رشحت حركة النهضة زعيمها راشد الغنوشي لرئاسة مجلس نواب الشعب خلال الفترة النيابية القادمة علما وأنها حلت في الانتخابات التشريعية في المرتبة الأولى وتحصلت على 52 مقعدا. وفيما يلي السيرة الذاتية لراشد الغنوشي كما وردت بموقعه الالكتروني: ولد راشد الغنوشي في22 جوان1941 بمدينة الحامة من ولاية قابس وفيها تلقى تعليمه الإبتدائي وفيها أمضى طفولته التي كانت ضمن عائلة بسيطة يقوم رزقها أساسا على الفلاحة والزراعة فكانت عائلة الشيخ تشتغل في الحقل ورغم أن الحال كان متواضعا إلا أنهم لم يشعروا بالحرمان لأن القناعة كانت تملأ القلوب و لم تكن العادات الاستهلاكية التي تحكم المجتمع التونسي اليوم قد استفحلت فد كان الناس قانعين بما يملكون. وكان عمل راشد الغنوشي يتمثل في تسويق منتوج الحقل فبعد أن يبيعه يشتري بثمنه بضاعة لا يتم إنتاجها في حقلهم مثل السكر و الشاي و الملح و الزيت. وكانت طفولة الشيخ راشد الغنوشي متراوحة بين الدراسة و العمل في الحقل و التجارة وكانت التجربة الصعبة التي عاشها الشيخ في طفولته عندما قرر أبوه ان يمنعه من مواصلة دراسته نظر لعجزه عن العمل وحاجة الأسرة مصاريف للحراثة والحصاد خارج القرية وذالك أن اقتصاد العائلة لا يقتصر على زراعة الخضر والبقول فحسب وإنما تشتمل على الحراثة والحصاد في البادية. وانقطع الغنوشي عن الدراسة في وقت مبكر ذالك لأن اخوته الكبار قد هاجروا بحثا عن عمل في المدينة وسافر شقيقه الأكبر منه طلبا للعلم وكان على العائلة المتواضعة أن ترسل إليهما قسطا مما ينتجه الحقل ولما كبر والده وأشرف على السبعين لم يعد قادرا على الخروج إلى البادية للحراثة ومع سفر اخوته الذكور لم يجد الشيخ بدا من أن يتولى مهمة الخروج إلى البادية بدلا عن والده وكان عمر السيخ آن ذاك لا يتجاوز 12سنة. ولكن انقطاعه عن الدراسة لم يدم سو سنة واحدة أنهى خلالها أخاه الأكبر دراسته الجامعية ووظف أستاذا ،فعاد الشيخ إلى مقاعد الدراسة بعد تجربة صعبة في الحراثة والزراعة مع من يفوقه سنا من أبناء عمومته. واثر نهاية المرحلة الابتدائية انتقل الشيخ لمواصلة دراسته الثانوية بمدينة قابس حيث تحصل على شهادته من مدرسة قرآنية. تونس العاصمة انتقل راشد الغنوشي إلى تونس العاصمة ليتم دراسته بجامع الزيتونة المعمور وتحصل على شهادة في أصول الدين وخلال تلك الفترة أعجب أيما إعجاب بالفلسفة التي كانت من أهم المواد التي أضيفت منهج التعليم الزيتوني وذالك في إطار العملية الإصلاحية التي استهدفت الثقافة العربية الإسلامية. وكان ما يشده إلى الإسلام ما تلقاه عن والده وأما فكريا فقد كان الغنوشي أقرب إلى الشك والحيرة والتمرد على القديم والسائد ولم يكن ذالك إلا ردا على اسلوب المسائخ في المنهاج التعليمي الذي كان سائدا في جامعة الزيتونة والذي كان يقدم صورة للإسلام لا تقدم إجابات عن التساؤلات التي كان يطرحها التلاميذ والطلبة ولم تكن تعطيهم أي ثقة في الإسلام و لا تقدم لهم صورة معاصرة له. واثر انهاء دراسته الثانوية وحصوله على الثانوية العامة رغب راشد الغنوشي ارتياد حقول العلوم الحديثة التي كانت أبوابها موصدة أمام خريجي التعليم الزيتوني وكان الميدان