لا يتردد الحبيب الأسود القيادي السابق بحركة النهضة في القول بان الحركة التي انتمى اليها سابقا والتي تدير اليوم حكومة الترويكا أجهضت المشروع الاسلامي في تونس. وعرف الحبيب الاسود في اوساط الاسلاميين بالمراجعات التي قام بها في السجن والتي ادان فيها حركة النهضة. وفي هذا الحوار لحقائق اون لاين ينفي الاسود ان يكون قد كون تنظيما مسلحا موازيا وهو التنظيم المعروف ب"طلائع الفداء"والذي قالت السلطة وقتها انه كان الجناح المسلح لحركة النهضة في نهاية الثمانينات. وفي ما يلي نص الحوار كاملا مع الحبيب الاسود: اتهمت في النظام السابق بتكوين تنظيم سياسي مسلح اسمه "طلائع الفداء" وحكم عليك بالسجن مدى الحياة. فماهي اجابتك اليوم على تلك التهمة؟ على اثر انشقاقي عن حركة النهضة مباشرة اثر تحولها من حركة دعوية الى حزب سياسي, تمت محاكمتي بتهمة تدبير انقلاب ضد السلطة بهدف تغيير هيئة السلطة السياسية والتحريض بالخطب على ارتكاب جرائم وتكوين جمعية غير مرخّص فيها وحمل ومسك مستودع أسلحة وذخيرة , وهذه جميعها تهم ملفقة حيث تم تضخيم الحركة السياسية التي كونتها لتكون دعوية بالأساس وهدا شأن "بن علي" في تعامله مع المعارضين له. فكل التهم مجردة من الصحة وقد أثبتت مجموعة المحامين الدين ترافعوا عني أنني بريء مما أتهمت به. يتهمك بعض من رفاق الأمس داخل النهضة بأنك تعاملت مع النظام السابق أثناء الفترة التي أمضيتها في السجن حيث سمح لك بادخال كتب قمت على اثرها بمراجعة أفكارك وتوجهاتك. أود أن أوضح أنني أيام كنت في السجن عشت في عزلة مفروضة علي فرضا, بينما الاخوة السجناء عن حركة النهضة قد طلبوا بأنفسهم وضعهم في زنزانات فردية أين توفرت لهم الصحف والتلفاز والمصحف الكريم. أما أنا فقد حرمت من كل ذلك, ولم أحصل على مصحف الا بعد عامين من الاضراب عن الطعام والاحتجاج المتواصلين. وحتى المنجد العربي-الفرنسي الذي تمكنت من ادخاله لم يكن سوى نتيجة أشهر من النضال.أنا لا أريد الحديث عن نفسي و لا افساد الأجر الدي تحصلت عليه عند الله بسجني ظلما, ويكفي أن جلادي يعرف حجم معاناتي قبل صديقي. كيف أتعامل مع النظام السابق اذا كان "بن علي" قد أمر بايداعي مستشفى الرازي للأمراض العقلية بمنوبة سنة 2005 على اثر اضراب جوع وحشي طالبا من خلاله تحسين وضعيتي السجنية وتخفيف المعاناة على أهلي؟ وفي اثناء هذا الإضراب زارني وفد من الصليب الأحمر وأعلموني أنهم يعتبرونني سجينا سياسيا مسجلا عندهم تحت رقم 32. ولم تنته معاناتي بعد خروجي من السجن بالسراح الشرطي وبعد أكثر من 15 سنة سجنا، بل استمرت الملاحقة والمراقبة اللصيقة الى يوم 14 جانفي 2011. انتقدت كثيرا أداء حركة النهضة الشريك الأكبر داخل الترويكا الحاكمة, فهل ما يزال أداؤها هشا برأيك بعد عام ونيف؟ مازلت أؤمن أن مشاركة الاسلاميين في الحكم غير ناضجة وكان من الأحرى الانتظار حتى يحصل الاحتكاك بالجماهير وأساليب السياسة والعلاقات الدولية.أما في هذه المرحلة الانتقالية قد تهافتت الشخوص الاسلامية وكان من الأحرى ترك السلطة لغيرهم فتهافتهم على السلطة أفقدهم الهيبة والمصداقية والمبادئ. قادة النهضة ظلموا أنفسهم لمشاركتهم في الحكم وكان أنفع لهم أن يكتفوا باعداد الدستور. فمثلا, يبدو واضحا أن تغيير وزارات السيادة قد نتج عنه هدوء في الشارع التونسي. وذلك راجع للتوتر الدي أحدثه الأداء السيئ لحكومة النهضة. على النهضويين أن يدركوا جيدا أن كون المرء سجينا ومناضلا وصاحب شهادة عليا لا يعني قدرته على تسيير شؤون البلاد بالضرورة. ونحن في تربيتنا داخل الحركة نؤمن بأن رجال الثورة ليسوا حتما رجال الدولة..