يحتفل الأشخاص ذوي الإعاقة بيومهم الوطني والعالمي الموافق ل3 ديسمبر من كل سنة آملين ن يكون الاحتفال بهم سبيلا للتذكير بقضاياهم ودعوة الفاعلين في المشهد السياسي والاجتماعي لدعم مجهوداتهم في تغيير واقعهم المعيشي في مختلف المجالات من اجل مجتمع دامج يضمن حقوقهم ويقطع مع سياسات التهميش والإقصاء والتمييز على أساس الإعاقة الممارسة عليهم عن وعي أو دون وعي من الدولة بدرجة أولى ومن المجتمع بدرجة ثانية. احتفال لا يزال الى اليوم شكليا في مجمله باعتبار اذ أن حقوق ذوي الإعاقة،كما نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادرة سنة 2006 والمصادق عليها من الدولة التونسية سنة 2008 ، لم تتحقق بعد باستثناء الجانب التشريعي الذي شهد تطورا نسبيا بفضل جهود حملات المناصرة التي قادتها مكونات المجتمع المدني خاصة منها المنظمات والجمعيات التي تنشط في مجال الإعاقة والتي تدافع عن جميع حقوق ذوي و ذوات الإعاقة، ما يستدعي مساندة ومعاضدة أكبر لأصواتهم للمطالبة بحقوق مشروعة كفلها الدستور التونسي ونصت عليها الاتفاقيات الدولية تماشيا مع مبادئ حقوق الإنسان الشمولية والكونية.. فماذا تغير بين الحاضر والماضي ؟
الواقع التشريعي
نص الدستور التونسي والذي شارك في صياغته الأشخاص ذوات و ذوي الإعاقة أنفسهم على أن ضمان وحماية حقوقهم/ن منوط بعهدة الدولة حيث نص الفصل 48 على " تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز. لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك". إقرار صريح من الدولة بالتزامها بتوفير كل التدابير التيسيرية لإدماج ذوي الإعاقة في المجتمع دون تمييز احتراما للتنوع البشري وحق كل مواطنة ومواطن في التمتع بجميع حقوقهم/ن دون استثناء. من جهة أخرى نصت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مادتها الأولى على " تعزيز وحماية وكفالة تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة".
ومكنت ذوي الإعاقة ،عبر ثمان مبادئ عامة وأساسية، من احترام كرامة ذوي الإعاقة واستقلاليتهم الذاتية,عدم التمييز,المشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع,احترام الاختلاف كجزء من التنوع البشري, تكافؤ الفرص, إمكانية الوصول, المساواة بين المرأة و الرجل, واحترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة والحفاظ على هويتهم.
تطور مفهوم الإعاقة
عرف مفهوم الإعاقة في تونس تطورا جديرا بالتنويه بفضل مجهودات منظمات وجمعيات المجتمع المدني، ليصبح التونسيون أكثر تقبلا للأشخاص ذوي الإعاقة.
غير أن هذا التطور على أهميته يبقى نسبيا فالمرجعيات الثقافية والاجتماعية المختلفة و التي تقوم أساسا على الرحمة و التعاطف هي من تحرك التونسي في تعامله مع ذوي و ذوات الاعاقة بينما تغيب عنه، غالبا، مفاهيم الكرامة الإنسانية والدور الفاعل و الفعال لذوي و ذوات الإعاقة في بناء مجتمع دامج يؤمن في ممارساته اليومية بمبدأ الاختلاف والتنوع البشري إضافة إلى تكافؤ الفرص والمساواة بين جميع المواطنات والمواطنين دون تمييز أوإقصاء.