الوحيد المفتوح هو التعليم الديني الذي كان الشيخ راغبا عنه لذالك انخرط في دروس مكثفة لتعليم اللغة الألمانية في المركز الثقافي الألماني لمدة تناهز السنة. ورغم تحصيله الجيد إلا أنه أراد السفر إلى المشرق وكان الحاجز الوحيد هو المال لذالك قرر الإنخراط في سلك التعليم الابتدائي من أجل جمع قدر من المال يرتب به سفره، وعين معلما في قصر قفصة أواخر1963. الانتقال الى مصر وفي شهر أكتوبر1964 سافر راشد الغنوشي إلى مصر من أجل استكمال دراسته الجامعية والتحق بكلية الزراعة في جامعة القاهرة ودرس حوالي ثلاثة أشهر من عام 1964ولكن الأمر لم يتواصل طويلا لأنه صدر أمرا بشطب اسم الغنوشي وزملائه التونسين من كلية الزراعة من طرف الرئيس جمال عبد الناصر وذالك للخلاف الذي بينه وبين الحبيب بورقيبة وأصبح الطلبة التونسيون محل تفتيش ومطاردة من طرف البوليس المصري من أجل تسليمهم للسفارة التونسية في مصر وإرجاعهم في أول طائرة إلى تونس . وراودت الشيخ فكرة التوجه نحو ألبانيا إلا أن أحد أبناء بلدته أثناه عن ذالك وأقنعه بالذهاب إلى سوريا.
الانتقال إلى سوريا ودراسة الفلسفة قرر الغنوشي أن يدرس الفلسفة في سوريا وعاوده الحنين إلى هذه المادة التي عشقها منذ الثانوية فقد كان مولعا بهذه المادة فيجادل بشراسة مشائخ الزيتونة حول قضايا الوجود الإلهي واليوم الآخر وخلال السنوات التي قضاها الشيخ في دمشق1964إلى1968كان حكم العبث في بدايته لم يتغلغل بعد ولازالت سوريا تعيش بقايا المرحلة الليبرالية رغم عدم وجود برلمان غير أن ملامح المجتمع المدني كانت واضحة المعالم وكان تراث الليبرالية سائدا خاصة وأن السوري مولع بالحرية. وكانت حرب 1967من أهم التجارب التي عاشها الغنوشي في سوريا، فقد كان ممن تقدموا بطلب لحمل السلاح للدفاع عن القدس بعد أن أضحت دمشق مهددة وقد استجابت السلطات لذالك ووزعت عليهم بنادق قيل أنها يوغسلافية. وكان الغنوشي من الرافضين لدعوة السفارة التونسية بنقلهم إلى بيروت بعد أن أضحت دمشق في خطر وبعد أن سقط الجولان والقدس والضفة وتم سحب البنادق من أيديهم. وكانت تجربة راشد الغنوشي في سوريا ثرية من حيث الإنتماء السياسي والإيديولوجي فحين سافر لدراسة الزراعة كان الشيخ ناصريا قوميا يحمل فكرة توحيد الساحة القومية بين انصار الوحدة الناصرية وبقية التيارات الأخرى كحزب البعث وغيره وبحكم هذا الإنتماء قرر الشيخ راشد الإنخراط في الإتحاد الإشتراكي وهو حزب ناصري متفرع عن التنظيم الناصري الأساسي في مصر الذي كان يعرف باسم الإتحاد الإشتراكي العربي والذي ألغاه السادات وأنشأ الحزب الوطني بديلا عنه . ولم يدم وفاء الغنوشي لهذا الحزب سوى سنة واحدة قرر بعدها عدم الانخراط في أي عمم حزبي في سوريا ومع تقدم الشيخ في دراسة الفلسفة والمناقشات التي خاضها ضد التيار الإسلامي اهتزت في نفسه أساسيات الفكر القومي وصار يرى أن حجج هذا الفكر هزيلة . واثر ذلك بدأ الغنوشي في البحث والتساؤل عن الفرق بين الناصرية والبعث فوجد أنهما لا يختلفان عن بعضهما سوى في ترتيب الشعارات فهذا يقول حرية وحدة اشتراكية والأخر يقول اشتراكية حرية وحدة دون تحديد واضح لمضامين هذه الشعارات وأساسياتها