ولكل مرحلة رجالها. هل يعود هدا الأداء الضعيف الى نقص الكفاءة لدى النهضويين أم الى أسباب أخرى ؟ نحن نعيش في عالم ذي قطب واحد. وكل من أراد الخروج عن سياسات القطب الواحد فلن يجد له موضع قدم خارج المنظومة الأمنية العالمية والسياسة الاقتصادية بسيطرة أمريكا واللوبي الصهيوني. في اعتقادي لن يطول حكم ان لم ينخرط في هده المنظومة. حركة النهضة اليوم مسلوبة الارادة أمام ارادتين خارجيتين عنها تتجاذبانها وهما ارادتا الافشال والتمييع. فأما الافشال ,فيتمثل في كون مشكلة أوروبا والغرب مع الحركات الاسلامية مشكلة حضارية وثقافية بالأساس ولذلك فان النهضة تواجه مشروعا غربيا لافشالها بأياد داخلية سياسية وثقافية. وأما ارادة التمييع, فتتمثل في رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في حماية مصالحها الاستراتيجية وعلى رأسها الحفاظ على الكيان الصهيوني دون أن يعنيها كثيرا الاسلام وتطبيق الشريعة. ماهو تأثير حكم حركة النهضة الاسلامية على أداء بقية المكونات الحزبية الاسلامية على الساحة؟ على اثر الأداء السيئ لقيادات النهضة الحاكمة, من خلال ما قدمته من تنازلات وتعثر في الخطوات وعدم ثبات على المبادئ, أصاب بقية الاسلاميين أحزابا وحركات وأفرادا الاحباط بحكم أن حركة النهضة التي تمثل الاسلام السياسي لم تنجح في انجاز المشروع الاسلامي على الأقل في المرحلة الانتقالية. الأمر الذي جعل بقية أطياف الاسلام السياسي خارج اللعبة السياسية بشكل أو باخر. ومن الصعب أن يولد بديل اسلامي فاعل ومنتشر وفاعل على أنقاض حركة النهضة. فهده الأخيرة تملك من الرجال والمال والتخطيط ما لا يتوفر لدى الأحزاب الاخرى. ألا يمكن أن يكون حزب التحرير هو ذلك البديل خاصة وأنه يمتلك تمويلا جيدا ؟ حزب التحرير أطروحاته فجة وغير ناضجة وهو يحمل مشروعا كالذي يحمل سقفا لبيت ليس له أعمدة. فالناس لديهم صورة عن الخلافة المريضة (الخلافة العثمانية) ولكنهم لم يستوعبوا صورة الخلافة الرشيدة. كيف تقرأ اذن واقع الحراك السياسي اليوم؟ لقد بدا واضحا أن الحياة السياسية في البلاد قد تشكلت بشكل يكاد يكون نهائيا في قطبية ثلاثية هي النهضة ونداء تونس والجبهة الشعبية. فأما النهضة فقد اختار قادتها التحالف مع العلمانيين خشية اتهامهم بالسعي لبناء دولة دينية. وأما نداء تونس فقد ترأسه رجل له تاريخ وحنكة سياسية وذكاء جامعا حوله رجال دولة قدامى وسياسيين واطارات كفأة.وأما الجبهة الشعبية فقد تخلت الأطراف الشيوعية داخلها عن شعار ديكتاتورية البروليتاريا وتبنت العمل الديمقراطي ولكن حساسية الناس تجاه التجربة الشيوعية في العالم تجعل حظ الجبهة أقل من حظي النهضة والنداء. كما ان الحياة السياسية التونسية تؤكد وجود سيناريو تعمل عليه أطراف خارجية وداخلية مخابراتية وسياسية لافشال المشروع الاسلامي الذي تراه مهددا لمصالحها في البلاد. وهذا السيناريو يتمثل في ادخال البلاد في الفوضى والغاء العملية السياسية برمتها كي نعود الى مرحلة دستور 1959 ما بعد التنقيحات وربما يتم على الاثر المطالبة بحل الحركات الاسلامية بنفس القانون الذي تحصلت بموجبه على التاشيرة بدعوى ممارستها للعنف. أليس هناك أطراف سياسية اسلامية تمارس العنف بالفعل ؟ في اطار السيناريو الذي تحدثت عنه للتو, يتم استغلال المشاعر الدينية لدى الشباب وتحويلها نحو العنف وتهييجها ضد الحداثة والتغريب لايجاد ردود فعل لدى الجهات المنادية بالمدنية والحداثة وافتعال صراعات وهمية بين هوية الدولة من جهة وحداثتها من جهة أخرى حتى يقع الاحتقان والأحقاد ويتفجر الوضع كي تبدو النهضة وكأنها المسؤول الوحيد عن الفشل في تسيير الدولة رغم كونها شريكا في الحكم. كيف ترى أداء حزبي المؤتمر من اجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات شريكي النهضة داخل الترويكا؟ لا أرى لقيادات المؤتمر مصداقية سياسية اذ هو خرج من فلك النهضة. فالمؤتمرون يمارسون النفاق السياسي من أجل الحفاظ على المكانة التي صنعتها لهم النهضة وهم منافقون في العموم. أما التكتل فقياداته انتهازية تميل حيت تميل الأهواء نحو مصالحها وعلاقة الحزب بالنهضة علاقة انتهازية. وصفت للتو زعيم حركة نداء تونس بكونه رجلا ذا تاريخ وحنكة, فهل يمكن أن نراك قريبا في صفوف النداء؟ (يبتسم), لا, هدا غير وارد. أنا مغ تغليب المصلحة العليا للبلاد والتي تكمن في الالتفاف بين مختلف الأطياف السياسية فواهم من يعتقد أن اقصاء نداء تونس ممكن لأن هده الحركة أصبحت أمرا واقعا بالفعل, تماما كما يتوهم اخرون بأن النهضة ظاهرة عابرة. فعلى الجميع اليوم أن يعملوا معا من أجل تونس وهويتها العربية الاسلامية ونمائها الاقتصادي, فالانتقام لا يترك لصاحبه فسحة من الوقت للبناء. وفي هذا الاطار, أدعو الى مصالحة رأس المال التونسي مع محيطه السياسي والاقتصادي وتمكين رجال الأعمال التونسيين من امتيازات واعفاء جبائي كي يساهموا في تحريك الدولاب الاقتصادي ويعملوا كما عملوا في ظل النظام السابق. هل هناك محاولات من داخل حركة النهضة لاعادتك الى صفوفها؟ لا اخفي عليك القول أن مقالاتي وأفكاري كثيرا ما تتقاطع مع أفكار قياديين عديدين داخل النهضة فيعملون بها ويناضلون من أجل تصحيح المسار داخل الحركةو الحفاظ على ثوابتها. فالنهضة قد فقدت بوصلة المشروع الاسلامي حين انغمست في العمل السياسي وازدواجية الخطاب أربكت قادتها واسقطتهم في التناقضات حتى ضربت مصداقيتهم واهترأت شعبيتهم وجنوا بذلك على باقي الأحزاب السياسية الاسلامية التي وضعت في نفس خانة الفشل مع النهضة. الله بنى أحكامه وتشريعاته على تكريم الانسان وتحريره فليس أنسب للبشرية من تطبيق تعاليم الاسلام كي ترتقي الى المقامات العليا. ولو طبق المشروع الاسلامي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فسيكون في البلاد خير كثير يتجسد في الحرية والتعدد الحزبي والتنوع الثقافي. بلغنا أنك تستعد لتكوين جمعية توعوية , ففيم تتمثل أهدافها وماهي برامجها؟ هدا صحيح, فقد كونت جمعية اسمها "السراج للتوافق والثقافة والتنمية" والاعلان عنها على وشك الصدور قريبا في الرائد الرسمي. ومن أهم أهدافها الحفاظ على هوية الأمة الاسلامية ووحدتها ونشر ثقافة التسامح والسلم المدني والتعايش بين مختلف المدارس الفقهية والسياسية. أما البرامج, فنحن نعد لندوة بعنوان "التوافق والأمن وعلاقتهما بالتنمية" ستنتظم ان شاء الله بحلول شهر ماي المقبل. ماهي الرسالة التي توجهها في ختام هدا الحوار الى جلاديك ؟وما هو رأيك في سير المحاسبة؟ المحاسبة بمعنى استرجاع حقوق الناس هي أولوية من أولويات الحراك الثوري (وليس الثورة التي تم اجهاضها) ولكن ماكينة الفساد التي لاتزال مسيطرة داخل دواليب الدولة تمنع حصول هده المحاسبة فلا الجلادون اعترفوا بجرائمهم ولا المعذبون تمكنوا من حقوقهم ولا المسجونون رد لهم الاعتبار. أما رسالتي فأوجهها الى السلطة الحاكمة التي أقول لها أن على الحاكم أن يستنير باراء المعارضة ولا يتكبر عليها مهما خالفته الرأي. وأقول لمختلف الأطياف السياسية قولي للقاضي الذي حكم مند عقدين باعدامي :"التوافق التوافق لأن تونس لا تتحمل مزيدا من الصراعات والسجون والاعدامات والاغتيالات. فتونس في حاجة الى كل أبنائها بسواعدهم وأدمغتهم" فمن التنوع تبنى الحضارة.