وُجّهت العديد من الانتقادات لمسودة الدستور الثالثة من حيث المضمون والشكل، فكانت من أبرز أسباب علله عدم تشريك كل فئات المجتمع التونسي في الصياغة والأخذ بعين الاعتبار مقترحات مختلف مكونات المجتمع المدني لدى مشاركاتهم في الحوار الوطني للدستور الذي نظمه المجلس الوطني التأسيسي..إضافة إلى المقترحات الكتابية التي أُرسلت إلى رئاسة المجلس. هذا "التجاهل" لآراء كل المعنيين بالدستور أفرز على حد قول الخبراء وناشطي المجتمع المدني العديد من النقائص والثغرات وأنتج دستورا لا يمثل الجميع وهو رأي أكده مرارا وتكرارا قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري وغيره من الأساتذة المختصين، كان آخرها في الندوة الصحفية التي نظمتها مؤخرا كل من المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وفيدرالية الجمعيات التونسية العاملة في مجال الإعاقة احتجاجا على الفصل 44 من مشروع الدستور الصادر في 22 أفريل 2013 الذي لا يرتقي لمستوى تطلعاتهم ولا يتلاءم مع المطالب التي تقدموا بها خلال الحوار الوطني حول الدستور. تونسيون مثلنا مثل البقية كان من المفروض أن لا تعقد الندوات الصحفية للاحتجاج ولفت أنظار نواب المجلس الوطني التأسيسي من قبل فئات تطالب بإخراجها من وضعية مهمشة على غرار الأشخاص ذوي الإعاقة "فهم تونسيون مثلهم مثل بقية التونسيين". غير أن ما ورد بالفصل 44 من مسودة الدستور الثالثة أثارت حفيظتهم واستغرابهم إلى "حد الشعور بالألم" لتتواصل سياسة التهميش حتى بعد الثورة بعد أن كان النظام السابق يوظف وضعهم لتلميع صورته بالخارج وتزيينها، وضع جزم فيه المعنيون بأن لن يتواصل ولن يقبلوا بتمرير هذا الفصل مهما كلفهم الأمر ذلك أن هذا الفصل جاء فيه "تحمي الدولة ذوي الإعاقة من كل تمييز. لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع حسب طبيعة إعاقته بكل التدابير التي تمكنه من الإندماج الكامل في المجتمع وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك" في حين أن الحقوق تضمن ولا يُمكّن منها، إلا أن الفصل على حد قول الخبراء جاء مكرسا للتمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة معتبرهم مواطنين من درجة ثانية، فالمتمعن في الدستور يجد أن كل الحقوق جاءت مقترنة بلفظ "تضمن" ماعدا حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فقد قرنت بلفظ "تمكن".. كما أن الفصل 44 ذكر مصطلح "الاندماج" في حين وقعت المطالبة ب "الدمج" باعتبار أن الأشخاص ذوي الإعاقة مواطنين مثل بقية المواطنين التونسيين، إضافة إلى ذلك لم يقع التنصيص على مبدأ المساواة في دمجهم وهو ما يتناقض مع مبدأ عدم التمييز كما تم التخلي عن عبارة الحماية "من أي شكل من أشكال التمييز وتعويضها بعبارة "من كل تمييز". تحقيق الكرامة والاستقلالية غاب عن الفصل أيضا مبدأ الاستقلالية في حين أن الاستقلالية تعني تحقيق كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة بحريتهم في أخذ القرار واحترام اختياراتهم وميولاتهم. هذا التراجع الذي سُجل مقارنة بالصياغة التي وردت بالمسودة الأولى والثانية حيث طالب أن يقع على الأقل الرجوع إلى محتوى الفصل 30 من المسودة الصادرة في 17 أوت 2012 والذي جاء فيه "تحمي الدولة ذوي الإعاقة من أي شكل من أشكال التمييز، لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع حسب طبيعة إعاقته بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق المساواة بين ذوي الإعاقة وسائر المواطنين" ويبقى الحل المثالي ما وقع اقتراحه من مكونات المجتمع المدني حيث جاء الفصل المقترح "تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من أي شكل من أشكال التمييز، لكل شخص ذي إعاقة الحق في الانتفاع حسب طبيعة إعاقته بكل التدابير التي تضمن له على أساس المساواة الدمج الكامل في المجتمع وتحقيق استقلاليته". هذا المقترح سيسعى كل الفاعلين والمدافعين عن هذه الحقوق إلى إعادة تبليغه إلى المجلس الوطني التأسيسي بإطلاق حملة مساند، كانت قد انطلقت في حقيقة الأمر منذ أشهر، حيث أكد سامي بن يونس رئيس منظمة قسطاس للتنمية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان أنه تم "رفع كل الشعارات لدسترة علوية الاتفاقية الدولية المكرسة لحقوق الإنسان بما فيها مبدأ عدم التمييز على أساس الإعاقة ثم الاعتراف بكفالة الدستور بالتمتع الشامل والكامل بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية على قدر المساواة مع الجميع وبالتالي نطالب نواب الشعب عوضا أن يبحثوا لنا عن طرق للاندماج عليهم أن يندمجوا هم مع مطالب الشعب غير أنه اتضح بالكاشف أنه لا وجود لإرادة سياسية لذا سنسعى إلى التصعيد والتحضير لمسيرة وان لم يقع الاستجابة لمطلبنا سنلجأ غلى الاعتصام وإضراب الجوع". من جهته أكد المنصف الشطي رئيس جمعية رعاية فاقدي السمع أن "الدستور يعني كل الشعب فكان من المفروض أن يقع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل الفئات والقضاء على التهميش والتمييز غير أننا تفاجئنا بتراجع في صياغة الفصل" مضيفا أن "هناك مسائل لا تحتمل التجاذبات والصراعات السياسية على غرار حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فهي من القضايا ذات الاولوية لا تحتمل الجدل" مبينا "إذا كان الدستور لا ينبني من القاعدة إلى المركز فما الفائدة من صياغته فمؤكدا سيكون غير عملي وغير واقعي ولن يحدث التغيير"