ حقيقة تجليها من علاقتها بعاملي الزمان والمكان. فجمعية حقوقية موجودة بأوروبا مكانا لا يمكن أن تعمل في نفس الظروف التي تعمل بها مثيلتها بإفريقيا أو بآسيا أو بغيرها من القارات، أمّا المهام المطروحة على أي جمعية في لحظة زمنية معيّنة فقد تختلف نسبيا إلى هذا الحدّ أو الآخرعن تلك المطروحة عليها في لحظة زمنية أخرى.
وهنا فإنّ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تتموقع:
جغرافيا: في دائرة الوطن العربي الذي يعيش تحت وطأة الاعتداءات الصهيونية والإمبريالية المتواصلة ثمّ في دائرة البلدان التي لم تنجز عموما ثوراتها الديمقراطية وبقيت شعوبها عرضة كما يقول عبد الرحمان الكواكبي لمسالك الاستبداد.
أمّا تاريخيا فهي تجد نفسها في عصر ما انفكت تتنامى فيه السلوكيات الاستعمارية المتوّجة بالزحف الكاسح والمتعاظم للعولمة وما يصاحبها من عدوان يهدف جهارا الى نهب الخيرات ومحق الطموحات الوطنية وسحق الخصائص الحضارية للمجتمعات البشرية المستضعفة.
وكلّ هذه الملابسات من شأنها ان توسع مجال تدخل »الرابطة« موضوع حديثنا الى دائرة تتجاوز بالضرورة الدفاع عن ما يسمّى بالحريات الشكلية والفردية على غرار السلامة البدنية والمحاكمة العادلة وحق التنظيم وحق الرأي والنشر ليشمل الدفاع عن حق الأوطان تفعيلا لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير كما يمكن ان يشمل عند وجود العناصر التي بإمكانها التصدّي لذلك من منظور وطني تقدمي الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للجموع المضطهدة والمحرومة التي يتعاظم اضطهادها بفعل التشابك المتزايد للمصالح بين الإمبريالية وبين الطبقات الحاكمة المحلية، ويكون ذلك من خلال الدفاع عن منظومة هذه الحقوق التي وقع إقرارها خلال الفترات الذي كان العالم مسيرا فيه من قبل القوّة المتوازنة للمعسكرين الرأسمالي والاشتراكي وهي الحقوق التي من ضمنها حق الشغل وحق التعليم وحق الصحة والحق في العيش الكريم والحق في بيئة نظيفة وسليمة، والتي كان مؤملا تطويرها ولكنّه للأسف أصابها النكوص.
وهكذا فإنّ الوظيفة الخصوصية للرابطة الحقوقية لئن كانت وظيفة شاملة لمجالات متعدّدة ومترابطة فهي لا يجب أن تسمح لها أثناء أدائها بتعويض النقابات المهنية أو الأحزاب السياسية وذلك لأنّ مجال تدخل المنظمة الحقوقية هو مجال تكويني وتثقيفي مشوب بدرجة محسوبة من الاحتجاج المشروع، ومن هنا فهو تدخل رديف فقط لتدخل الأطراف الأخرى كونه يهدف إلى بلورة ثقافة حقوقية شاملة وتكوين شريحة واسعة من المناضلين المستعدين للدفاع عن هذه الثقافة في كافة مواقع تواجدهم السياسية والاجتماعية.
3) في الإلتزام الوطني
يقتضي بند الإلتزام الوطني للجمعية الحقوقية بالبلدان المولّى عليها إمبرياليا وقفة خاصة وذلك لأنّ الجهد التثقيفي والاحتجاجي لهذه الجمعية من المفروض أن يصب كائنا ما كانت الملابسات في معاداة الامبريالية ونشر ثقافة الممانعة والمقاطعة والمقاومة لمشاريعها. وهي مهمّة تزداد تأكدا مع التماهي المتزايد للإمبريالية مع الأهداف والممارسات الصهيونية في هذه اللحظات التي تعيشها الإنسانية.
ويوجد مجال واسع هنا في مثل هذه الجمعيات:
للتنديد بالحيف الذي ينبني عليه القانون الدولي والذي يجعله يكيل بمكيالين أحدهما للأقوياء وثانيهما للضعفاء، كالتنديد بكافة الاتفاقات الدولية غير المتكافئة والتي تفرض على الضعفاء شروطا تمسّ باستقلالية إرادتهم.
ولإستعمال كافة الإمكانيات المتاحة لمتابعة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أمام الهيئات المختصة.