تنوع رؤى التونسي بالنظر لتعدد مرجعياته انعكس على مسار تطور مفهوم الإعاقة,ما انتج مقاربات مختلفة تطورت من موروث ثقافي تقليدي إلى مفهوم حقوقي.. فيعتبر الأغلبية في مجتمعاتنا أن الإعاقة مدعاة للتعاطف وطلب الشفاء بينما يذهب صنف آخر إلى تصنيفها كمرض مزمن أو امتحان الاهي لابد من تقبله والتقرب الى الله للتعافي منه فيما يرى آخرون أن الإعاقة عيب وجب ستره وعبء اجتماعي لابد من التعامل معه في سرية دون الكشف عنه حتى للمقربين . مجمل هذه الأفكار التقليدية المتداولة بقيت موجودة حتى جاءت المقاربة الصحية التي تم حصرها في مسؤولية الإطارات الطبية في التعامل مع الأشخاص ذوي و ذوات الإعاقة كمرض وجب معالجته ليتطور هذا المفهوم بدوره نحو مقاربة اجتماعية جديدة ترتكز على دراسة العوائق في المحيط الاجتماعي..ما جعلها لا تنفي وجود الإعاقة ولكنها تعزو صعوبة تحقيق المشاركة الاجتماعية لا للشخص ذو إعاقة بل لعوائق المجتمع ذاته ومقاربته الاجتماعية والثقافية والنفسية والدينية وليس للإعاقة ذاتها. هكذا كان مسار مفهوم الإعاقة اذ مرّ بمقاربات مختلفة ليشهد ولادة مقاربة حقوقية تقوم على مبادئ وقيم حقوق الإنسان وتنص على أن حقوق الأشخاص ذوي و ذوات الإعاقة جزء لا يتجزأ من الحقوق الإنسانية في شموليتها وكونيتها..مقاربة تقر بأن الإعاقة مسألة حقوقية وأن الأشخاص ذوي و ذوات الإعاقة مواطنين ومواطنات على مؤسسات الدولة تمكينهم/ن من حقوقهم/ن باعتباره واجبا ملزما لا على سبيل الفضل.
تحديات ذوي الإعاقة
رغم تطور المفاهيم المتعلقة بالإعاقة تماشيا مع تغير المجتمعات والثقافات إلا أن الأشخاص ذوي و ذوات الإعاقة مازالوا يعانون من الإقصاء والتهميش واعتبار حقوقهم مسألة ثانوية لا تحظى بالأهمية القصوى ضمن سياسات الدولة. فذوي و ذوات الإعاقة يخوضون يوميا معركة الكرامة من اجل تطبيق الترسانة القانونية التي تحميهم وتضمن حقوقهم شكليا ولا يجدون سبيلا لتكريسها على أرض الواقع أمام ضعف الإرادة السياسية للتغيير وغياب أو تغييب الوعي المجتمعي بقضاياهم. ولأن التحديات كثيرة في زمن التغيرات المفاجئة فان مشاغل ذوي الإعاقة تتمحور أساسا في ضمان الكرامة واحترام الاختلاف والتنوع البشري اضافة الى الحق في التشغيل والحماية الاجتماعية والرعاية الصحية. لم يدخر ذوي الإعاقة جهدهم يوما لإثبات كفاءاتهم وقدرتهم وأحقيتهم في المشاركة في الحياة السياسية والعامة بمختلف مجالاتها رغم أنهم غير مطالبين بذلك وإنما فقط للتأكيد على أن التمييز الممارس ضدهم اعتداء على الذات الإنسانية دون موجب وأن من حقهم التمتع بجميع حقوقوهم. ن على قدم المساواة مع جميع المواطنات والمواطنين.
إن حقوق الإنسان شمولية وكونية غير قابلة للتجزئة فإما أن نؤمن بها على اطلاقيتها أو نتخلى عنها في كليتها.. فقبول الاختلاف و التنوع البشري ينبع من إيمان عميق بضرورة تحقيق التعايش في مجتمع فسيفسائي تختلف فيه الألوان والاتجاهات وتجمعه الإنسانية دون سواها لتحقيق النمو والتطور نحو الأفضل وبناء أجيال تكرس حياتها لتحقيق مبادئ حقوق الإنسان وتسعى لتغيير الصور النمطية والتقليدية التي ترسخت في أذهان المجتمعات وتقطع مع النظرة الدونية أو الفوقية للآخر المختلة ،بوصلتها في مسارها، مقولة العبقري الإنساني نيلسون منديلا في حديثه عن حقوق الإنسان "التعاطف الإنساني يربطنا ببعضنا ليس بالشفقة أو بالتسامح ، ولكن كبشر تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة إلى أمل للمستقبل".