يذهب في اعتقاد البعض أن القضايا المصيرية التي تحدد مسار حركة النهضة تتمثل في " الفصل في قضية الحركة او الحزب" ، أو " الدعوي و السياسي " او " الجناح المعتدل و الجناح المتشدد " أو راهنا قضية " وضع الحكم أو وضع المعارضة في سياقات معينة " .. وهي أمهات القضايا كما يرى هؤلاء التي كان على المؤتمر التاسع أن يحسم فيها .. أو أن المؤتمر العاشر الذي هو على الأبواب موكول اليه بدرجة أولى حسم النظر فيها .. ولا يدرك أصحاب هذا القول أن الديناميكية التي تحكم العلاقات و المؤسسات و تنوع الرهانات و تفاعل الأفكار و المضامين داخل أطر الحركة ، تسمح في أي سياق بالحسم و التقدم بهذه القضايا و غيرها مهما كانت شائكة ، و الخروج بالنتيجة و الخلاصات التي تعكس المزاج العام .. الشرط الوحيد و الحاسم و الذي تتوفر عليه الحركة على مدى تاريخها يتمثل في وجود طريقة لحسم القضايا الخلافية و المعقدة و الاستراتيجية .. وهذا الشرط موقوف بدوره على حضور الصوت العاقل و الرصين و المسؤول ، مهما بدى أحيانا من نزوع لبعض الجهات أو الأفراد أو الفعاليات نحو هذه الوجهة أو تلك من التنطع أو محاولات السيطرة او الهروب بالقرار أو حتى الأجهزة أو المؤسسات في اتجاه معين لا تحظى بالضرورة بالاجماع الكاف أو لا تلقى الارتياح الكامل من البقية.. وليس من نافلة القول التأكيد على أنها القضية الكبرى التي تعيش على وقعها حركة النهضة و كواليسها في المدة الأخيرة ، و هي التي تصنع حاليا الضغوطات على رئيس الحركة من أجل إجباره على الرضوخ لرغبة جهة معينة و مجاراتها في ما تخطط له و ترغب فيه .. ولو من وراء ظهر المؤسسات .. " مجموعة صنع الأزمات " تحاول خلق أزمة جديدة تناسلت الأزمات من سابقاتها في دوائر القرار صلب قيادة الحركة .. الموضوع هذه المرة المساعي المحمومة لافتكاك ملف المؤتمر ، التي كانت قد انطلقت من استقالة عنصر قيادي ، ثم الابتزاز ، ثم المزايدة و الاستباق بالتنقل في الجهات و التبشير بالاصلاح من خلال المؤتمر دون تفويض في ذلك من رئيس الحركة أو مؤسسة الشورى أو المسؤول عن ملف مضامين المؤتمر وهي الجهات المعنية بالدرجة الأولى بمتابعة النظر في موضوع المؤتمر ( وهي لم تقرر فعليا الى اليوم من الجهة التي تباشر التحضير المادي أو التحرك بالمضامين داخل الجهات ..) مع العلم أن المجموعة نفسها .. مارست ضغوطات كبيرة على رئاسة الحركة في بعض المحطات السابقة و المفصلية في مسيرة الحركة منذ عودتها .. و آخر هذه المحطات عند الانسحاب من الحكم .. ضغطت هذه المجموعة من أجل المحافظة على مصالحها و مواقعها .. ولوحت بموضوع أنجاز المؤتمر ، وهي الرسالة التي يفهم منها " التلويح بابعاد رئيس الحركة " على أساس أن المؤتمر المنتظر للحركة ستكون محطة التخلي للشيخ راشد الغنوشي عن هذه الرئاسة .. وقد فهم الشيخ راشد الغنوشي الرسالة جيدا و استوعب حجم الضغوطات و أقفل ملف التقييم من أجل تحاشي أي مشكل من شأنه أن يساهم في ارباك مسيرة الحركة في مرحلة شديدة الحساسية .. و تم اقرار المضي في انجاز استفتاء فولكلوري أقر تأجيل المؤتمر و المواصلة على الحالة نفسها بإرث تجربة الحكم المثقلة و طي ملف التنظيم و الهياكل ( وهو المرض العضال الذي بقي ينتظر بدون حل ) .. و دخلت الحركة في الاستعداد السريع للانتخابات و أفلتت على نفسها فرصة التوقف عند تجربة الانتخابات الفائتة و هناتها ، ودون التوقف عند تجربة الحكم و آثارها و ما استهلكته من سمعة الحركة و ومن رصيدها رغم اشارات الانذار المتعددة التي وصلت من الدوائر القريبة من الحركة في شكل ورقات و احصاءات أو دراسات سبر آراء دقيقة و علمية ... فحصلت الصدمة و آثارها و التململ و الاحتقان و مسارات التفاعل السياسي الذي افضى الى الدخول في تجربة الحكم بأقل من الانتظارات الممكنة و تحت حكم النداء .. نعم تحت حكم النداء .. وكان لا بد لرئيس الحركة