وللعمل على إيجاد شبكات أمميّة فعلية تتكوّن من مناضلين حقيقيين مناهضين للهيمنة بمختلف أشكالها وهو ما يوجب الابتعاد عن الشبكات المشبوهة أكانت رسمية أم شبه رسمية.. أم مخادعة... التي ما انفكت تطورها الحكومات الإمبريالية وتسهر عليها أموال الشركات متعدّدة الجنسيات تلك الشركات التي أصبحت لها في عصر العولمة سياساتها الخاصة في كافة المجالات ومنها مجال حقوق الإنسان والتي أصبحت ترمي بشصوصها في كل مكان تزييفا للوعي الحقوقي والوطني لدى المناضلين وانحرافا بهم عن سبل النضال الحقيقي نحو سبل الوهم حتى تتمكّن من تحويلهم إلى مجرّد »تقنيين« في مجالات تدخلهم يبحثون عن الرفاهة والفخامة ويصبون من حيث يدرون أو لا يدرون في خدمة الأهداف الإمبريالية الرامية من خلال الاختراق والتجنيد والتوظيف إلى تمييع أوجه النضال كافة.
4) في التسيير الديمقراطي
إنّ تصدّي روابط حقوق الإنسان للدفاع عن الحقوق الأساسية أمام السلطات الحاكمة المدفوعة إلى التجاوز كما قال »مونتسكيو« بحكم وظيفتها وطبيعتها، يوجب عليها أن تكون هي قبل غيرها مؤسسات تحتذى للديمقراطية ومدارس راقية يمارس فيها احترام الرأي المخالف والتعايش معه، ومجادلته في كنف التواضع والإيمان بالنسبية دون تضييع للثوابت بطبيعة الحال.
كما يوجب عليها في ظلّ المناخات المعادية للحق الانتخابي المنتشرة بالبلدان التي لم تنجز ثوراتها الديمقراطية أن تصرّ عند أدائها لنشاطاتها على تمكين منخرطيها من ممارسة هذا الحق بكامل الشفافية دون السقوط في التحصيص الفوقي الذي يمكن أن يتمّ بين الفرقاء على حساب الديمقراطية الحقيقة والذي يشكّل بهذه الصورة وفاقا مغشوشا وغير مقبول. كما عليها أن تعمل على إعلاء قيمة التداول على المناصب وعدم احتكارها من طرف فعاليات بعينها بل والتنصيص بالأنظمة الداخلية على إجبار الجميع على القبول بثقافة التداول لأنّه كما قال وكما مارس ذلك أيضا الزعيم الافريقي »نيلسن منديلا«: »لا وجود لشخص ضروري دائما«.
ولمّا كان مفتاح الديمقراطية هو عند النهاية في إعلاء كلمة القاعدة وفرضها على الهيئات القيادية باعتبار هذه الأخيرة مجرّد هياكل لتنفيذ السياسات التي تسطرها القواعد فإنّه لابد من دعم سلطة الجلسة العامة وإيجاد الآليات التي تجعل منها إطارا فاعلا بحق في تسيير الجمعية.
وكلّ هذا يقتضي بالنسبة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في وضعها الحالي الإكتفاء بالجلسة العامة الانتخابية التي ينص عليها قانونها الأساسي والتي اتضح أنّها في ظل الأزمات والموانع ولكونها محفزة للصراع على اقتسام المناصب ما انفكت تنعقد مرّة واحدة فقط كلّ أكثر من خمسة سنوات. فهي منذ تأسيس المنظمة سنة 1977 وإلى غاية اليوم لم تنعقد الاّ خمس مرات فقط باعتبار تعطل المؤتمر السادس قضائيا واداريا الى حدّ كتابة هذه الأسطر.
فلابدّ هنا من التفكير في جلسات عامة سنوية غير انتخابية يكون هدفها رسم سياسات الجمعية وصياغة أهدافها بكامل الدقّة حتى لا يبقى الأمر بين مؤتمرين موكولا لإجتهاد الهيكل القيادي وحده دون إمكانية لتصويب المسيرة من طرف أيّ كان.
كما لابدّ في هذا الإطار من تغيير صيغة المجلس الوطني الذي هو مجرّد هيكل استشاري في الظروف الراهنة وتحويله بين الجلسة العامة السنوية والأخرى إلى هيكل توجيهي له الحق في تأويل قرارات الجلسة العامة وإلزام الهيئة المديرة بما يراه مناسبا تطبيقا لها.
5) في معضلة التمويل
إنّ كون الجمعيات هي هياكل غير ربحية لا يعني عدم حاجتها إلى المال من أجل قيامها بوظائفها لكن القاعدة تقتضي هنا أن يكون تمويلها بصورة أساسية من خلال معاليم الاشتراك التي يمدّها بها المنخرطون. فهذه المشاركات تسمح للمنخرطين من خلال إجبار الهياكل القيادية على الرجوع إليهم للغرض، بمحاسبة تلك الهياكل وإبداء الرضى أو عدمه على أدائها. ولا يمنع هذا من أن تساهم الدولة في تمويل الجمعيات وذلك بتخصيص مبالغ معلومة تؤخذ للغرض من أموال دافعي الضرائب، ولكن شريطة أن تتمّ تلك المساهمة في نطاق تنظيمات قانونية واضحة تجعل من هذا الدعم حقّا تتمتّع به الجمعية بدون أيّ شرط من شأنه المساس من استقلاليتها.