الفلسفة وإستراتجيتها تحقيقها في الواقع حتى أصبحت هذه المقولات في فجاجتها مصدر تندر بيننا يومئذ . وسبب آخر أسهم في اضعاف الفكر القومي لدى راشد الغنوشي وهو عزل الدين عن كل نشاط في الحزب وهو ما جعل حلمه بتوحيد العرب مجرد خدعة وجعله يراجع مسألة انضمامه إلى الإتحاد الإشتراكي وانخرط في نقاش داخله حول علاقة القومية بالإسلام وكان يطالب باستمرار تحديدا واضحا لمكانة الإسلام في الحزب فانتهى إلى أنه لا علاقة بينهما وقرر إثر ذالك الانفصال عن هذا الحزب والقطع مع ما أطلق عليه الشيخ القومية العلمانية والإسلام التقليدي. ويقول الغنوشي عن الإسلام، وفاضت عن نفسي موجة عارمة من الإيمان والحب والفرح والإعجاب بهذا الدين فنذرت حياتي له تركت الإتحاد الاشتراكي في السنة الثالثة من إقامتي في سوريا وانتقلت إلى التيار الإسلامي فكرا مجردة من كل صبغة تنظيمية تاركا الناصرية وكانت في أوجها أي قبل هزيمتها 1967 . وبعد خروجه من الإتحاد تمت دعوة الغنوشي إلى العديد من التنظيمات من بينها الإخوان المسلمون إلا أنه اعتذر حينها لعدم رغبته في الانتماء إلى أي حركة هناك على اعتبار أنه لم يكن مستقرا في سوريا وقد اختار عدم الانخراط لأن النشاط الإسلامي في تونس لم توضح معالمه بعد فلم يرد أن يدخل إلى بلده بالتزام تنظيمي حتى يتمكن من تكوين تنظيم اسلامي في تونس يتلائم مع طبيعة المجتمع او التفاعل مع الساحة السياسية التونسية التي قد يجد فيها تنظيما ينظم إليه ورغم طوافه على الكثير من حلقات المشائخ إلا أن حلقة الشيخ المحدث الكبير ناصر الدين الألباني رحمه الله هي التي شدته إليها فقضى في حلقته أكثر من سنة وتأثر الشيخ راشد بمنهجه في تحقيق الحديث وتطهير الإسلام من الخرافات. العودة إلى تونس والجماعة الإسلامية خلال تلك الفترة بلغ مسامع أهل الشيخ أنه أصبح شيخا سائحا يجول بين الأحياء من أجل الدعوة، وهو يعتبر أمرا هجينا في المجتمع التونسي في ذالك الوقت فسارعت عائلته إلى بعث "أخيه الأكبر الحاج مختار" من أجل العودة به إلى تونس وإيجاد علاج لما أصابه وكانت قصة مرض أمه هي الحجة التي استطاع من خلالها أخاه أن يقنعه بالعودة إلى تونس فترك أدباشه هناك وكله أمل في العودة وفي طريق العودة مر بقرطبة وبالجامع الكبير وتمكن الشيخ من رفع الآذان وأداء الصلاة فيه وكان هذا سببا في عودة الحاج مختار إلى الصلاة بعد أن تركها بسبب المناخ العلماني الذي اكتسح البلاد حينها . ومر بعدها على الجزائر والتقى بمالك بن نبي الذي كان طالما يتمنى لقاءه لما عرف به من عقلانية وقدرة على التحليل الاجتماعي والتاريخي، وقد كان لهذا اللقاء أثر كبير في بفس الشيخ والمجموعة التى س يؤثثها في ما بعد. عاد الغنوشي إلى تونس واكتشف مدى التغريب الذي أصبحت عليه البلاد في ذالك الوقت فقرر العودة إلى باريس وفي طريقه مر بجامع الزيتونة فالتقى بشخص قاده إلى حلقة لجماعة تبليغ أنشأها باكستانيون منذ سنة وهم خمسة أنفار يقومون بالدعوة وكان من بينهم الشيخ عبد الفتاح مورو وكان حينها طالبا بكلية الحقوق فقرر الشيخ راشد عدم العودة إلى باريس والبقاء في العاصمة وأصبح أستاذ اللفلسفة لتلاميذ الباكالوريا وهوما