جريمة قتل أستاذ التاريخ الفرنسي صامويل باتي الإرهابية كشفت حقيقة الوجه العنصري والاستعماري لماكرون وغيره من السياسيين والنخب الفرنسية، بل أكثر من ذلك كشفت عن حجم الانتهازية والمصلحية التي يتميز بها عادة كل نظام إمبريالي لا يخدم إلا مصالح رأس المال والبرجوازية. الصور المسيئة للرسول الكريم (البذيئة والساذجة والتافهة) وحملة "نصرة العلمانية" ليست إلا مجرد استفزاز مقيت لجر الشعوب الإسلامية لردة فعل تحقق بها فرنسا وأتباعها من القوى الإمبريالية مصالح اقتصادية وسياسية. كيف ذلك؟ إن استغلال ماكرون وبعض "النخب" والسياسيين من اليمين الشوفيني الفرنسي وبعض المحسوبين على الاشتراكيين من الإمبرياليين بهذه الطريقة الرخيصة للحادثة لا يهدف إلا لإعادة الحيوية لنظام ماكرون الفاشل ولإيجاد حلول ترقيعية للاقتصاد الفرنسي المتهالك ودور فرنسا السياسي والعسكري في الدول العربية والإسلامية الذي فقد قوته وسيطرته مع تصاعد المنافسة الأمريكية والروسية. ففي السنتين الأخيرتين سعى ماكرون بكل السبل للتدخل السافر في بلدان عربية عدة بدءًا بدعم حفتر عسكريا وسياسيا في ليبيا لتغذية الصراع ولما لا التدخل العسكري اذا اقتضى الأمر لخدمة مصالح الشركات الفرنسية ورأس المال وصولا إلى محاولات الاستقواء على لبنان بطريقة فجة ومساعيه لاختراق تونس والجزائر وبقية الدول الإفريقية لا تدل إلا على النية الاستعمارية لهذه الدول. لذلك فإن "الاستفزاز" الذي تقوم به أنظمة استعمارية للبحث عن ردة فعل متشنجة أو عنيفة أو غير مسؤولة من شعوبنا التي أعياها الفقر والجوع والتغريب لا يجب أن يقاوم بشعارات فضفاضة وحملات فيسبوكية وهمية (وان كان الأمر مشروعا لمن لم يجد لغير ذلك سبيلا) ولا عن طريق ردود فعل شعبوية مؤقتة تزول بعد أيام قليلة كما انتهت مئات الحملات الفيسبوكية سابقا. في نظري لا يجب الاستهزاء بهذه الحملات الداعية إلى مقاطعة البضائع الفرنسية (حتى وإن كانت عند البعض تظهر وكأنها شعبوية لكنها ردة فعل طبيعية ضد التمييز والعنصرية والاستعلاء) بل يجب توجيهها ودعمها لتصبح فعل نضالي حقيقي ضد الهيمنة الرأسمالية الفرنسية على أوطاننا وتجذيرها في الفكر الجمعي لتتحول أولا إلى مقاطعة سياسية لكل الأحزاب المطبعة مع فرنسا ودول النهب وثانيا إلى عمل وطني يهدف إلى مقاطعة كل الصناعات والمنتوجات التي تساهم في تدمير اقتصادنا الوطني وشركاتنا ومصانعنا وفلاحتنا الخ الخ.. ومن ثم البناء على إعادة الثقة لإنتاجنا الصناعي والفلاحي الوطني لتحقيق الاكتفاء الذاتي وضرب كل رأسمال يصب في خزائن الدول الاستعمارية. وبذلك فقط نستطيع نصرة رسولنا أو أي رسول آخر أو مقدس ووطننا وشعوبنا .. كذبة حرية التعبير الفرنسية لايمكن لفرنسا أو نخبها أن تقنعنا بأن الأفعال الاستفزازية التي تستهدف الأديان والمقدس أو الأعراق أو الإثنيات (في الحقيقة هي أفعال تجرمها قوانين حقوق الإنسان وعدة معاهدات دولية) تصب في خانة حرية التعبير، وهي التي تجرم كل من يشكك في المحرقة اليهودية أو يعود لنقدها (وهي في صميم حرية التعبير) كما تعتبر فرنسا أن معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية وبالتالي فكلنا معادون لهم بدفاعنا عن قضيتنا الأولى القضية الفلسطينية. من ناحية أخرى لا يصنف هذا الاستعلاء النخبوي الفرنسي إلا في إطار النظرة الدونية للشعوب المستعمَرة والازدراء بفكرها وحضاراتها وهو يعتبر فعلا إجراميا ضد البشر بما أنه يدفع إلى التمييز والعنصرية بل إلى العنف والكراهية بين البشر والأمم وهذا ما ترفضه كل الأديان السماوية وغيرها وكل القوانين الوضعية المتفق عليها. في المحصلة لا تريد هذه القوى إلا وضع الشعوب المستضعفة في الزاوية ومحاصرتها عبر التعويل على سذاجتها وعدم فهمها لاستراتيجية رأس المال العالمي لمزيد تشويهها وتشريع الحرب ضدها لاستنزاف ثرواتها ومقدراتها وتفقيرها واستعبادها واستعمارها اقتصاديا وثقافيا لذلك يجب أن ترتقي ردة الفعل إلى عمل شعبي جماهيري ثوري سلمي ديمقراطي واسع للتصدي لآفات الاستعمار والهيمنة. *سمير جراي: صحفي تونسي