وفي حدود ما سبق يمكن للجمعية مع الشفافية الكاملة ومع وجود أطر ضرورية للمراقبة المالية تنبثق عن المؤتمر في استقلال تام عن الهيكل التنفيذي أن تحصل على تبرعات أو هبات من طرف المناصرين لنشاطاتها.
كما يمكن لها في نفس النطاق وبنفس الشروط الصارمة أن تسهر على سياسات تمويلية اضافية من خلال تنظيم الندوات مدفوعة الثمن من قبل المشاركين وبيع المنشورات الخاصة وإقامة المهرجانات والحفلات التي تخدم أهداف الجمعية والتي يعود ريعها لميزانيتها. فتبقى هنا وبعد كل هذا وقفة خاصة فيما يتعلّق بالتمويل الأجنبي الذي أضحينا نشهد بمناسبته اصطفافا ذليلا أمام جهات مانحة لا يمكن أن تكون الاّ مشبوهة تتخّذ أشكالا مختلفة وتتقن إخفاء أهدافها تحت مسوح الأهداف »الخيرية« و»الانسانية« أو »المساعدة على دعم الديمقراطية« في حين أنّها تعمل على تجسيم سياسات الهيمنة للشركات متعدّدة الجنسيات.
وحكوماتها الاستعمارية ولا هدف حقيقي لها غير ترويض القياديين في مختلف الجمعيات وتعويدهم على الإئتمار بأوامرها اللطيفة حينا والتي قد تصبح خشنة عند الاقتضاء.
فعمل هذه الجهات المانحة إنّما يندرج بكامل البساطة ضمن ما نسميه »مثلث الهيمنة« الذي تتكوّن زاويته الرئيسية من مؤسسات الإمبريالية المتصهينة وتتكوّن زاويتيه الباقيتين من السلط الحاكمة الخاضعة من ناحية أولى ومن قيادات المجتمع المدني المطلوب ترويضها واختيار البدائل الحاكمة لفائدة الإمبريالية من داخلها من ناحية أخرى.
إنّ الإلتزام الوطني يقتضي رفض التمويل الأجنبي، وهذا ما انبرت له أصوات عديدة داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان مثلا منذ نهاية الثمانينات. وهي أصوات ما انفك يتزايد تأثيرها بفعل انكشاف نوازع الهيمنة الصادرة عن الهياكل الرسمية للإمبريالية (حكومات برلمانات) أو الهياكل المشبوهة المنبثقة عنها (مؤسسات خيرية مزعومة).. حتى إذا ما تعلّق الأمر بالتعاون الأممي النزيه والضروري مع الجمعيات المماثلة فإنّ ذلك يجب أن يتمّ في نطاق المعاملة بالمثل بهدف التعاون على بلورة المواقف والدفاع عنها أو التناصر النضالي أو التعاون على إقامة التربصات التكوينية والقيام بمختلف المهام التنسيقية.
6) في فلسفة الانخراط
يبدو موضوع الانخراط بمنظمة حقوقية تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان موضوعا محسوما ظاهريا وذلك قولا بأنّ مثل هذه المنظمة تتسّع لكافة المؤمنين بأهدافها مثلما هو منصوص على ذلك بقانونها الأساسي.
ولكن الموافقة على القانون الأساسي قد تصبح بهذه الصفة مجرّد شكلية يوقع عليها الراغب في الانخراط بغاية العمل من داخل الإطار على تحقيق أهداف تتنافى مع أهداف هذا الإطار. وهكذا فإنّه من الضروري بالنسبة إلى هذا النوع من المنظمات أن يقع التشديد في قواعد الإنتماء بل وأن يمنع ذلك الإنتماء على من عرفوا بممارسة التعدّي على حقوق الانسان أو من دافعوا أو وافقوا على ممارسات وأفكار من هذا القبيل.