اعتبره مكانا لتوسع الدعوة إلى الإسلام . وخلال تدريسه لمادة الفلسفة أصدر الغنوشي مقالا تحت عنوان برنامج الفلسفة وجيل الضياع ينتقد فيه منهاج الفلسفة معتبراإياه مسؤلا عن جيل الضياع الموجود في تونس طارحا بديلا له وفي نفس الفترة بدأ الشيخ نشاطه الدعوي في صفوف الطلبة والتلاميذ الذين شكلوا حركة الإتجاه الإسلامي وتم الإعلان عنها رسميا في 06جوان1981 وتقدمت هذه الحركة بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على اعتماد رسمي إلا أنها لم تلق أي جواب وقد صدرت وثيقتها التأسيسية في نفس التاريخ ولازالت تعد المرجع الفكري لحركة النهضة ولكن قبل ذالك كان نشاط الجماعة الإسلامية التي انبثق عنها الإتجاه الإسلامي قد اتبعت منهج سيد قطب وحسن البنا وابو الأعلى المودودي ومالك بن نبي الذين ركزوا في الكثير مما كتبوا على ابراز الجوانب الحضارية للإسلام وضرورة أن يصبح الإسلام هو البديل الحقيقي لأزمة الحضارة الإنسانية. كان نشاط الجماعة ثقافيا وفكريا وكانت الحلقات الداخلية التي تعقد بين اطاراتها يسهم في بلورة العديد من الأطروحات والأفكار بين أعضائها، هذا وقد كانت الجماعة الإسلامية غداة انطلاقها تخضع لتجاذبات الأول التدين التقليدي والمتكون من التقليد المالكي والعقائدي:الأشعرية والتربية الصوفية"، أما العنصر الثاني فيتمثل التدين السلفي الإخواني الوارد من المشرق والذي يتكون بدوره من المنهج السلفي الأصولي أي العودة إلى الكتاب والسنة المطهرة أو الرجوع إلي سلطة النص الديني بالإضافة إلى الفكر السياسي والإجتماعي الإخواني القائم على شمولية الإسلام ومبدأ الحاكمية لله وتكفير الأنظمة القائمة. أما العنصر الثالث فيتمثل في التدين العقلاني وويتألف من التراث العقلاني الإسلامي وذالك من خلال رد الإعتبار إلى المنهج الأعتزالي والمعارضة السياسية في التاريخ الإسلامي كالخوارج والشيعة والزنج والتيارات المناوئة للسلفية وأهل السنة عموما. وكانت الجماعة الاسلامية تركز في عملها على الدروس الوعظية والحلقات في المساجد وتكثيف المحاضرات في المعاهد الثانوية والجامعات واقامت معارض للكتاب الإسلامي وما يتخلل ذالك من ندوات وحلقات والمشاركة في مؤتمرات اسلامية داخلية وخارجية كملتقى الفكر الإسلامي الذي يعقد سنويا في الجزائر. والتركيز في الدعوة على اوساط النساء لإقناعهن بارتداء الحجاب وتبني الفكر الإسلامي . وبالتوازي مع ماكان يقوم به بورقيبة من اباحة الإفطار في شهر رمضان و تكريس ان الحج استنزاف للعملة الصعبة والبلاد في حاجة إليها فكانت الجماعة الإسلامية في المقابل تسعى إلى تقديم الصورة الناصعة للإسلام الحضاري وذالك عبر اسلوب ثقافي تربوي لا يستفز السلطة مما يجعلها في حذر دائم. وهكذا كانت الجماعة الإسلامية إلى حدود 1978 ولكن مع اندلاع الأحداث النقابية لتلك السنة أيقنت الجماعة أن المجتمع التونسي لم يكن مقسم إلى جبهتين كفر وإيمان بل إن هناك قضايا أخرى تشغل الناس واكتشف الشيخ راشد أن الصراع الحقيقي إنما هو بين فقراء مستغلين وبين فئة قليلة مستغلة متحالفة مع الدولة بل هي الدولة.