أن يأخذ ذلك كله في عين الاعتبار ويحاول بطريقته أيقاف نزيف الاستهلاك من رصيد الحركة وامكانياتها وطاقاتها .. وبدء صفحة جديدة تأخذ في الاعتبار كل هذه المعطيات .. والمعطيات أو الرهانات اللاحقة .. والتي من أهمها و وأوكدها .. مؤتمر عام ( وهو أعلى سلطة في الحركة ) يتوفر على أهم شروط المصداقية والشفافية والمصارحة وقوة القرار .. حتى لا تتكرر تجربة المؤتمر السابق الذي بقي رغم ما شابه من حماس وجدية في التداول ، بقي دون الانتظارت وأصبح محل تندر من قبل أبناء الحركة و فعالياتها .. المعطيات التي بحوزتنا مبدئيا تقول أن "مجموعة الأزمات " تتحرك هذه الايام بقوة في دوائر الشيخ راشد من أجل أن يسند اليها ملف المؤتمر .. وهو من جهته يرى أن ملف المؤتمر هو ملفات وأجزاء متعددة .. أقر مجلس الشورى في شان بعضها تكليفا محددا، أسند بمقتضاه الاشراف على المضامين للرجل المحترم عبد الرؤوف النجار، و بقية التفاصيل الأخرى تعود الى تداول مجلس الشورى الذي يقرر بشأنها وبالجهة التي تتولاها على ضوء المعطيات التي سوف تتوفر وفيها تقدير مصالح الحركة واحتياجاتها بحسب طبيعة هذا الملف ، وطبيعة المرحلة ، والامكانيات المتاحة للحركة ماديا وأدبيا للفعل الناجع والمثمر تنظيميا وهيكليا ، ثقافيا ومجتمعيا و سياسيا ، محليا و اقليميا و دوليا .. " العركة " التي أشار اليها حمادي الجبالي هل وجد الشيخ راشد نفسه يخوض المعركة التي تحدث عنها حمادي الجبالي عندما سئل من قبل الاعلام " لماذا لا يخوض في مسألة الاصلاح من الداخل " ؟ أجاب الرجل بكامل الصراحة " أن عملية الاصلاح يلزمها عركة كبيرة " .. حمادي الجبالي اختار عدم خوض هذه المعركة مع اخوانه .. وقدم الانسحاب عن خوضها ومواجهة العواصف ... فماهو وضع الشيخ راشد اليوم ؟ الشيخ راشد يجد نفسه اليوم مكرها في مواجهة العاصفة وخوض هذه المعركة التي لم يختر للأسف زمانها ولا مكانها .. و لكنه بدون شك يملك بعض أهم أوراقها .. . الحضور القوي والرمزية القيادية الكبيرة خلال هذه السنوات من الفعل الميداني خاصة . صبر كبير وخصال قيادية نادرة وحذق في حماية وحدة الحركة . مجموعة الأزمات و انكشاف أمرها مع مرور الوقت ( ردات الفعل التي حصلت في إحدى جهات الجنوب على سبيل المثال ، التي اصبحت تتحاشى الحضور فيها عناصر المجموعة المذكورة ) . توضح موضوعات الازمة الهيكلية والتنظيمية واطرافها الاساسية المتسببة فيها لدى عموم ابناء الحركة و مناضليها. كان الاعتقاد السائد في البداية أن الحركة مقسمة بين جماعة المهجر وجماعة الداخل .. و بين دوائر الشيخ راشد والبقية الذين هم على الهامش .. و لكن هذه التفسيرات رغم أهميتها .. لم تثبت أمام خطورة ما يسمى بمجموعة التنفذ أو ما يسمى " بالأزمات " .. التي تبينت صورتها ووضعها اليوم و خياراتها ، على المستوى الهياكل ، و على مستوى الآداء و حجم الإضافة المطلوب ، وثالثا على مستوى الطرح السياسي .. و ان كان الموضوع واضح تماما في ما يتعلق بالعنصرين الأوليين ، فإن الموقف في ما يتعلق بالطرح السياسي يحتاج اليوم الى التوقف عنده. هذه المجموعة كانت تدفع بحماس كبير للتصادم مع اتحاد الشغل ثم بعد ذلك مع نداء تونس ، وكانت تتصور أن الحركة بامكانها أن تقوم مقام الدولة او مساندا لها في التصدي للاحتجاجات والخيارات القذرة التي ذهب اليها اتحاد الشغل ثم نداء تونس في الكواليس . قام الشيخ راشد على اثرها مباشرة بالجلوس الى الكتاب العامين للجهات و تبين له أن قواعد الحركة ومناضليها ضد هذه العنتريات وبالاجماع - .. وليس لديهم الاستعداد لاعادة تجربة 1991 ، وان كانت الى جانبهم أجهزة الدولة هذه المرة ، و ليس لديهم بالخصوص الاستعداد لتحميل البلاد ومن منطلق وطني خالص تبعات وآثار صدامات تترك آثارها على كيان التونسي و تعوق تطلعاته وتطلعات شعبه للنظر الى الأمام و انجاح تجربة الانتقال الديمقراطي