فمثل هذا الاحتياط ضروري حتى لا يقع تخريب مثل هذه القلاع من داخلها، كما انّه من الضروري أن تكون هناك لجنة نظام منتخبة تسهر باستمرار على نقاوة الانخراطات من هذه الزاوية. ومثل هذا الكلام قد يبدو من قبيل الكلام المعاد لكن الإلحاح عليه وتطبيقه بدون تهاون هو من الواجبات الآمرة لأنّ اندساس العناصر المستبدة أو الفاشية ممكن إلى أبعد الحدود بل انّ بعض الجلاّدين قد يطلبون لأنفسهم شرف الإنتماء الى مثل هذه الأطر فلا ضرر والحالة ما ذكر من تزكية من يتقدّم للعضوية من قبل بعض الثقاة السابقين له في الانخراط. غير أنّ هذا التضييق المطلوب ليس من شأنه أن يجعل الإنتماء حكرا على السابقين فيغلقون الأبواب في وجه اللاحقين فيتكلس الإطار وتنعدم فيه الدماء الشابة التي من الواجب تدريبها على حمل المشعل. كما ليس من شأنه أن يمنع الجمعية من الانتشار الجغرافي حتى تكون أقرب ما يكون من مشاغل الناس وقادرة على التقاط أناتهم وشكاويهم دون أن يتنكبوا الصعاب التي تزيد من معاناتهم بغاية تبليغ أصواتهم إلى من يجب عليه سماعها في المراكز البعيدة.
وهنا لابدّ من الوقوف عند الاتجاه الجديد المعبّر عنه من قبل بعض القياديين في الهيئة المديرة الشرعية المنبثقة عن المؤتمر الخامس والذي ينادي بتحويل الرابطة إلى منظمة تقنيين لحقوق الانسان فمثل هذه الدعوة إذ تتمّ على ما يبدو تطبيقا للإتفاق مع البرلمان الأوروبي الذي يحرص من خلال التمويل على تقليص عدد الفروع من خلال دمجها وإعادة هيكلة المنظمة الحقوقية وصولا إلى حصر العمل الرابطي ضمن مجموعة من التقنيين يسهل التخاطب معهم من قبله وتأطيرهم في الاتجاه الذي يرغب فيه، فهي تنطوي على مخاطر عديدة لابد من تلافيها لأنّها تفتح الباب بسهولة للمال الأجنبي لاصطياد »التقني« المقصود استيعابه وتحرم المنظمة من الإشعاع الضروري الذي من شأنه تربية أوسع الشرائح الاجتماعية الممكنة في المواقع الجغرافية النائية أو المنسية على الممارسة الديمقراطية الحق وتعلم ثقافة المقاومة اليومية لمسالك الاستبداد وطرائق الإستعمار.
وختاما: إنّ ما سبق الإلماع إليه من أفكار أولية من شأنه بعث رابطة أكثر استقلالا تجاه كافة الراغبين في توظيفها ضدّ أهدافها وأكثر التزاما بثقافة مقاومة الإمبريالية وخاصة في طورها المتصهين ومعتمدة بالأساس على منخرطيها وأنصارها وعلى الموارد القانونية لتمويل ذاتها وعاملة على أن تكون مدرسة راقية للديمقراطية وجاذبة فقط لأصدق الراغبين في الإنتماء لرحابها دفاعا عن حقوق الإنسان في شموليتها، أي بكلمة موجزة من شأنها أن تجعلنا نحصل على رابطة مستقلّة ووطنية وديمقراطية ومناضلة كيفما هو الشعار الذي تنتهي به أغلب لوائحها.
/1/ كتبت هذه المداخلة بتاريخ 2006/09/02 وألقيت في شكل محاضرة على منبر جمعية النهوض بالطالب الشابي بتاريخ 2006/12/24 وقد عقب عليها 15 متدخلا كانت مداخلة كل واحد منهم بمثابة محاضرة في حدّ ذاتها نذكر منهم: 1. ناجي مرزوق عضو الهيئة المديرة للرابطة. 2. محمد عطية رئيس فرع المنستير للمنظمة. 3. منصف الشريقي عضو قيادي بفرع الزهراء حمام الأنف للمنظمة. 4. جنيدي عبد الجواد من نقابة التعليم العالي. 5. نوفل الزيادي الأمين العام السابق للمنظمة الطلابية. والمناضلون لطفي وماني وحمادي كيتار وزهير الشرقي وغيرهم.
/2/ كاتب هذه المداخلة:
من باعثي فرع تونس الكبرى للرابطة في فترتها التأسيسية قبل انعقاد مؤتمرها الأول.
كان عضوا بأول هيئة وقع انتخابها بصورة ديمقراطية لهذا الفرع قبل تقسيمه (أي فرع تونس الكبرى) إلى الفروع المعروفة حاليا بولايات تونس وأريانة وبن عروس.
عضو بالمجلس الوطني للرابطة من 1988 إلى 2005، ونائب بمؤتمراتها.
رئيس فرع تونس باب بحر من 1989 إلى 2005. منسق الهيئة الوقتية للفرع المذكور منذ مؤتمر الدمج المنعقد في 27 فيفري 2005 والمطعون في قانونيته أمام أوّل مؤتمر قادم للمنظمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.