واثر تلك الأحداث شهدت الجامعة الإسلامية حوارا داخليا قاد إلي تطوير خطابها خاصة في المرحلة الثانية من عمر الحركة التي ستتغير تسميتها من الجماعة الإسلامية إلى حركة الإتجاه الإسلامي وتغير النشاط تبعا لذالك من فكري وثقافي إلى نشاط سياسي. فرنسا و السيربون وبعد إنهاء دراسته في سوريا في صيف 1968، انتقل الغنوشي إلى فرنسا من أجل الدراسة بجامعة السوريون لاستكمال دراسته العليا في الفلسفة وتعرف هناك على جوانب من حياة الطلبة القادمين من شمال افريقيا فكان يتنقل بين المقاهي التي كان يرتاده الطلبة والتي تقع في شارع سان ميشال بالحي اللاتيني الذي أصبح يعرف بشارع الطلبة. وكان الطلبة التونسيون شيوعيون على اختلاف اتجاهاتهم أو قوميين عربا بعبثين وناصرين. وكان التوجه الإسلامي هو الغريب في تلك الربوع وحضر الشيخ الكثير من الندوات والمناقشات خاصة حول القضية الفلسطينية التي كانت مطروحة بقوة في باريس حينذاك ولم يكن الفكر اليميني منتشرا في فرنسا فلا يتجاوز ظهوره جريدة محدودة الانتشار تسمى la nation كان قد اشترك فيها الشيخ لأنها تناصر القضية الفلسطينية وكان للغنوشي لقاء وحيد مع رئيس تحريرها بعد أن اكتشف أنه ضد استقلال الجزائر. وفي سنة1968 تكونت نواة صغيرة من خمسة أفراد وهم الشيخ راشد وحميدة النيفر الذي كان متقدما في دراسته في سوريا وأحمد المناعي وهو طالب بالدراسات العليا وحسن الغضبان طالب بكلية الفلسفة وطالب آخر اكلية الزراعة وكانت تربطهم علاقة صداقة وبعضهم بدأ يصلي والبعض الآخر اقتنع بالفكر الإسلامي ثم التزم به وكان هذا بالنسبة للشيخ مجالا آخرا موازيا لحياة المسجد التي تمثلت في علاقته بجماعة التبليغ وهي بعيدة عن كل نقاش وجدال فهي بالنسبة له الحضن الآمن واجتماعيا لم تكن حياة الشيح سهلة بالمرة في باريس فهو من الطلبة غير المتحصلين على منحة دراسة وكان يتنقل بين مهن متعددة على غرار مهنة التنظيف وتوزيع المناشير الدعائية للمؤسسات والتي كان يجد فيها النصب الكبير لأن حذاءه يكون في بعض الأحيان مثقوبا فيتسرب منه الماء فيجمد أصابعه وليس هذا وحسب فقد كان السكن أيضا من المشاكل التي اعترضت الشيخ هناك فلم يكن من الذين يشملهم السكن الجامعي لذالك كان يتنقل من سكن إلى آخر وكان يضطرأحيانا إلى الإنتظارإلى منتصف الليل حتى يأتي صاحب الغرفة ليبيت عنده.
وعموما كانت تلك السنة من اصعب السنوات على الشيخ وقد تحدث عنها فقال ولقد كانت تلك السنة التي قضيتها في باريس أقسى سنة في حياتي لقد كان الامتحان عسيرا وكنت شديد الخوف من السقوط ويشتد بي الهول عندما أتخيل نفسي وقد سقطت ولو مرة واحدة وكم سأحتقر نفسي بعد ذالك وكم يغدو عبثيا عندئذ أن أقف بين الناس واعظا والحمد لله فقد ثبتني وحماني من السقوط ومرت المحنة بسلام. وكانت التجربة الدعوية الأولى التي عاشها الشيخ هي تلك التى جمعته مع مجموعة من الباكستانيين الذين اتوا إلى باريس وكانوا نواة من الباكستانيين والمغاربة.