منذ عصور ما قبل التاريخ إرتبط إسم مدينة جندوبة بزراعة الحبوب وهو ما تؤكده الكتابات الرومانية على ممارسة من سبق الفينيقيين لهذا النشاط قبل قدومهم إلى بلادنا وتأسيس قرطاج والجم ودقة وبلاريجيا التي لا تبعد عن مدينة جندوبة سوى خمسة كيلومترات والتي إختلف البعض في فكّ معاني إسمها فمنهم من فسّره بالمدينة الجميلة أي la belle région وأكد البعض الآخر على أن إسم بلاريجيا يعني سوق الحبوب وهو الأقرب للواقع لإستمرارية هذه العلامة التاريخية الوطيدة بين هذا الاسم وزراعة القموح وتجارتها وجمال المنطقة نفسها هذه العلاقة تؤكدها مختلف الانشطة التجارية في الاسواق الاسبوعية وفي مواسم جني الحبوب.. ففي مثل هذا الوقت تشهد مختلف الاسواق بولاية جندوبة وخاصة منها اليومية عرض كميات من حبوب الشعير الاخضر أو «المرمز» كما يحلو للجنادبة تسميته حيث بلغ سعر القلبة (وهي وحدة الوزن التي يعتمدها الباعة وتقدر سعتها ب 13 كغ) بين 4 و 6 دنانير حسب جودة الحبوب. إقبال متزايد على المرمز ولأن بلادنا شهدت نزول كميات هامة ونافعة من الأمطار فقد تميز هذا الموسم بوفرة الانتاج وجودته الشيء الذي دفع بأهالي جندوبة إلى إقتناء كميات فاقت معدل السنوات الماضية إلى حدود الضعف بين العائلات التي مازالت تتمسك بهذه العادة وتوليها إهتاما كبيرا. إعداد المرمز يتطلب السرعة والخبرة بمجرد أن يجمع الفلاح كميات الشعير الأخضر يسارع الى نقله للسوق خلال سويعات أين يتمّ بيعه لتتكفل بإعداده النسوة خلال دقائق معدودة بطبخه على البخار ثم تركه يجفّ تحت أشعة الشمس وهذا الاسراع في طبخه ضروري حتى لا يتعرّض للتعفن والتلف. بعد أن تجف حبوب الشعير خلال يوم أو يومين حسب حرارة الطقس يتم قليه على نار هادئة بإستعمال «الطاجين» المصنوع من الطين وهنا تظهر خبرة بعض النسوة اللاتي مازال البعض منهن يفضلن رحيه بواسطة الرحى المصنوع من الحجر الطبيعي بينما بنات جيل اليوم أو البعض منهن يفضلن أخذه ورحيه في المطاحن العصرية وأول ما يطبخ منه «الملثوث» أو «البوتشيش» مع لحم الخروف ثم تحفظ الكميات الباقية لإعداد الزميطة والشربة خلال كامل السنة في شهر رمضان المعظم. مطالبة بمهرجان الاعلان تجولت بين أسواق مدينة جندوبة أين ينتصب باعة المرمز من شروق الشمس إلى غروبها وإلتقت ببعض المنتجين لهذه النوعية من الحبوب وهما فلاحان شابان من جيل اليوم عبّرا لنا عن رغبتهما في تنظيم مهرجان سنوي يهتم بإحياء هذه التظاهرة وبإجراء مسابقة في إعداد مختلف الأكلات المشتقة من الشعير على غرار مهرجان الكسكسي والشكشوكة والبرتقال والقرنيط .. في بعض أنحاء الجمهورية. تلك هي حكاية حبوب الشعير الاخضر أو «المرمز» وعلاقته بجندوبة التي تعود إلى ما قبل التاريخ والتي ظلت صامدة ولم تتزعزع بفضل أهالي جندوبة الذين تمسكوا بعاداتهم وتقاليدهم إيمانا منهم بضرورة الحفاظ عليها. وبقليل من الجهد والالتزام ومساعدة المسؤولين يمكن تنظيم بعض المسابقات أو المهرجانات قصد المحافظة على هذا التراث وترسيخ عاداتنا وتقاليدنا لدى الأجيال القادمة خاصة وأن الاندثار يهدّدها يوما بعد يوم مع أبناء هذا الجيل فهل تتظافر الجهود ويعي الجميع بالمسؤولية تجاه ذلك خاصة وأن جندوبة تفتقر كثيرا لمثل هذه التظاهرات.