لقد أخذت مجريات البحث و الحوار أوج عطائها هذا الصيف تحت ظلال المبادرة الرئاسية التي أعلنها الرئيس الباجي قايد السبسي . مبادرة رئاسية كانت سائرة منذ البداية نحو تغيير السيد رئيس الحكومة الحبيب الصيد ، و هاهي تنتهي بتغييره . لقد أثمرت طاولة الحوار في قرطاج وثيقة أولويات فيها من النقاط و التوجهات الكثير . و لقد أثمر البحث عن الشخصية القادرة على تنفيذ أهداف الوثيقة السيد وزير التنمية المحلية في الحكومة التي سحبت منها الثقة يوسف الشاهد . يوسف الشاهد شخصية شابة بامتياز ، تمكنت من كسب ثقة الرئيس . و قد كانت شخصية بعيدة عن الأضواء و رغم تواجد عدة شخصيات أخرى أخذت الأضواء أكثر و نجحت في ملفات أعظم إلا أن الشباب يفرض نفسه هذه المرة باعتلاء "العرش" . ان الثورة التونسية انبثقت من معاناة الشباب، و كان وقودها أصوات الشباب المهمش في شوارع تونس المنتفضة و التي كانت تعاني من غياب شبابي على مستوى السلطة العليا مما غيب تفهم السلطة لمعاناة الشباب التونسي و توجهاته و مقتضيات استقراره في الدولة . يوسف الشاهد شخصية مجالها الاقتصاد الفلاحي ، وقد تحملت مسؤولية كتابة دولة في وزارة الفلاحة و من ثم وزارة التنمية المحلية . و ربما هذه المرة الامتحان أعظم خصوصا أمام التحديات التونسية القائمة في هذه الفترة بالذات . ان منح الثقة لشخصية شابة لتولي حقيبة رئاسة الحكومة يمكن وصفه بالقرار الثوري انطلاقا من رؤية واضحة تتبنى دعم الشباب التونسي ليكون في مقدمة قاطرة التحول في البلاد التونسية . وهو قرار هام في تاريخ الدولة لأنه سيغير المعادلة و سيفتح افاقا أرحب أمام الشباب التونسي لكي يقترب من الواقع السياسي التونسي و يملك سلطة القرار و يتغلغل في القضايا الوطنية . وربما نعتبره أهم قرار تاريخي اتخذه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ، لكن لا يمكننا القول بأفضلية هذا القرار الا بعد فترة حكم رئيس الحكومة الجديد وقدرته على احداث حلول جديدة للأزمة الاقتصادية و قدرته مع فريقه الحكومي على كسب المعركة ضد الارهاب و قدرته على تشغيل العاطلين عن العمل و كذلك قدرته على مقارعة اللعبة السياسية الخانقة بحكم حروب التموقع السياسية و لعبة الأسماء. و تعيين شاب في هذا الموقع الهام في الدولة هو في النهاية مكسب للشباب التونسي و هو كذلك ضخ لدماء جديدة في الساحة الوطنية التي غابت عنها روح و طاقة الشباب . و لأنه غالبا ما يكون نشاط الروح و طاقة الجسد دون خبرة اهدارا للجهود دون فائدة تذكر، فانه لمن الأهمية بمكان أن يكون رئيس الحكومة الحالي محاطا بأناس من ذوي الخبرة في تسيير دواليب الدولة . و من المهم ألا تضغط الأحزاب لتمرير أسماء لا تتوافق مع الرؤية و السياسة الحكومية التي سيعمل في دائرتها رئيس الحكومة المكلف . و الجدير بالذكر أن سياسة ضغط الأحزاب جعلت من الفريق الحكومي السابق غير متجانس بالتمام و الكمال . ان المحاصصة الحزبية لن تثمر أي نتائج ايجابية للبلاد لذلك فالخروج من نفقها المظلم نحو بناء حكومة بمواصفات الكفاءة و التميز و نظافة اليد و السيرة الناجحة هو دخول بامتياز في طريق سوي لخدمة البلاد و العمل في اطار متجانس سيكون ملائم لاجتياز المآزق المالية والأمنية . ان أمام الحكومة القادمة تحديات تاريخية في مستقبل البلاد ، هي بلا منازع سنوات الفعل و سنوات المحافظة على الاستقرار الأمني و الذهاب بعيدا في نهج البحث عن التحكم في التوازنات المالية والاقتصادية و ايجاد حل لمعضلة الشباب المعطل عن العمل والذي بدأ صبره بالنفاذ . ان الحكومة القادمة قد تكون حكومة شباب لكنها يجب أن تضع قضايا الشباب في مقدمة قراراتها من تشغيل و تكوين اجتماعي و سياسي و اصلاح تعليمي و ثقافي . وكذلك رهان كبير نحو ايصال البلاد في نهاية هذه الدورة نحو انتخابات تشريعية ورئاسية في أجواء اقتصادية وأمنية مستقرة . انتخابات قد تكون بوابة نحو التميز و علو مقام الدولة التونسية بين الأمم.