واتخذت هذه الجماعة منزل تاجر جزائري في شارع Belle villeمكانا للدعوة والتبليغ. واتخذت الجماعة من الشيخ راشد إماما عليهم وكانوا جميعهم من العمال وقد اتبعوا نفس طريقة جماعة التبليغ والتي تتمثل في الخروج إلى المسجد والشوارع والتواصل مع العمال في أحيائهم والدخول حتي إلى الحانات من أجل دعوة مرتاديها إلى الإسلام المتمركز حول الجوانب الروحية كالصلاة والذكر وإكرام المسلم والتلطف مع المخطئين ومساعدتهم على التوبة. وأسهمت التجربة الدعوية الأم للشيخ في اندماجا وجدانيا مع هذه الطبيعة من العمال المغاربة اذ عاش معهم في أحيائهم البسيطة ولمس عن كثب مدى أصالتهمما على مستوى الجامعة فقد ذهب إليها عندما بدأ يعد أطروحته حول التربية بإشراف استاذه "سند راس" وكان موضوع الأطروحة منهاج التربية في القرآن مما يقتضي اشراف استادين الأول مختص في التربية والثاني مختص في الإسلاميات وهكذا بدأت خطواته الأولى في اعداد أطروحته. تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي يوم 29ديسمبر1974تم اجراء تعديل دستوري يتمثل في منح الحبيب بورقيبة الرئاسة مدى الحياة وبالتالي لن تقام أي انتخابات رئاسية منذ ذالك التاريخ ولكن نظرا للتطورات السياسية التي شهدتها البلاد في بداية الثمانينات اضطر الحزب الدستوري الحاكم إقرار مشروع التعددية السياسية سنة 1981. اثر ذلك قام أعضاء الجماعة الإسلامية التي يترأسها الشيخ راشد الغنوشي إلى عقد مؤتمر عام أعلنوا فيه عن تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي بعد ان كان اسم المجموعة "الجماعة الإسلامية"، وتم انتخاب الشيخ راشد الغنوشي رئيسا لها والأستاذ عبد الفتاح مورو أمينا عاما للحركة، وتم الإعلان عنها كما ورد سابقا في 06 جوان 1981 وتمت اعادة انتخابه أمينا عاما للحركة في 2007. المحاكمات السياسية للشيخ راشد لقد تأسست حركة الإتجاه الإسلامي في زمن أراد فيه الحاكم طمس الجانب الديني والعقائدي من نفس كل تونسي فقد سعى بورقيبة إلى جعل تونس مستعمرة فرنسية أو أروبية ليس عسكريا وإنما ثقافيا ،واستهزأ بالشعائر الدينية ونزع الحجاب عن رؤوس النساء،ولما تأسست حركة الإتجاه الإسلامي خاف بورقيبة من أن تنتزع مكانته نظرا لأن المجتمع التونسي مازال متمسكا بالهوية الإسلامية لم يتقبل فكرة الإنسلاخ عن هويته العربية لذلك اعتمد بورقيبة كل الطرق من أجل اسكات زعماء الحركة ومن بينها السجن والتعذيب وبما الفضاء في يد السلطة تمت محاكمة الشيخ راشد سنة1981 باحدى عشرة سنة قضى منها ثلاث سنوات من سنة1981 إلى سنة1984 وخرج في عفو عام ولكنه عاد إلى السجن في مارس 1987 وحكم عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة واتهمت الحركة بأنها وراء تفجيرات شملت أربعة نزل في جهة الساحل،وكأن هذا الحكم لم يرض بورقيبة فرغب في اعدام الشيخ ولكن القدرة الإلهية كانت أقوى منه وأطلق سراح الشيخ في 14ماي1988 ذالك اثر الإنقلاب الذي قام به زين العابدين بن علي. وكان انقلاب السابع من نوفمبر بالنسبة للإسلاميين فسحة أمل جديدة من أجل حرية النشاط السياسي خاصة بعد امضاء وثيقة الميثاق الوطني التي دعا إليها بن علي كقاعدة لتنظيم العمل السياسي بالبلاد. ولكن بعد انتخابات 1989 عادت نفس ممارسات نظام بورقيبة تطفو على السطح وعادت المحاكمات مما اضطر الشيخ إلى مغادرة البلاد في أفريل 1989. المنفى انطلقت الرحلة من تونس في اتجاه الجزائر يوم 11 أفريل 1989 وبعدها في اتجاه السودان، إثر