الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت نهاية الأسبوع الفارط في ألمانيا، قد عجّلت بنهاية التوافق المزعوم بين حركتي النهضة ونداء تونس، في تراجيديا مأساوية برز خلالها الحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة "مغدورا''، في احد المعاقل التي انتصر فيها خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2014. بات من المرجح اليوم أن يضع حزب النداء بعد هذه الخيبة غير المتوقعة، توافقه مع حركة النهضة، على الميزان، بعد حوالي أربع سنوات من الالتقاء، عانى فيها الحزب مغبة الانقسام والانشقاق وفقدان شخصيات كان لها وزن سياسي وجماهيري محترم على الساحة السياسية. تشير كل التقديرات إلى أن حزب النداء يتوجه قريبا نحو إعلان "زلزال سياسي" في علاقة بتوافقه مع حركة النهضة، خاصة و أن بيانه الأخير أنبأ باعتزام الحزب القيام بمراجعات اعتبرها "شجاعة وضرورية في علاقته مع بعض الأطراف السياسية". وبالنظر إلى الظرفية التي صدر فيها هذا البيان، أي بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية في ألمانيا التي تصدرها المرشح "المستقل" ياسين العياري، فإنه من الواضح أن النداء لم يكن راضيا بهذه النتائج خاصة وأنه كان صاحب هذا المقعد للنائب السابق حاتم الفرجاني التي تقلد منصب وزاريا بعد التحوير الوزاري الّأخير الذي قام بها رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وبالعودة إلى مسار انطلاق الانتخابات، كان حزب النداء بمرشحه لهذه الانتخابات، "واثقا" من فوزه بالمقعد خاصة وأنه نال أكثر من 3 آلاف صوت خلال انتخابات 2014 بهذه الدائرة، إضافة الى الدعم المؤكد من حليفه في الحكم أي حركة النهضة التي قررت في بيان سابق دعم مرشح نداء تونس، فيصل حاج طيب، في هذه الانتخابات. وذكر البيان أن الحركة قررت دعم مرشح النداء والمساهمة في فوزه، بناء على قرار الدورة 16 لمجلس الشورى القاضي بعدم المنافسة على المقعد وتفويض المكتب التنفيذي بتنزيل ذلك، فيما عزت قيادات من الحركة عدم ترشحها لهذا المقعد لاعتقادها بأن النداء أولى بهذا المقعد، على اعتبار أن الحزب قد فاز به خلال الانتخابات التشريعية سنة .2014. تباعا كان مرد "الثقة العمياء" التي أسندها حزب النداء لحليفه حركة النهضة، أن يفاجئ الندائيون بتصدر ياسين العياري نتائج الانتخابات، في "صفعة" مفزعة زعزت كيان هياكل الحزب الحاكم انطلاقا من مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي، الذي ترجم ذلك في البيان الذي صدر عن الحزب يوم أمس. لا يخفى لأحد أن المرشح ياسين العياري قريب من التيارات الإسلامية المحافظة التي تحظى بحضور جماهيري محترم في ألمانيا، ما يعزز فرضية تصويت قواعد النهضة المحافظة له، وهي التي ترفض توجه قيادة الحركة نحو التوافق مع حزب النداء. ولا تنكر قواعد حركة النهضة في تونس وخارجها امتعاضها من سياسة التوافق مع حزب نداء تونس الذي يعتبرونه "مدا نيوتجمعيا"، لذلك فإن التصويت لصالح قائمة ياسين العياري قد يمثل دعما "لخط الثورة" العائد من بعيد وانتقاما غيرا مباشر من هذا التوافق. من الجانب الآخر لم تحف قيادات النداء "ثورتها" على هذه النتائج ودعوتها الصريحة إلى مراجعة التوافق مع النهضة، إذ أكد رئيس كتلة النداء بالبرلمان منجي الحرباوي في تصريحات صحفيّة، أنه من المرجح أن يتم سياسة التوافق مع حزب النهضة وهو نفس التوجه الذي يدعمه القيادي برهان بسيّس. والأكيد أن الأيام القادمة ستكون "حمّالة" لتقلبات شاملة ستعصف بمسار سياسة توافق قطبي الحكم في البلاد، وربما بتواصل عمل الحكومة الحالية التي مازالت تبحث عن سند حزبي قوي وثابت يدعم ديموتها إلى حدود سنة 2019.