اذا كان من نجاح لحركة النهضة الاسلامية بعد ثلاثة وثلاثين سنة من تأسيسها هو أنها استطاعت اختراق المجتمع السياسي التونسي طولا وعرضا. أن يتواجد اليوم رئيس حكومة من قبيل المهدي جمعة، عليه اجماع نسبي، وهو الذي ثبت انتسابه الى الاتحاد العام التونسي للطلبة الذراع الطلابية للاتجاه الاسلامي في سنوات الثمانينات ، دليل على قدرة الحركة على المناورة. للذين لهم شك في ولاء المريد الى مرشده أن يطرحوا السؤال عن الطريقة التي جاء بها "التكنوقراط المستقل جدا" مهدي جمعة الى الحكومة. كلنا يعلم ان قدومه كان بتوصية من قيادي نهضوي مهجري الى رئيس الحكومة الاول بعد الثورة حمادي الجبالي. لقد وقعت تزكية المهدي جمعة طبق الادبيات الاسلامية وانضم الى حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض. كان جمعة جندي الاحتياط الخفي في ملفات حركة النهضة في فترة الحوار الوطني ونجحت في الاتيان به الى القصبة وسط ذهول كل الفرقاء السياسيين حول أصول الرجل. مهمته كانت مسطرة مسبقا في مونبليزير: استلام القصبة على امل ان يعيد مفاتيحها الى أولياء نعمته في الانتخابات القادمة. كان جندي الانقاذ وسط أزمة الحكم النهضوية وسقوط المشروع الاخواني في القاهرة. جاء لينهض بدور حدد له سلفا. قبول أطراف المعارضة الممثلة في الحوار الوطني بشخصية "نكرة" لا ماضي لها في عرف البعض يعتبر في عرفهم نجاحا في ارادة اخراج النهضة من السلطة! من المهم القول ان مهدي جمعة، الذي كان نسيا منسيا قبل أيام من "التوافق" عليه في الحوار الواطني ، منخرط تماما في تطبيق أجندة غير أجندة بنود خريطة الطريق. هوى الرجل في مونبليزير وتجمعه علاقات وطيدة بقيادات نهضوية عديدة ويتبادل معها ذكريات "ملحمة الاتحاد" في اشارة الى اتحاد الاسلاميين زمن المحنة قبل خروج جمعة الى فرنسا فيما بعد. الاهم ان الاستراتيجيا الاعلامية نجحت تماما واستطاع ساكن القصبة الجديد بقدرة قادر وبمساعدة بولديزير اعلامي طيع أن يوهم الرأي العام السياسي أنه "مستقل" وأن البلاد على حافة الهاوية الاقتصادية وأن الصمت والتضامن "أجدى وسيلة لانقاذ البلاد من الكارثة". كانت وسيلة مراوغة ناجحة من خريج الاتحاد العام التونسي للطلبة التابع للاسلاميين من أجل تحويل وجهة الاولويات الوطنية أولا و تخفيف الضغط على حركة النهضة ثانيا. بالفعل تمكن جمعة من تحويل وجهة الرأي العام عن طريق استعمال "فزاعة" الكارثة الاقتصادية من أجل الزام الجميع بحالة ترقب وصمت قد تطول الى غاية الانتخابات القادمة. قام بعض الاعلاميين بالتسويق لهذه الفزاعة بحسن نية أو بسوء نية، لا يهم . المهم أن الثمن كان السكوت على كل الملفات الحارقة ومن ضمنها مطلب اهم ملفين قد يغيران الخريطة في الانتخابات القادمة وهما ملفا تحييد المساجد ومراجعة التعيينات. بعد أكثر من ثلاثة اشهر مازالت العشرات من بيوت الله في قبضة التكفيريين وحتى المساجد التي انتزعت من السلفية الجهادية قدمت هدية انتخابية للعناصر القريبة من حركة النهضة بحجة تشجيع الاسلام المعتدل. العشرات من المساجد اليوم تقع تحت سيطرة حزب الحمامة الزرقاء بعد افتكاكها من سيطرة عاشقي راية العقاب. ستكون هذه المساجد سلاحا اضافيا للاسلاميين في الانتخابات القادمة. الى اليوم لم تقع مراجعة حقيقية للتعينات التي لغمت بها الترويكا الادارة التونسية. المهدي جمعة يماطل ويتهرب ولا يستطيع القيام بخطوات حقيقية في هذا المجال. حتى بعض الاجراءات التي قام بها كانت تحت الضغط.وما محاولة طاقمه الاعلامي تدجين بعض الصحفيين وخصهم بلقاءات خاصة ورحلات ومصاريف على كاهل الحكومة في مطاعم وحانات العاصمة الا محاولة من أجل ضمان صمتهم بمنطق "أطعم الفم تستح العين". أي انتخابات في الظروف الحالية طالما لم يقع تحييد بيوت الله ومراجعة حقيقية للتعيينات ستعيد سناريو 23 أكتوبر؟ المهدي جمعة، سليل الاتحاد العام التونسي للطلبة، منخرط في سيناريو اعادة مفاتيح قصر الحكومة بالقصبة الى مونبليزير. الريبة التي تسود قطاعا واسعا من المجتمع السياسي حول السلبية الظاهرة للمهدي جمعة تؤكد شكوكا حقيقية حول الدور الذي يقوم به. المهدي جمعة "تكنوقراط رابطة العنق" يقوم بهذا الدور دون جلباب ودون لحية ظاهرة.