ذلك سنة 1991 استقر الشيخ راشد الغنوشي في مدينة اكتون في ضواحي العاصمة لندن وفي نفس السنة تم انتخابه رئيسا للحركة وتحصل على اللجوء السياسي في أوت 1993 وذلك بعد أن تم الحكم عليه غيابيا بالسجن مدى الحياة بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها والتآمر على أمن الدولة وذلك في 1991 و1998. هذا وقد منع الشيخ راشد أثناء تواجده في المنفى الاختياري من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا وإيطاليا والسعودية وإيران، وبقي الشيخ راشد في المنفى 21 سنة إلى ان اندلعت الثورة التونسية ثورة الحرية والكرامة والتي تم من خلالها انتزاع السلطة من يد بن علي وافتكاكها من طرف الشعب التونسي، اثر ذلك تمكن الشيخ راشد من العودة إلى تونس. العودة إلى الوطن 30 جانفي 2014 كان يوما انتظره الغائب 21 سنة في تلك البلاد البعيدة الباردة، عاد الشيخ راشد واستقبلته الحشود بالآلاف يومها في مطار تونسقرطاج الدولي، عاد إلى تونس وإلى الأهل بعد فراق طويل. لم يترشح الشيخ راشد الغنوشي في الانتخابات التشريعية إلى عضوية المجلس الوطني التأسيسي وإنما كانت اولويته إعادة إنشاء حركة النهضة وقد نجح في ذلك فقد فازت الحركة في انتخابات 2011 بتسعة وثمانين مقعدا في البرلمان وساهمت بصفة كبيرة في صياغة دستور الجمهورية التونسية الجديد. وإثر الانتخابات التشريعية قامت حركة النهضة بمؤتمرها التاسع والأول بعد الثورة وتمت اعادة انتخاب الشيخ راشد الغنوشي رئيسا للحركة والاستاذ عبد الفتاح مورو نائبا له. ثلاث سنوات بعد ذلك وانطلقت الدعوات بإقامة حوار وطني من اجل إيجاد حلول عاجلة للأزمة التي اكتسحت البلاد، وانطلق الحوار الوطني يوم 5 ديسمبر 2013 بين العديد من الأطراف وبرعاية الرباعي الراعي للحوار، لكن كان للشيخ راشد الغنوشي الدور الأبرز في هذا الحوار والذي يتمثل في التنازلات الضخمة التي قدمها من اجل مصلحة البلاد من خلال الخروج من الحكومة رغم الأغلبية العديدة التي كان يتمتع بها حزب حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي والتي تخول له تكوين الحكومة الا انه تخلى عن ذلك وساهم بشكل فعال في إخراج تونس حينها من الخطر المحدق بها. وتمت سنة 2014 الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية ولم يترشح الشيخ راشد الغنوشي الى اي من الانتخابات، ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها تونس بعد الثورة الا ان ذلم لم يمنع من القيام بالعديد من الانجازات خلال الثلاث سنوات ونيف والتي لم يكن للنهضة الحكم فيها سوى لسنة ونصف بالاشتراك مع حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في حكومة الترويكا وتمكنت حركة النهضة برئاسة الشيخ راشد الغنوشي من الحفاظ على مكانتها في المجتمع وتم انتخابها في المرتبة الثانية في مجلس نواب الشعب وهو ما يبرز مكانة هذه الحركة في الساحة السياسية التونسية، لأن الكل يعلم أن كل حزب يتولى الحكم في دولة اندلعت فيها ثورة هو في طريقه إلى الاندثار لأن مرحلة الانتقال الديمقراطي تعد من أصعب الفترات التي تمر بها كل دولة ترغب في الوصول الى بر الأمن والى تحقيق الديمقراطية.