التي باتت مستهدفة خاصة اثر الانقلاب في مصر .. صرح الغنوشي بعد هذه الجلسة مباشرة أن "جزء من قيادات الحركة هي في قطيعة تامة مع القواعد ، وهي متأخرة جدا عن وعي هذه القواعد" " فالعركة " إذن أصبحت في مواجهة الجهة التي تملك " جهاز فعل الحركة " طيلة أربعة سنوات (هياكل وتنظيم وانتخابات ومؤتمر سابق و مؤسسة شورى بتركيبتها التي تثير عديد الشبهات ...) وهي تريد اليوم أن تستعيد المبادرة بعد فشلها في ادارة ملف الانتخابات في المسك من جديد بأهم الملفات وأكثرها حساسية وامتدادا داخل جسم الحركة وبين فعالياتها في الأيام القادمة .. لقد بنت هذه الجهة على استقالة الجلاصي ( المريبة ) طلبات عديدة .. كالمسك بملف الاعلام الذي وعد به نجيب الغربي ( العنصر الناشط جدا لحساب هذه المجموعة ) .. والمسك بملف العلاقات الدولية في اطار المزايدة و الابتزاز لانهم يعلمون علم اليقين أن هذا الملف يمسك به الشيخ راشد شخصيا. ويدير من ورائه شبكة العلاقات والتفاعلات السياسية محليا واقليميا ودوليا .. ولا أحد يرتقي الى حجم المسك بهذا الملف الدقيق غير شخصية حمادي الجبالي المتخلية .. هم يريدون أيضا المسك بملف التنظيم من جديد، ومن ذلك ملف الانتخابات البلدية .. كل ذلك تسبقة على الحساب .. وفي اطار المناورة من أجل الوصول الى لب الموضوع الذي تضغط من أجله الجماعة .. ألا وهو المسك بملف "المؤتمر " .. وتوجيه الحركة الوجهة اتي يريدونها .. المشكل في هذا الطلب يعالج من زوايا متعددة : أولا عدم كفاءة الجهة التي تحرص على الحصول عليه و تجييره لصالح شخص بعينه يؤمن المصالح للمجموعة المذكورة .. وثانيا، ان الشخص نفسه المراد أسناد هذا الملف اليه لا يتوفر على شروط الحيادية ، وهو يعتبر في قلب أزمة الشد و الجذب داخل الحركة. وهي شخصية اشكالية من الطراز الأول .. وهذا الملف يحتاج الى شخصية رصينة ومحايدة وتحظى بثقة واسعة بين أوساط الحركة وفعالياتها ، وغير منغمسة في أتون المزايدات، ولا تتعلق بها خاصة سجلات الفشل والتعثرات. وهذه المعايير كلها اذا قيست بها وضعية الجهة المقترحة ومرشحها بالتحديد ، تصبح مسألة فوزه بهذا المنصب مسألة صعبة جدا إذا لم تكن مستحيلة. ثالثا، الشروط المتعلقة بهذا المؤتمر، الذي يقف بين تركة ثقيلة ، وأعباء مستقبلية أثقل .. ولا تتحمل الحركة ان يقع التشكيك فيه مسبقا ، أو أن يفقد مصداقيته قبل أن يبدأ .. الرهانات القائمة على هذا المؤتمر في أن ينجز للحركة رتق ما بين مرحلتين وضمان ما بعدهما ، كبيرة و كبيرة جدا ... ورابعا المسلك الخاطئ الذي اختارته هذه الجهة و المساعي المحمومة من أجل المسك بهذا الملف . لأن المجموعة و كلها عناصر في مؤسسة الشورى تعلم علم اليقين أن ملف بهذا الحجم يحسم فيه من طرف مؤسسة الشورى و يظل رأي رئيس الحركة استشاريا في اطار الاقتراح .. وهي بهذه الطريقة وهذا الاسلوب تحرص على سحب الملف من ايدي رئيس الحركة و تحييده ، قبل المرور الى مؤسسة الشورى ، وهي المرحلة التي تحتاج عملا في الكواليس تتقنه المجموعة جيدا، لاجل ضمان التصويت .. هذا الموضوع سيظل على كل حال راميا بظلاله على أجواء الحركة وظروف عملها ، مالم يتخذ بشأنه الشيخ راشد موقفا حاسما وحازما .. خاصة إذا علمنا أن الجهة المعنية بهذه "العركة " -كما يقال - تلتجئ من حين لآخر الى أسلوب المناورة و فرض الأمر الواقع .. من خلال التحرك بملف المؤتمر تحت عناوين الرغبة في الاصلاح و تطوير آداء الحركة .. وهي كلمة حق أريد بها باطل .. وهي كما يتندر البعض بالقول " اصلاح ماذا ايها ..... ؟ و تجاه أي تركة ؟ ومن هم أصحاب التركة ؟ و كيف؟ " كلها إذا أسئلة يطلب الإجابة عنها لمن يريد الحديث عن اصلاح تجمع عليه كافة فعاليات الحركة .. وليس لأحد او جهة أن تسمح لنفسها بأن تأخذ على عاتقها طرح الأمر هكذا بعيدا عن الأطر والمسالك الصحيحة. **اسم مستعار لعضو في حركة النهضة